سياحة

مفردات العشق والمحبة للمكان والإنسان

بقلم- فاطمة ال عمرو

اعتاد عشاق المعرفة والاطِّلاع، على تقليب صفحات كتاب التاريخ؛ سيما تلك التي تفرد لليالي الرمضانية مساحةً، من خلال زيارة منطقة جدة التاريخية مثلًا، عبر أجواء من البهجة والسعادة، حيث تلبس المنطقة ثوبها الباهي الذي يربط الماضي البعيد بالحاضر السعيد، مستعرضًا تلك ذكريات ، فالأجواء الرمضانية بالمنطقة التاريخية تتزين لزوارها، وفي لحظاتٍ رائعة تُعرِّف الأجيال المعاصرة حياة أجدادهم وعاداتهم الرمضانية وتقاليدهم الحياتية، التي ما زال البعض يحافظ عليها ويعض عليها بالنواجذ، فعمق جدة التاريخي، وقيمتها على مدى الأيام تتجسد في ذلك التراث العمراني الفريد، الذي وصفه المختصون بأنه التميز الحقيقي والتفرد بعينه.

وحتى نضع النقاط على الحروف، استطلعت «اقرأ» رأي بعض مالكات الدكاكين والزائرات اللواتي هن أدرى منا بماضيها الخالد وتاريخها، فلم يبخلن بتزويدنا بمعلوماتٍ مفيدة عن الأوضاع القديمة والجديدة في حوارٍ شيق عبر مفرداتٍ تتسم بالعشق والمحبة.

دكان ست الذوق

وفي جولتنا الاستطلاعية في أسواق البلد لفت انتباهنا دكان (ست الذوق)، حيث أفادتنا صاحبته سارة المختار أن الحرف الشعبية والأشغال التقليدية ما زالت تنتشر في منطقة جدة التاريخية، كما أن التجارة قد ازدهرت مع وجود أسواقٍ تمثل شريان تلك المنطقة مثل؛ العلوي، البدو، قابل، الندى، وقد أكدت سارة عشقها لمنطقة جدة التاريخية التي كانت تزورها برفقة والدها يرحمه الله، وظلت تحلم بامتلاك مكانٍ خاصٍ بها تقدم فيه المأكولات الشهية، وقد تحقق حلمها بعون الله، وها هي الآن تمتلك دكانها الصغير منذ 3 أعوام.

مأكولات شعبية

 

وتقودنا جولتنا لروان محمد، التي أخبرتنا بأنها اعتادت أن يكون لها حضورٌ دائمٌ في الشهر الفضيل، حيث تقدم فيه أشهى الأطباق، وأشارت روان إلى أن جدة التاريخية اشتهرت بمأكولاتها الشعبية، المعروفة بمذاق بهاراتها الشرقية القديمة، ونمط الحياة البدوية الصحراوية، ومن تلك المأكولات أطباقٌ وصلت شهرتها للآخرين، علمًا بأن بعض تلك المأكولات اندثر، وما زال البعض ينازع المطبخ العصري الأهمية، ويفرض نفسه بقوة، سيما في شهر رمضان المعظم، مثل الفول الممزوج بالزيت أو السمن مع إضافة الطحينة والمعصوب بأقراصه الصغيرة، وما زال للمطبق عشاقه.

تراثٌ ومتاحف

ثريا جان في الخمسينيات من عمرها تمتلك متحفًا منذ 4 أعوام، تؤكد عشقها لمنطقة جدة التاريخية، وتقول إنها افتتحت دكانها بتلك المنطقة وتحديدًا في حارة الشام؛ باعتبارها منطقة جذبٍ سياحي بالنسبة للزوار والمعتمرين، وقد خصصت جزءًا للمبيعات الخاصة للمتاحف الحجازية النادرة، بينما جعلت الجزء الآخر كمتحفٍ فيه جلساتٌ خاصة، وتقول السيدة ثريا: « بحمد الله هناك إقبالٌ كبير وخصوصًا في شهر رمضان مع تلك الأجواء الروحانية».

غرفة الذكريات

إنها غرفة معيشةٍ بسيطة وفرتها الدكتورة إيمان أشقر، وأطلقت عليها «بنت لال»، من منطلق عشقها ومحبتها لمنطقة جدة التاريخية، وقصدت الدكتورة إيمان أن تكون تلك الغرفة ملتقىً للزوار، وفيها يتداولون ذكريات الزمن الجميل، ونظرًا للإقبال الكبير الذي حظيت به فكرتها؛ فقد تحولت الغرفة لمجلسٍ ثقافيٍّ رائع.

الفوانيس ورائحة البن

السيدة سمر محمد (52) عامًا، ظلت تزور جدة التاريخية دائمًا وتدون ذكرياتها الرمضانية على الطريقة التقليدية، تقول: الفوانيس كانت تقوم مقام الثريات الكهربائية في وقتنا الحاضر، وما زلت أذكر رائحة البن تفوح ويملأ طيبها الأجواء والطرقات، ولا يخلو منها بيتٌ من بيوتنا؛ لأنها أهم أولويات الضيافة والكرم الأصيل لسائر السكان، والآن كلما نفحت رائحة البن تعيدنا لذكرى تلك الأيام الخوالي.

الموروثات باقيةٌ

داليا العبدلي منظمة رحلات داخلية ومهتمة بالحرفيات، وصاحبة أول مؤسسة معتمدة باليونسكو بجدة التاريخية، حدثتنا عن الأزياء قديمًا والتي لا زال البعض يتزين بها؛ كالعِمَّة القديمة وملابس أهل جدة القدامى، وتضيف: وأفيدكم علمًا أن جدة التاريخية، مسجلةٌ في (منظمة اليونسكو) من التراث العالمي فهي الآن تسمى البلد، وتحضرني أيضًا ذكرى السقا (الذي يحمل الماء إلى أهالي المدينة)، ولا يغيب عن بالي أصحاب الدكاكين من التجار الجالسين أمام متاجرهم يتجاذبون أطراف الحديث، فنحن نفخر بماضي مدينتا التاريخية ونعمل جاهدين لبناء حاضرها المشرق وغدها الجميل.

جمال المنازل والرواشين

جدة التاريخية تضم عددًا من المعالم الأثرية والمباني التراثية المهمة، كتلك المساجد ذات الطراز المعماري الرائع ونذكر منها على سبيل المثال؛ مساجد (عثمان بن عفان، الشافعي، الباشا، عُكاش، الحنفي)، كما يقف سورها التاريخي دليلًا على عظمة وأهمية جدة التاريخية العريقة، فكل ما فيها من عبق الماضي، أكسبها مكانةً مرموقة بين أهلها وعند ولاة الأمر، ليتوالى عطاؤهم الكبير لعروس البحر الأحمر؛ تطويرًا وتنميةً عمرانيةً واقتصادية، بحيث لا تتضارب متطلبات العصر مع هويتها التاريخية، وبإنشاء سورها تم تقسيمها إلى حارات هي؛ مظلوم، الشام، اليمن، البحر، الكرنتينة.

إن بيوت جدة التاريخية تبنى من الحجر المنقى المستخرج من بحيرة الأربعين، ثم يتم تعديله بالآلات اليدوية، كما يستعمل طين البحر لتثبيت البناء؛ حيث ترص الحجارة في مداميك لتكون النتيجة مشابهة إلى حدٍّ كبير للمباني الحديثة، كما تميزت تلك المباني بالرواشين المصممة من الأخشاب المزخرفة، ومن خلالها يتحرك الهواء وينتشر داخل الدار ملطفًا حرارة الجو، وما زالت بعض الرواشين تحتفظ بألقها وجمالها حتى الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *