في عائلة متوسطة الحال تسكن منزلًا متواضعًا في شِعْب عامر، أحد أحياء مكة المعروفة، نشأ الدكتور سليمان فقيه مع 7 من إخوته٬ كانت أسرة متوسطة الحال٬ يعمل الوالد في دكان صغير ليوفر قوت أولاده٬ لم تكن الحياة سهلة أو ميسرة٬ ولكن حرص الأب على غرس حب العلم في نفوس أبنائه جميعا٬ ونقل إليهم قيم المثابرة والكفاح لبناء الذات.
ومع اليوم الأول عام 1350هـ – 1932م لإعلان الملك عبدالعزيز الاسم الجديد للمملكة العربية السعودية كان مولد سليمان فقيه٬ الذي أصبح علامة من علامة الطب والخدمات الإنسانية المرتبطة بالطب ليس في المملكة فقط، وإنما في الوطن العربي بأكمله.
“أول سعودي”
نجح د. سليمان فقيه في كسب الخبرة من والده في حياته العملية، وحصل على الشهادة الإبتدائية والمتوسطة بمكة ومن ثم الثانوية بمدرسة تحضير البعثات بالعاصمة المقدسة سنة 1368هـ، وانتقل بعد ذلك إلى “مصر” حيث أكمل دراسة الطب بجامعة الأزهر وحصل على الشهادة الجامعية بالطب والجراحة من كلية قصر العيني عام 1957م، وبعد ذلك تخصص بالأمراض الباطنية في جامعة عين شمس بمصر عام 1960م، وكان أول سعودي ينال شهادة البكالوريوس وشهادة الدبلوم في الأمراض الباطنية.
المسيرة المهنية
رجع بعدها إلى مسقط رأسه مكة المكرمة وافتتح عيادته الخاصة 1961 في باب مكة، ثم أصبح مديرًا لـ “مستشفى أجياد المركزي”، وبعدها مديرًا لـ “مستشفى الولادة” بمكة المكرمة، ثم تدرج ليصبح نائبًا لمدير عام الشؤون الصحية بمكة المكرمة، وبعدها مديرًا عامًا للشؤون الصحية بالمنطقة الغربية وذلك حتى عام 1978 ٬ عندما قرر إنشاء مستشفى الدكتور سليمان فقيه الواقع في شارع فلسطين بحي الحمراء بمدينة جدة، وبدأ العمل فيها مديرًا عامًا ومديرًا إداريًا وفنيًا أيضًا، حيث كان يشرف بنفسه على مستوى الخدمة ويطمئن على مرضاه، ويحرص على التواجد في جميع أرجاء المستشفى٬ كان لا يهدأ مرورًا على كل الأقسام والمرضى في غرفهم يطمئن على كل شيء، منح د. سليمان فقيه المستشفى كل حيويته وطموحه فأصبح وجهة المرضى وموضع ثقتهم، يقول أحد المقربين منه: «كان الدكتور سليمان فقيه له مقدرة كبيرة في فحص المريض٬ ما أن يمر بيده على بطنه حتى يصف له الدواء المختصر المفيد».
تطوير الطب
عرف عن الدكتور سليمان فقيه، أنه واحد من أبرز الشخصيات الاجتماعية والرائدة بالأعمال الإنسانية والطبية العالمية، واهتم خلال مسيرته بتطوير المستشفيات والاهتمام الكامل بصحة الإنسان يواء كان مواطنًا أو مقيمًا.
واهتم “فقيه” خلال مسيرته بأبناء وبنات الوطن وسخر لهم مشروعات صحية تسهم في الارتقاء التام والكامل بالصحة وبجميع أمورها وتطوراتها، حيث أسس الدكتور سليمان فقيه واحدًا من أوائل المستشفيات الخاصة الناجحة في المملكة والشرق الأوسط.
وسخّر حياته لتطوير مستشفى فقيه بمدينة جدة بعزيمته الواضحة وأهدافه النبيلة للنهوض بأرقى الخدمات والتطور الصحي، ولم يكتفِ بإنشاء المستشفى فقط بل خطط بنظرة مستقبلية لتوسعات كبرى وتطوير مستمر للمستشفى.
ويعد “فقيه” من أبرز الشخصيات السعودية، حيث اهتم بالجانب الإنساني وخدمة المجتمع، وسجل أروع الإنجازات للوطن بتسخير حياته في خدمة المرضى ورعايتهم.
الريادة
في عام 1987 بتشريف من الملك فهد بن عبد العزيز- رحمه الله – تم افتتاح التوسعة الأولى لمستشفى الدكتور سليمان فقيه، وشملت افتتاح مراكز مثل جراحات القلب المفتوح وجراحات المخ والأعصاب وعلاج أمراض الكلى ومراكز العقم والخصوبة.
التوسعة الثانية وكانت عام 1999 بتشريف من الملك عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله – وفيها تم إنشاء مبني جديد ملاصق للسابق اشتمل على عيادات الأطفال و حديثي الولادة وجراحات التجميل ومراكز تحسين الصحة ومراكز اللياقة البدنية.
في عام 1995 تم عزل مختبر الفيروسات٬ لأول مرة في المملكة العربية السعودية٬ ومختبر فيروسات الضنك وفيروس الحمى النزفية٬ وفي عام 1996 تم إقامة مختبرا جديدا للفيروسية المصفرة بالإضافة إلى الاكتشافات التي كان لها دورًا فعالًا في الوقاية من انتشار الأمراض في المنطقة الشرقية للمملكة.
الدكتور سليمان فقيه كان يهمّه أن تكون المستشفى ضمن أفضل المستشفيات العالمية، وكان المستشفى عبارة عن مبنى واحد في بدايته حتى أصبح 4 مباني كبيرة، وكان يستقطب أفضل الكوادر الطبية الممتازة أصحاب القدرات العالية، ويعد المستشفى الآن واحداً من المستشفيات العالمية التي نفخر بها في المملكة، حيث تم فيه معالجة كثير من الحالات المستعصية٬ ورائدًا للمنطقة في مجال زراعة الأعضاء بما في ذلك زراعة الكلى والنخاع الشوكي وزراعة الكبد وعمليات زراعة القلب، ويعد مركز المستشفى لجراحات القلب المفتوح من أعلى المراكز التي تستقبل أكبر عدد من العمليات على مستوى القطاع الخاص في المملكة وذلك بمعدل نجاح لا يقارن بأي مركز آخر من المراكز المتميزة.
كلية التمريض
ومن منجزات الدكتور سليمان فقيه كلية التمريض، والتي ساهمت في تدريب وتخريج ممرضين وممرضات يساهمون في خدمة وطنهم، وهذه الكلية لها دور كبير في تدريب شباب الوطن وتوظيفهم.
لقد أفنى الدكتور سليمان فقيه حياته في خدمة الطب والمرضى، حتى أنشأ مستشفى من أكبر المستشفيات في المملكة، والذي يقوم بخدمة كبيرة للمجتمع.
المسؤولية المجتمعية
قبل العام 2008 ذلك العام الذي نشرت فيه المستشفى أول تقرير لها عن المسؤولية المجتمعية٬ للشركات في قطاع الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط كان الدكتور سليمان فقيه يمارس هذه المسؤولية٬ ليس فقط تجاه أبناء المملكة٬ إنما تجاه كل وافد إليها٬ وكم من فنان عربي تم علاجه في المستشفى بكل ترحاب.
وتم قبول تقرير المسؤولية الاجتماعية للشركات من قبل مستشفى الدكتور سليمان فقيه في عام 2011 بالإضافة إلى أنه تم تصنيفها بالمستوى (ا) بناء على إرشادات وتوجيهات مبادرة الإبلاغ العالمية، وبناء على ذلك الفعل فإن مستشفى الدكتور سليمان فقيه تعد أول مؤسسة او منظمة في المملكة العربية السعودية وكذا أول مستشفى في قطاع الرعاية الصحية في الشرق الأوسط وإفريقيا وتعد أيضا إحدى المستشفيات العالمية القليلة التي حققت هذا المستوى في التقرير المدون عنها.
مسيرة إنسان
واعتبره أبناؤه الدكتور “مازن” الحاصل على زمالة الكلية الملكية بلندن، و”منال” و”عمار” الأب المثالي، ومثالاً للحنان والعطف والإنسانية في تعامله معهم وجميع أفراد، بالإضافة إلى تواضعه.
وكان يتمتع بحس مهني وإنساني راقٍ، وله مواقف تشهد في هذا المجال، منها تعهده بالتبرع بأدوية ومستلزمات طبية تعادل ما سيتم جمعه من شركات الأدوية لإسعاف المصابين والحالات الحرجة من أبناء الشعب الفلسطيني، وذلك عندما تلقى في أبريل 2002 قائمة بأسماء الأدوية المطلوبة وعمم على جميع شركات الأدوية بالمملكة يطلب فيها المساهمة بالتبرع، مؤكداً عزمه على التبرع بالكمية ذاتها التي من المتوقع جمعها في الشركات كافة.
وبجانب ذلك كان له حضوره الإعلامي حيث كان يكتب زاوية طبية يومية في شهر رمضان، كان يعالج فيها الكثير من قضايا الناس المرضية والغذائية، كانت زاوية في حدود ما يسمى “بالكبسولة”، ولكنها كانت مشبعة بالفائدة.
ويعرف من تعامل معه عن قرب مدى اهتمامه بالشأن العام والقضايا الإنسانية والإسلامية٬ ويشهد أطباء كثر ممن عملوا بالمستشفى معه أنه كان حريصًا أشدّ الحرص على سمعة المستشفى الذي شيّده بمجهود شخصي، يتعامل مع الجميع بمودة سواء طاقم الأطباء أو التمريض٬ وكان حريصًا أن يزور المرضى المنومين بصفة يومية، حتى أصبح المرضى ينتظرون زيارته يومًا بعد يوم، وكان في ذلك يتلمس احتياجات المريض عن قرب، ويضع في أولوياته راحة المريض، ولا يقبل بأي تقصير يكون سببًا في عدم إعطاء المريض ما يستحقه من الاهتمام والرعاية والعلاج.
وكان في زيارته للمرضى يتعامل معهم بطريقة أبوية، حتى أنه كان يستطعم الأكل مع المريض ليتعرف على جودته، ويهتم بكل التفاصيل الدقيقة، حتى أصبح المرضى يشعرون بأن هذا الصرح الطبي هو مستشفاهم، وليس مستشفى خاصًا.
ويقول أحد الأطباء: كان أيضًا يحضر ليلًا لمتابعة الطوارئ، ومن مبادئه أن كل مريض يتم تنويمه في المستشفى لابد أن تتم معاينته من قِبَل استشاري القسم المناوب حال تنويمه، وفي إحدى مناوباتي ليلًا حضرت الطوارئ في ساعة متأخرة ليلًا فوجدته رحمة الله عليه عند المريض.