المشاهير

د.علي بن إبراهيم النملة الأكاديمي والوزير الإنسان

بقلم- آمال رتيب
جمع الدكتور علي بن إبراهيم الحمد النملة بين العلم الأكاديمي والاستنارة الفكرية والعمل الدؤوب من أجل حياة أفضل للناس، لذلك لم يكن غريبًا أن يتحول الأكاديمي الذي تمترس بالتجربة العملية إلى وزير للعمل والشؤون الاجتماعية، فوزيرًا للشؤون الاجتماعية، يخوض حروبًا ضارية على البيروقراطية والفقر٬ ثم يعود لدوره الأكاديمي فيثري المكتبة العربية بكتاباته القيمة، خاصة عن الاستشراق، وهو في كل هذه المراحل يواصل عطاءه في العمل الخيري والإنساني، يرى الناس بعين الإنسانية والعطف واللين٬ ويكرس جهده وعلمه وعلاقاته وعمله؛ ليوقد شموع الأمل أمام ضعاف الحال وذوي الحاجات.
الميلاد والمسيرة العلمية
يعتقد بأهمية توفير البيئة المناسبة لعمل المرأة
ولد د.علي بن إبراهيم النملة في البكيرية بمنطقة القصيم٬ وتخرجَ من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تخصص لغة عربية عام 1390هـ/1970م٬ ثمَ درسَ الماجستير في جامعة فلوريدا تخصص المكتبات والمعلومات وتخرّجَ عام 1399هـ/1979م٬ وحصلَ على دكتوراة المعلومات والمكتبات من جامعة كيس وسترن رزرف بكليفلاند أوهايو عام 1404هـ/1984م.
وللدكتور علي بن إبراهيم النملة قرابة40 كتابًا في مباحث الاستشراق، والعديد من المؤلفات في الدراسات الإسلامية والتنصير والشأن الاجتماعي، والكثير من المقالات وأوراق العمل في المجلات والصحف والندوات.
أبرز المناصب
جولاته غير مسبوقة لبيوت الفقراء واهتمامه كبير بالجمعيات الخيرية
– تدرّج في العمل الأكاديمي معيدًا في كلية اللغة العربية حتى أصبحَ أستاذًا مشاركًا، ثمَ أستاذًا في جامعة الإمام محمد بن سعود بقسم المكتبات والمعلومات.
– عضو في مجلس الشورى.
– تقلد منصب وزير العمل والشؤون الاجتماعية، و تُذكر لهُ جولاته في الأحياء الفقيرة بمعية الملك عبد الله – رحمه الله-
– باحث في معهد العلوم العربية والإسلامية بفرانكفورت ألمانيا.
– يُحاضر مادة الاستشراق في كلية اللغات والترجمة بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بالرياض.
ومحطات عملية
بعد عمله الأكاديمي، عمل الدكتور النملة وزيرًا للعمل والشؤون الاجتماعية على مدى 4 أعوام2000- 2004م٬ فوزيرًا للشؤون الاجتماعية لمدة عامين2005م-2007م بعد فصل العمل عن الشأن الاجتماعي، ثم العودة أكاديميًا عاشقًا للمكتبات والمعلومات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
قبول الآخر
كثيرة هي المواقف التي تشكل شخصية المرء وقناعاته٬ وكيف له أن يقبل الآخر٬ ولماذا يرفض أفكاره؛ هذه المعطيات شكلت شخصية د. النملة مبكرًا٬ يقول عن فترة ابتعاثه: “في نهاية سبتمبر 1976 بدأت البعثة إلى الولايات المتحدة لدراسة اللغة الإنجليزية، في المعهد التابع لجامعة تمبل بولاية بنسيلفينيا في فيلاديلفيا، وقفت أحادث راهبة فيتنامية هي واحدة من راهبتين تلبسان لباس الراهبات الكاثوليك٬ وكنت شابًا في ريعان الشباب٬ فمر بي أحد زملائي وهمس في أذني بدأت بك يا علي؛ هذا الموقف كان له عليّ تأثيرات كثيرة أولها العناية بالحملات التنصيرية”.
ويضيف: “ومنذ ذلك اليوم الذي وقفت فيه مع هذه الراهبة٬ وأنا أحاور المنصِّرين من شهود يهوه وغيرهم، وأجلس معهم وأستقبلهم في داري، أو في أي مكان آخر، وأدرس مفهوم التأثر والتأثير بين الثقافات.. لماذا نشعر بأنه يؤثَّر بنا ولا نستطيع أن نؤثر، كلام ليس من السهل الإجابة عنه، لكنه من السهولة إلقاؤه سؤالاً على الجميع؛ وكانت المحصلة كتاب سميته “التنصير مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته”، ثم عددًا من الكتب حول هذا الموضوع، بما في ذلك الربط بين الاستشراق والتنصير والبحث في الأدبيات عن مستشرقين منصِّرين.
المستشرقون و السياسة
ويواصل د.علي بن إبراهيم النملة:” المحطة التالية كانت سنة 1405هـ عندما سافرت إلى فرانكفورت لدراسة الدكتوراة في معهد العلوم العربية والإسلامية، في هذا المعهد تعلمت كثيراً وخالطت عددًا من المستشرقين وحاورتهم، وكنا ننظم رحلات مشي في الغابات المحيطة بفرانكفورت، وأذكر من هذه المحطات أنني كنت مع مستشرق ألماني اسمه “فوك” يوم الثلاثاء 6 شوال 1406هـ،
فطافت من فوقنا طائرة صغيرة فنظرت إليها وقلت لهذا المستشرق إن أخي عبد الله يقود مثل هذه الطائرة، وعندما عدت في المساء هاتفني الوالد يخبرني أن عبد الله سقط بطائرته في البحر الأحمر شهيدًا بحول الله تعالى، فاضطررت للعودة إلى البلاد ثم العودة إلى المعهد مرة أخرى، وخلال مخالطتي هؤلاء المستشرقين وحضور المؤتمرات٬ وجدت منهم مثلًا ديفيد كينغ الذي كان يهتم بتحديد المسلمين للقبلة قبل الصلاة بمعادلات حسابية،
وإدوارد كينيدي الذي رسخ حياته لتاريخ العلوم عند المسلمين، دون أن يدخل في متاهات دخل فيها مستشرقون فرنسيون وبريطانيون وإيطاليون ونمساويون ومجريون وغيرهم، وخلاصة خبرتي أن الاستشراق الألماني الأقرب للإنصاف والموضوعية؛٬ لبعده عن السياسة، وما دخل المستشرقون السياسة إلا أفسدتهم وربما أفسدوها.
جوانب إنسانية
تضمنت شخصية د.علي بن إبراهيم النملة جوانب إنسانية كثيرة٬ فلا يراه مراجعوه الكثر إلا مبتسمًا٬ كرس حياته لقضاء مطالب ذوي الحاجات٬ التصق بهمومهم وآلامهم وآمالهم٬ وكان المظلة التي يلجأون إليها٬ ولم يبخل قط بكلمة طيبة، أو بذل أقصى جهد ممكن لإنجاز ما أنيط به من مسؤوليات إدارية وإنسانية بالغة التعقيد٬ رصيده في كل ذلك حب لا ينضب للعمل٬ واستنهاض همم مرؤوسيه لترك أساليب العمل التقليدية، وابتكار آليات جديدة لاختراق جدار البيروقراطية القاتل.
التدريب و التأهيل
ويرى د.علي النملة أن التدريب والتأهيل لشغل الوظائف شبه الفنية، في مقدمة الأوليات المطلوبة لاختراق مسألة الاستقدام٬ أكد هذا مقال سطره في كتابه “السعوديون. الثبات والنماء”٬ وأشار نصًا: “إننا بحاجة إلى تكثيف الدورات التدريبية لتأهيل مجموعات من خريجي الجامعات، لخوض مجالات فنية ومهنية تتناسب مع المؤهل الجامعي الذي يحصل عليه الطالب٬ وفي كتابه (السعوديون والخصوصية الدافعة) الصادر 2007م، أشار إلى أهمية توفير البيئة المناسبة لعمل المرأة بحيث تسهم في التخطيط والتنظيم، ثم التنفيذ، وليست مجرد مسوِّقة للسلعة.
الجمعيات الخيرية
أولى د.علي النملة ملف الجمعيات الخيرية اهتمامًا كبيرًا، التي كان العمل فيها يسير بتلقائية وسلاسة عادية، إلى أن وصلتها شرارة أحداث سبتمبر 2001، فشهدت هجمة شرسة ضربت عصبها وعمودها الفقري٬ ثم اجتاحتها موجة من التشكيك وتصيد الأخطاء، وفُتحت العيون لأقصى درجة لترصد كل شاردة وواردة في مجالها٬ حتى أوشكت أن تضمحل وينضب معينها وتجف موارد تمويلها٬ وبطبيعة الحال أدى هذا الهلع لحالة من الفوضى أثرت سلبًا وبدرجة كبيرة على أدائها، وبالتالي انخفضت مشاركاتها في معالجة كثير من القضايا الإنسانية، التي كانت تنوء بها أصلًا٬
وقد بذل د.علي النملة تحت مظلة القيادة جهودًا مبرورة حتى عادت الثقة تدريجيًا لهذه الجمعيات٬ وما زال يشدد في محاضراته وندواته على مفهوم مأسسة الجمعيات الخيرية، والتي تعد من التحديات الرئيسة في كيان الجمعيات٬ وينوه إلى أن من أهم التحديات إيجاد متطوعين ونشر ثقافة التطوع في أوساط المجتمع لقيادة وتفعيل العمل الخيري، وأن هناك تحديًا في معرفة الاحتياجات الحقيقية للمستفيدين، في ظل وجود تحايل من البعض وعدم قناعة لدى البعض الآخر؛ وهو ما قد يتسبب في عدم وصول المساعدات إلى مستحقيها، وينبه إلى تحدي تحويل المستفيد إلى مرحلة الكفاية، إضافة إلى كيفية تنمية الموارد المالية والتفكير خارج الصندوق والاستفادة من الاستثمار الوقفي، ونشر ثقافة تغيير الصورة النمطية عن التبرع والأوقاف والزكاة، وتوجيهها إلى المنظمات الخيرية على نطاق واسع.
أبحاث الاستشراق
للدكتور عليّ النملة٬ كثير من الأبحاث والمؤلفات عن الاستشراق، تناول فيها الاستشراق في الأدبيات العربية منها: الاستشراق: مصادر المستشرقين ومصدريَّتهم٬ إسهامات المستشرقين في نشر التراث العربي الإسلامي: دراسة تحليلية، نماذج من التحقيق والنشر والترجمة٬ والالتفاف على الاستشراق: محاولات التنصُّل من المصطلح.
ويتصف د.علي النملة بالأمانة في كل ما يكتب، حتى عندما كتب عن الاستشراق كان أمينًا في نقل الصور الدقيقة قبل أن ينقدها، وبالتالي قدم صورًا واضحة للشباب عن الاستشراق، ولم يجامل أيًا من المستشرقين، لكن كان واضحًا أن للاستشراق أهدافًا قبلنا أم رفضنا هذا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *