الحقيقة والسراب

حقيقة جلب الكنس ليلًا للنكد ومنعه للرزق؟

كتبت- آمال رتيب
«يا بنتي لا تكنسي.. خلاص المغرب أذن» ٬ عبارات كانت ترددها أمهات الزمن الأول على مسامع بناتهن٬ ولم يكن منهن إلا السمع والطاعة؛ ولكن ما حقيقة هذه المقولة التي كانت مشهورة في تلك الأيام الخوالي٬ قبل دخول الكهرباء ووجود معدات الكنس الآلية؟ وهل هي مجرد خرافة وأسطورة؟ أم أن بها شيئا من الحقيقة؟.
يجلب الجن
تقول حياة حلواني: كانت جدتي وأمي – رحمة الله عليهما- تمنعانا من الكنس أو التنظيف مساءً٬ وقبل دخول وقت المغرب٬ يجب أن يكون كل شيء قد انتهى٬ ولا مجال لأن تمسك أي من بنات العائلة «المكنسة» ولو على سبيل الممازحة٬ وكانت جدتي أحيانًا تزيد في منعنا بالتخويف من أن الكنس في هذا الوقت يجلب الجن٬ أو يسوق النكد والمشاحنة٬ وأحيانا بالملاطفة بأنه يمنع رزق البيت٬ أو حسب تعبيرها «يكنس الرزق»! وكنا لا نملك إلا أن نستجيب.
عادة غربية
وتضيف: بمرور الزمن تغيرت كثير من العادات٬ ولكن للحقيقة هناك موروثات ظلت في وجداننا٬ حافظنا عليها بتلقائية وبفطرة٬ ومنها عادة عدم تنظيف البيت مساءً، وأذكر أنه مع ابتعاث إحدى بناتي لأمريكا وسفري إليها٬ كانت ترجع مساءً لتبدأ التنظيف والترتيب٬ فوجدت نفسي أنهاها عن ذلك٬ وطلبت منها أن تستيقظ ساعة مبكرًا عن موعدها لتنتهي من التنظيف٬
أو تتركه ليوم الإجازة. واستجابت على مضض بعد مناقشات وجدل طويل حول الخرافات والعادات الشرقية القديمة٬ غير أنها بعد اختلاطها بزميلاتها في الجامعة٬ أقرت أن هذه أيضًا عادات الغرب٬ فهم ينتهون من كل أعمال المنزل من تنظيف وطبخ قبل الخروج من البيت٬ ليعودوا بعد ساعات الدراسة أو العمل للراحة والسكون، فاعتقد أن جداتنا كانت لهن رؤية فطرية وبصيرة في هذه الأمور٬ بالطبع غير علاقة الكنس بالجن أو الرزق.
طاقة المكان
ولحل هذا اللغز والوقوف على القول الفصل بين الحقيقة والسراب٬ سألنا خبيرة العلاج بالطاقة حنان زينال، التي قالت: الأمر ليس له علاقة بالجن من قريب أو بعيد٬ ولا مجال للخوض في هذه التفاصيل٬ فعلماء الدين أفتوا كثيرًا في هذا الموضوع٬ ولكن أتحدث من البعد الطاقي لهذا الموروث الفطري٬ فقد أثبت علم الطاقة أن كثير من المشكلات التي تحدث بين الأزواج وأفراد العائلة الواحدة من إخوة وأهل٬ يرجع إلى جلب طاقة سلبية إلى البيت.
الحكمة
وأوضحت بأن: الحكمة من عدم الكنس حال دخول الليل أو قبيل آذان المغرب٬ يرجع إلى سنَة الله في الكون {وجعلنا الليل لباسا. وجعلنا النهار معاشا}؛ أي أن الليل للسكون والراحة والنهار للعمل والجد٬ وعندما نقوم بأي أعمال ليلًا ومنها التنظيف أو الكنس؛ فنحن نسير عكس الطاقة الكونية المتجهة إلى السكون والهدوء.
وأضافت: الأخطر عندما نقوم بفعل الكنس أو التنظيف وإزاحة الغبار؛ فنحن نحرك طاقة سلبية في البيت٬ فمهما كانت ظروف المرأة ومتطلبات الحياة٬ عليها ألا تلجأ إلى تنظيف البيت ليلًا؛ سواءً لضيق الوقت نهارًا٬ أو لحضور ضيوف ليلًا، فهذه الأعمال يمكن الانتهاء منها خلال ساعات النهار٬ فقط علينا تنظيم الوقت٬ واستحضار نية تتابع السنة الكونية التي خلقها الله سبحانه.
مدلول طاقي
وتنوه زينال إلى أنه: في حال الاضطرار٬ يمكن التخلص من تفريغ كيس المكنسة في الماء٬ في الماضي كانوا لا يخرجون ما تم كنسه خارج المنزل٬ وهذا التصرف أيضًا له مدلول طاقي؛ بمعنى أننا جمعنا طاقة البيت من بركة وتواصل وأخرجناها خارج المنزل٬ وألقينا بها في القمامة٬ وبالتالي نقلناها إلى طاقة أكبر هي مجموع ما تم وضعه في سلة المهملات٬ فالتشابك الأثيري يتفاعل٬ وتنتقل إلينا طاقات المشاحنات وتتزايد بحكم الطاقة الجمعية٬ لذلك لا عجب إن وجدنا زيادة حالات الطلاق٬ وكثرة المشاحنات في البيوت٬ وضعف التواصل والتراحم٬ ونتندر على أيام زمان وما فيها من بركة ومودة وأرزاق٬ فلنرجع إلى الأسباب٬ وإعادة طاقات التواصل والبركة في البيوت٬ ليعود الهدوء والسكينة.
تناغم الفطرة
وحتى لا يتم تفسير هذا المعنى بسطحية وتفريغه من مدلوله وإرجاع أسباب الطلاق إلى الكنس ليلًا، تؤكد زينال أن: التفكر في حكمة الله وآياته في الكون٬ وربطها بالموروثات الفطرية السليمة٬ يبعدنا عن كثير من المشاكل العصرية التي اقتحمت حياتنا٬ وشوهت علاقتنا.
وتختتم خبيرة العلاج بالطاقة حنان زينال قائلة: الاستيقاظ مبكرًا ولو ساعة٬ كفيلة بأن تساعدنا على الانتهاء من أعمال البيت مبكرًا٬ ولو حضر ضيوف وطالت السهرة ليس بالضرورة التنظيف مباشرة بعد مغادرتهم ليلًا٬ اتركوا «الليل لباسًا» وسكينة٬ واستجيبوا لطاقة الكون وتناغموا معها.
رأي الشرع
وللتأكد من شرعية هذا المنع وما يدور حوله من خرافات موروثة بأن فعله يجلب النكد أو الجن٬ أو بسببه تثار المشاحنات بين الزوجين أو الإخوة٬ توجهنا إلى فضيلة الدكتور أحمد قاسم الغامدي، الذي قال موضحًا: كنس البيت وتنظيفه ليلًا ليس محرمًا ولا مكروهًا٬ فهو على الأصل وهو الإباحة في الأشياء٬ ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهي، ولم يثبت في قرآن ولا سنة أنه أمر يجلب النكد والجن والخلافات بين الزوجين، بل كل هذا خرافة لا صحة لها ولا أساس لصحة ذلك في الدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *