المشاهير

سمراء الاغنية العربية «عتاب»

بقلم– رانيا الوجيه
مضى أكثر من 15 عامًا على رحيل الفنانة السعودية “عتاب” ولازالت في ذاكرتنا، فهي التي تعيدنا إلى الطرب الأصيل والزمن الجميل، وحينما كانت تغني كانت تجبرنا أن نحلق معها ونستمتع بأجمل الالحان والإبداعات، فقد فرضت اللهجة السعودية في مصر، وحققت شهرة عربية، وهي متمسكة بالكلمة السعودية، كما أنها فتحت المجال لظهور أصوات نسائية خليجية أخرى، ولكن خلف هذا النجاح ذكريات وأحداث مؤلمة ومسيرة فنية عريقة، ولذلك استحقت في هذا العدد تكريم تلك السيرة الفنية في السطور التالية.
القصة الحقيقية لاسم “عتاب”

ولدت “طروف عبد الخير آدم طلال الشهيرة بـ”عتاب” في 30 ديسمبر عام 1947، في العاصمة الرياض، ودخلت الوسط الفني في سن مبكرة، وهي لا تتجاوز 13 عامًا، وكان لصوتها الجميل وعشقها للفن دور في ذلك، وفي معلومات أوردها برنامج (ذاكرة النغم) عن طريق فريق الإعداد للبرنامج، الذي كان يبث على إذاعة جدة، أن هناك قصة لتحول اسمها من (طروف) إلى (عتاب)، حيث أن معلمتها في المدرسة أول من أطلق عليها اسم “عتاب”، الذي باتت تعرف به، حيث طلبت المعلمة من زميلات “طروف” في الفصل اختيار اسم للتلميذة المحبة للغناء، فاقترحت الطالبات عددًا من الأسماء، واختارت لها المعلمة اسم (عتاب) لرمزيته العاطفية، وفي تلك الفترة كانت الطفلة السمراء البشوشة تغني في الأفراح وتصاحبها في العزف على العود فنانتان (سارة عثمان) و(حياة الصالح).
أولى خطوات الفن

تعتبر عتاب من أوائل المطربات في السعودية بجانب ابتسام لطفي وتوحة واشتهرت بغنائها الخليجي، وكانت واحدة من أشهر مغنيات الأفراح والمناسبات السعيدة في المجتمع السعودي في السبعينيات من القرن الماضي، وحققت شهرة كبيرة ومثلت الأغنية السعودية واقتربت من كونها نجمة استعراضية ولقبت بسمراء الأغنية العربية.
وحينما اكتشفها الفنان طلال مداح عام 1959 وكان عمرها آنذاك 13 عامًا، وقدم لها أغنيات سجلتها في السعودية ولبنان، وتوقع أن يكون لها شأن في الأغنية وشجعها على الاستمرار، فسافرت عتاب إلى الكويت، وكانت تقدم مجموعة من أغاني الأطفال عبر الإذاعة، و انطلقت شهرتها الحقيقية عندما قام العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، بتقديمها إلى الجمهور في إحدى حفلاته الفنية، في فترة السبعينيات لتكون انطلاقتها وشهرتها.
حياتها في القاهرة

في عام 1966 قدمت أولى أغنياتها بعنوان “لا يا بنت” من ألحان فوزي السيموني، ومن ثم سجلت مجموعة من الجلسات الغنائية لتلفزيون الكويت بصحبة الفنان حيدر فكري فغنت “يعني كيف” و”الله حسيبك” و” ودعتك الله”، وبدأت “عتاب” التفرغ الفعلي للفن عام 1972، وشكّلت مع الفنان حيدر فكري ثنائيًا مميزًا في الجلسات الفنية، ثم انطلقت شهرتها بشكل أكبر في العالم العربي، بعدما انتقلت إلى القاهرة عام 1980، وبدأت فيها نشاطها الفني عام 1985، حيث طرحت أغنية “جاني الأسمر” من ألحانها و الفنان فوزي محسون، كما تعاونت مع الملحن محمد الموجي في أغنية (فك القيود) وأيضًا مع ملحنين مصريين آخرين.
ورغم إقامتها الطويلة في مصر إلا أن عتاب حافظت على هويتها الموسيقية بإخلاصها للأغنية الخليجية والسعودية على وجه التحديد، فلم تتجه للغناء بغير لهجتها إلا في مناسبات معدودة. وتقول عتاب عن ذلك في إحدى حواراتها: “لا يمكن أن يشعر الفنان بالكلمات طالما يغني بلهجة غير لهجته”، وفي فترة إقامتها هناك افتتحت مسرحًا غنائيًا في القاهرة يحمل اسم “مسرح عتاب”، وكانت تربطها علاقة مميزة بأشهر نجوم الأغنية السعودية رغم إقامتها الطويلة في مصر.
علاقة وطيدة بالفنانين السعوديين

قال عنها النقاد: أنها فرضت اللهجة السعودية في مصر، وحققت شهرة عربية، وهي متمسكة بالكلمة السعودية، وأيضًا فتحت المجال لظهور أصوات نسائية خليجية أخرى، كما طرحت مجموعة من الأغنيات المصورة فيديو كاسيت تحت عنوان (عتاب شو)، وكذلك طرحت العديد من الألبومات غنت فيها بعضًا من أشهر أغانيها لأشهر الشعراء مثل: الشاعر الكويتي فائق عبد الجليل وعبد اللطيف البناي ويوسف ناصر والشاعر اليمني الكبير حسين المحضار والأمير خالد الفيصل والأمير بدر بن عبدالمحسن والأمير خالد بن يزيد وصالح جلال والشاعرة ثريا قابل وغيرهم، أما ابرز الملحنين فهم: الفنان طلال مداح والفنان الكبير طارق عبد الحكيم والملحن محمد شفيق والفنان فوزي محسون والفنان الدكتور عبدالرب إدريس والموسيقار سراج عمر والفنان سلامة العبدالله وفهد بن سعيد والملحن الكويتي يوسف المهنا.
كما شاركت في تقديم برنامج “جلسة طرب” لمحطة أوربت الفضائية لفترة مع الشاعر الكويتي الكبير بدر بورسلي، ونالت كأس أفضل مطربة خليجية في استفتاء مجلة صوت الغنائية، ولقب مطربة 1989 في استفتاء جريدة الاعتدال السورية وتصدر في ولاية نيوجيرسي بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي عضو اتحاد الفنانين العرب، وعضو نقابة المهن الموسيقية بالقاهرة، وعضو مجموعة فناني الجيزة، عاشت في مصر لقرابة العقدين، ثم قررت عام 2003 الاتجاه للإمارات العربية المتحدة بنيّة الاستقرار، لتكون قريبة من والدتها التي تحمل الجنسية الإماراتية.
عاشت عتاب في السنوات الأخيرة في صفوف المحرومين، قانعة بما قدمت ومسرورة بحب الناس ولتنضم لقائمة المبتعدين عن الفن، وتقدم نتاجًا فنياً أقل من مستواها الحقيقي لا لشيء ما ولكن رغبة في الحضور والتواصل مع جمهورها.
الجانب الحزين في حياتها

هناك زوايا مهمة في حياة الفنانة الراحلة، وقد سبق وتم إجراء حوار صحفي قبل سنوات مع الابنة “بسمة”، التي كشفت الجانب المظلم والمحزن في حياة والدتها وقالت: بداية عذاب والدتي مع زوجها المصري محب فاروق عبد الصبور، الذي كان يعمل باحث مالي في وزارة الداخلية المصرية سابقًا، وكان مقيمًا في السعودية يعمل بوزارة الإعلام، ويؤسفني كثيرًا أن أتحدث عن زوج والدتي بهذا الشكل، لكن الحقيقة كانت أصعب من أن تصدق، فهو أتعب أمي كثيرًا، وكانت هناك الكثير من القضايا في المحاكم بسبب طلبها الطلاق، وعند وفاة أمي أرادت نقابة الفنانين في القاهرة أن تقيم (سرادق عزاء) لها، إلا أن زوج والدتي أخبرهم أنه لن يعمل أي مراسم عزاء، وهذا الشيء آلمني كثيرا”، وعانت والدتي في أيامها الأخيرة وماتت وهي فقيرة معدمة، وخرجت من هذه الدنيا بحب الناس وهو الرصيد الحقيقي”.
ومن جانب آخر لم تحصل الابنة بسمة الزهراني على نصيبها من ميراث والدتها وأوضحت قائلة في الحديث الصحفي: “كل ما خرجت به سيارتين قديمتين بعتهما لحاجتي الماسة إلى المال، ولم تتجاوز قيمتهما 11 ألف ريال لأنهما قديمتان”، وأضافت: “للأسف لم أحصل على شيء مما جنته والدتي طوال سنوات عمرها الفني، وخرجت من (المولد بلا حمص) حتى إخوتي تغيروا علي بعد وفاة والدتي، وكانوا يتصلون بي بين الحين والآخر، وكنت ألمس منهم نية إسكاتي فقط عن إثارة المواضيع والمطالبة بالإرث”.
وذكرت بسمة أن والدتها خلفت أرشيفًا فنيًا كبيرًا مثل الفيلم النادر لها (عتاب شو) الذي شاركتها فيه النجمة فايزة كمال، ومجموعة من الأعمال المصرية، وكلها موجودة في القاهرة، ولا تعرف ما مصيرها، وكذلك بعض الأغاني التي كانت تذاع هناك ولم تشتهر على الصعيد الخليجي، وقالت: “أناشد راشد الماجد مساعدتي للحصول على تركتها الفنية والمحافظة عليها من الاندثار، ولا سيما أن لها أعمالًا لم تسمع حتى الآن مع شركة (فنون الجزيرة) وأغنيات بمصاحبة فنانين كبار، ولها مع العمالقة المئات من الأغاني في مكتبة موسيقية موجودة في القاهرة”.
وبيّنت بسمة أن والدتها كانت تربطها علاقة وطيدة بعدد من الفنانين في الوسط السعودي، كما كانت مرتبطة بشكل كبير بخالي عبادي الجوهر، وأنا أسمي كل من في الوسط الفني سواء سعد خضر أو محمد شفيق أو عبادي الجوهر بأخوالي؛ بسبب قربهم الكبير من والدتي ومحبتهم لي”.
وأوضحت أن والدتها حضرت حفل توقيع الفنان عبادي الجوهر مع (روتانا) وقال لها بالحرف: “معقولة يا عتاب تمرضين وأنا آخر من يعلم؟”.
بعد ذلك تصافحًا بحرارة، ثم فضلت والدتي الجلوس معي على طاولة الإعلاميين في آخر الصالة؛ لأنها لم تكن ترغب في الظهور.
واختتمت بسمة حديثها ” بأن والدتها أوصتها خيرًا بطفل صغير اسمه (فيصل) كانت عتاب قد تكفلت برعايته وهو ما زال لديهم، وهي كانت محبة للخير في حياتها.
وفاتها

آخر زياراتها للسعودية كانت قبل أشهر من وفاتها حيث واصلت علاجها في إحدى مستشفياتها، وكان الوسط الفني ممثلًا بكبار موسيقية سراج عمر وسامي احسان ومحمد شفيق مرافقيها في هذه الرحلة العلاجية، بعدها غادرت إلى القاهرة لتكون الوفاة بعد يوم واحد من وصولها إلى مصر، جراء الإصابة بالمرض في 19 أغسطس 2007، ودفنت بمقابر الأسرة بمدينة 6 أكتوبر، وغاب بوفاتها الكثير من التراث الشعبي القديم، وكل عام في ذكرى ميلادها الذي يوافق 30 ديسمبر من كل عام، يحتفل محرك البحث الشهير جوجل بالراحلة “عتاب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *