المشاهير

حافظ وهبة رجل التعليم والدبلوماسية

بقلم– رانيا الوجيه
أحاط الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود نفسه بكوكبة من المستشارين الفضلاء، من مختلف الأقطار العربية، ويشهد جميع الباحثين أن الملك المؤسس من دلائل عبقريته قد منح مستشاريه ثقته المطلقة، مما جعلهم يستشعرون عظم المسؤولية الملقاة على عواتقهم؛ فأخلصوا القول والفعل، ولا يذكر مستشاري الملك عبدالعزيز، إلا ويذكر في الطليعة منهم المستشار والسفير الأول للمملكة العربية السعودية في لندن “حافظ وهبة”، أول من حصل على جواز سعودي دبلوماسي، وأحد الذين ساهموا في تأسيس وتطوير النظام التعليمي في الدولة السعودية، فكان الحافظ للعهد والمسؤولية والأمانة في خدمة الملك المؤسس والوطن؛ وبالتالي شرفه الملك بحمل الجنسية السعودية.
النشأة و الأسرة
ولد المستشار والسفير حافظ وهبة في15 يوليو 1889 في مصر بحي”بولاق” الشعبي، ونشأ في أسرة متوسطة الحال محافظة دينيًا. دخل “الكتَّاب” وعمره 6 أعوام، فتعلم الكتابة والحساب والقرآن وأتم حفظه وعمره 11 عامًا، أدخله والده الأزهر ثم انتقل إلى مدرسة القضاء الشرعي، وقد أخذ العلم على كثير من المشايخ منهم الشيخ محمد عبده، علي حسين البولاقي، محمد بخيت، محمد حسنين مخلوف والد مفتي الديار المصرية حسنين مخلوف، والشيخ الخضري.
تزوج المستشار وهبة عدة مرات، وكان من بين زوجاته سيدة كويتية اسمها ” شيخه حسين المسعود”، تزوجها عندما كان في الكويت وأنجبت له ابنتين وولدًا؛ زينب وصفية وولده مصطفى، الذي ولد في الكويت ودرس بكلية فكتوريا في مصر، وعمل مع والده في ممثلية المملكة العربية السعودية بلندن، ورفضت زوجته شيخه الانتقال معه إلى الحجاز، وفضلت البقاء في الكويت مع أبنائها، كما تزوج من السيدة خديجة عبدالله عبدالقادر الجيلاني، التي انجبت له ابنه “علي” الذي توفي في فبراير من عام 2015.
مصر.. إسطنبول.. الهند
تقول سيرته العملية إنه عمل في القاهرة بصحيفة ” اللواء” لسان حال الحزب الوطني، الذي أسسه مصطفى كامل عام 1907، حيث أعجب وهبة بأهداف الصحيفة التي توافقت مع أهدافه؛ وهي خروج الإنجليز من مصر، خصوصًا أنهم كانوا يطاردونه بسبب مواقفه منهم، إلى أن أجبروه على ترك بلده الأم مصر ليغادر إلى إسطنبول، ويعمل بها في صحيفة ” الهلال العثماني” وفي إسطنبول سخر وهبة قلمه للكتابة ضد الإنجليز من خلال هذه الصحيفة بعد أن نفاه البريطانيون، ومن ثم انتقل من إسطنبول إلى الهند لأهداف؛ منها العمل بالتجارة، وأيضًا التعرف عن كثب على حركة غاندي لتحرير بلاده من الاستعمار الإنجليزي.
الكويت ولقاء الملك المؤسس
أثناء إقامة حافظ وهبة في الهند تعرف على العديد من تجار الخليج والجزيرة العربية، وبالتحديد تجار الكويت، وحينما توجه إلى الكويت لم يشعر بالغربة، وطابت له الإقامة بها بين أبنائها، وعمل مدرسا للغة العربية في المدرسة المباركية، كما عمل أيضًا بالتجارة وأدخل لاصقًا طبيًا أمريكيًا إلى الخليج سمي فيما بعد بـ ” لزقة حافظ” ، ورويدًا رويدًا ذاع صيته في الكويت وتوطدت علاقته مع شيوخها، فصار يحضر مجالسهم واستقبالاتهم لضيوفهم الرسميين ومنهم الملك عبدالعزيز، الذي التقاه للمرة الأولى في إحدى زياراته لشيوخ الكويت عام 1916.
دعوة الملك عبد العزيز
وكان حافظ وهبة قبل لقائه بالملك المؤسس معجبًا بفضائله، ومطلعًا على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، من الشيخ محمد عبده عندما كان يحضر دروسه ومجلسه؛ في الوقت الذي كان فيه الملك عبد العزيز قد سمع عن حافظ وهبة، مما حدا بحافظ وهبة إلى إرسال رسالة مطولة للملك عام 1920، احتوت على بعض الأفكار والنصائح للملك، الذي بدوره رحب وكان سعيدًا بما جاء في الرسالة، بعدها بفترة ليست طويلة، بعث الملك عبدالعزيز رسالة لحافظ وهبة يمتدحه ويثني عليه، ويبين له أنه بحاجة ماسّة إلى أمثالة من الرجال العقلاء المفكرين ذوي الخبرة والدراية، وعرض عليه أن يأتي إلى نجد للعمل مع أعضاء حكومته، وبعد تردد وتفكير وافق حافظ وهبة وشد الرحال إلى نجد.
نفاه الإنجليز من مصر.. وانتقل بين عدة دول.. وأوكل إليه الملك عبد العزيز مهام متعددة
تطويره للتعليم بالمملكة
وصل وهبه إلى الرياض عام 1923 للعمل مستشارًا سياسيًا في ديوان الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، قبل أن يوكل إليه مهامًا أخرى. وبالفعل تفوق الشيخ حافظ وهبة على كثيرين بخبرته ونبوغه، وحمله للأمانة والتفاني في خدمة أمته العربية والإسلامية، ومصاحبة الملك المؤسس وأنجاله الكرام في تنقلاتهم الخارجية، فهو الشخصية المصرية التي شاءت الأقدار له أن يُبعد عن بلده الأم ويتغرب في بلدان عدة، ويزاول مهنًا مختلفة قبل أن يستقطبه الملك عبدالعزيز، ويعهد إليه بأعباء محددة، لما لمسه فيه من خبرة واطلاع واستقامة وغيرة وطنية، معطوفًا على ما سمعه عن سيرته وصولاته وجولاته في ميادين العلم والثقافة. ولذلك تم تعيينه عام 1926مديرًا للمعارف السعودية، مكلفًا بتطوير التعليم النظامي بسبب خبرته التربوية السابقة. وقد تحدث في كتابه «خمسون عامًا في جزيرة العرب» عن الصعوبات والتطورات التي شهدتها السعودية في مجال التعليم، فقال:«لم تكن توجد في البلاد مدارس تذكر في زمن الأتراك، وما وجد منها كان إبتدائيًا قليل النفع، ففي إقليم الإحساء لم يؤسس بعد إعلان الدستور العثماني إلاّ مدرسة صغيرة واحدة، ولم يكن الوضع في الحجاز أحسن بكثير، فلما أتى الملك عبد العزيز عمل على نشر العلوم والمعارف، وفتح المدارس، وأنشأ المعاهد العلمية غير عابئ بما لقيه في هذا المضمار من معارضة شديدة وصعوبات جمة».
دوره الدبلوماسي
على إثر قيام ” المملكة العربية السعودية” وحاجتها في ذلك الوقت لتوثيق صلاتها مع المجتمع الدولي والأقطار الشقيقة والصديقة، أوكل إلى وهبة تدريب سمو ولي العهد الأمير سعود على الشؤون السياسية والدبلوماسية، وأوكلت إليه مهمة توثيق العلاقات السعودية المصرية، فرافق الأمير سعود في زيارته الأولى لمصر عام 1926. كما عين مساعدًا للأمير فيصل نائب الملك في الحجاز، فرافق سموه بهذه الصفة إلى الولايات المتحدة في عام 1946؛ لحضور اجتماعات تأسيس هيئة الأمم المتحدة.
ومن جهة أخرى كان وهبة ضمن أوائل من أوفدوا إلى خارج المملكة لتمثيلها في مؤتمرات أو لافتتاح ممثليات سعودية، خصوصًا في أعقاب تأسيس وزارة الخارجية عام 1930، وتعيين الأمير فيصل بن عبدالعزيز على رأسها. ويشهد على هذا تكليفه بترؤس الوفد السعودي إلى مؤتمر البريد العالمي في لندن عام 1929، وتكليفه برئاسة الوفد السعودي للتباحث مع وزير الخارجية العراقي ناجي شوكت، حول الإعداد للقاء الملك عبدالعزيز وملك العراق فيصل الأول.
مهام متعددة
عين حافظ وهبة سفيرًا للمملكة في بريطانيا تحت اسم وزير مفوض سعودي في لندن في عام 1930، فواصل الطرفان علاقاتهما وفق الإطار الدبلوماسي والسياسي، وتمكنا من حل كثير من الإشكالات والمواقف السياسية من خلال الحوار والتفاوض، كما تمكنا من الارتقاء بالتعاون السياسي والاقتصادي والعسكري بين البلدين إلى مستويات عالية، وكان عدد من مستشاري الملك عبد العزيز وبالأخص حافظ وهبة، ومن معه في تلك الحقبة من أمثال خالد الحكيم، القرقني، والدكتور عبد الله الدملوجي، قد أوفدوا في مهمات سياسية إلى زعماء دول مجاورة أو صديقة، أو للمشاركة في مباحثات حدودية أو نحوها وممثلين له.
عُين مديرًا للمعارف وكان أول سفير للمملكة في لندن
استمر حافظ وهبة سفيرًا للمملكة في لندن لمدة 30 عامًا، كما عين وزيرًا مفوضًا في هولندا عام 1350هـ، وقد كان مهتمًا بتوثيق العلاقات بين الملك عبد العزيز ومصر، كما قام وهبة المبعوث السعودي لدى بريطانيا في ذلك الوقت، بزيارة اليابان لحضور افتتاح مسجد طوكيو. وزار المبعوث الياباني لدى مصر “ماسايوكي يوكوياما” السعودية عام 1939، كأول مسؤول ياباني يزور المملكة، والتقى بالملك عبد العزيز في الرياض. كما أصبح هو والشيخ عبد الله الطريقي، الذي يعد أول وزير بترول سعودي أول شخصيات سعودية أعضاء في مجلس إدارة شركة أرامكو.
مؤلفاته
من أهم مؤلفاته: “جزيرة العرب في القرن 20″، وكتاب ” 50 عامًا في جزيرة العرب”. فقد وثق في الكتابين حياة الملك عبد العزيز ورحلاته، وكذلك حياة الملك سعود وأخيه الملك فيصل، ووثق كل مقولة قالها الملك المؤسس، وجميع أعماله، وقد كان شديد الملاحظة والانتقاء لكلماته في تأليف كتبه، حتى أصبح هذان الكتابان مرجعين أساسيين للمؤرخين والباحثين في التاريخ، وخاصة تاريخ الجزيرة العربية.
وفاته
في عام 1966 أحيل وهبة إلى التقاعد، وبعد عام واحد انتقل إلى جوار ربه في روما عاصمة إيطاليا عام 1967، عن عمر يناهز 80 عامًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *