مقالات الكتاب

من أنت؟

بالرغم من أنه سؤال من كلمتين، إلا أنه من أصعب الأسئلة التي قد توجه إليك، تشعر حينها بحيرة: كيف يمكن أن تختزل كل سنوات عمرك وخبراتك وتاريخك في كلمات بسيطة، ترد بها على هذا السؤال السهل الممتنع في آن واحد، بل أحيانًا تشعر بأنك إن كتبت لن تنتهي أبدًا، لأن لديك ما يكفي لسرده في مجلدات من الكتب؛ فمن يسألك لا يريد اسمك أو عنوانك أو وظيفتك، بل يريد وصفك لنفسك؛ وما أصعبه من سؤال!.

بعضنا يرى نفسه أنه قد وصل إلى درجة الكمال؛ ونسي أن الكمال لله وحده سبحانه وتعالى، ومن خلال نظرته النرجسية لنفسه يستنكر السؤال ويتعالى عن الرد، ومن تلك الشخصيات زوجة ملك فرنسا لويس الخامس عشر، ومقولتها الشهيرة: “أنا ومن بعدي الطوفان “، وهي دليل على الأنانية المتورمة وتضخم الذات “أنا أو لا أحد” أو “أنا أولًا وأخيرًا ومن بعدي الطوفان”.

وفي وصف ذلك يقول الشاعر رشيد الخوري:

إِذا عصفَ الغرورُ برأسِ غِرٍ. توهمَ أن منكبَهُ جَناحُ

والبعض الآخر نجده يمدح نفسه بإسهاب كبير أمام الآخرين، من خلال استعراض ما يقوم به من أعمال أو أفعال أو إنجازات يدعي القيام بها، ولا أجد للتعبير عن ذلك أجمل من وصف الحجاج بن يوسف الثقفي لنفسه عندما قال:

أَنَا ابنُ جَلَا وطَلَّاعُ الثَّنَايَا. متَى أضَعِ العِمامَةَ تَعرفُوني

كما نجد أن كثيرا من العقلاء يجدون حرجًا في وصف أنفسهم، فتجدهم صامتين لا يتفوهون بكلمة واحدة، لأنهم يعتقدون أن من وصف أو مدح نفسه ذمها، وأن الأولى ترك أعمال الشخص تتكلم نيابة عنه، أو تولي الآخرين مهمة التقييم والوصف.

ويعبر المتنبي عن هذا المعنى منشدًا:

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم

وأحيانا يتظاهر البعض أمام الناس بعدم معرفته بأحد المشهورين، ويقول له من أنت؟، وذلك لا يكون اعتباطًا، بل لحاجة في نفسه؛ كأن يريد أن يشعره بأنه غير معروف أو مشهور للإنقاص من قدره، وهذا لا ينبع إلا من غيرة أو حسد.

حيث يقول الشاعر ميخائيل نعيمه:

كيف تسألني من أنا وأنت تجهل من أنت؟ ‏

والبعض من كثرة تواضعه يرى أنه من ابسط خلق الله رغم علو قدره ومكانته وصدق من قال : من تواضع لله رفعه

وأجد أن خير من عبر عن هذا المقام الشاعر المتنبي:

وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم

وانطلاقا مما سبق فقد نظمت إحدى المدارس الثانوية ورشة عمل عن أهمية التخطيط للمستقبل، وسألت طلبتها هذا السؤال( من أنت؟)، وتركت حرية الإجابة للطلاب بدون تقيد، وقد انحصرت الأجوبة في مجملها في رد محدد وبسيط: أنا فلان ابن فلان، وأثار هذا الجواب بعض التساؤلات: أين هو الوعي بالذات، لابد أن نُذكر أنفسنا وأولادنا بأننا أكثر بكثير من مجرد اسم فقط؛ بل نحن اسم وأخلاق وقيم وتاريخ ودين وطموحات وإنجازات وأحلام وطاقة ونشاط ومواهب وعقل ميزنا به الله عن غيرنا من المخلوقات، نحن جوانب كثيرة أكبر من الاسم والنسب.

وهنا تساؤل يطرح نفسه هل اننا وبعد قراءة هذا المقال سنعرف أن نجيب بمنطقية وموضوعية وتواضع على (من أنت؟ أو هل ذلك أنت؟)

                                                                                                                        منال فيصل الشريف
                                                                                                                  [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *