المشاهير

محمد أمان أسطورة المجس الحجازي

بقلم– رانيا الوجيه
كما في الليلة الظلماء يُفتقد البدر، في زمن البذاءة والقبح اللغوي والغنائي يُفتقد (محمد أمان) وزملائه من الفنانيين الأصلاء، خاصة و(أمان) من أساطين المجس “فن الموال في الحجاز وتهامة”، ذلك اللون التراثي العريق من روائع الكلم والغناء والطرب، كان (أمان) جسيسًا – مؤدي للمجس- بديعًا عظيمًا؛ يؤمن أن المجس رسالة في حياة الفنان مسؤولًا عن حفظه وتوصيله بأمانة وصدق إلى الجيل التالي، لكي يتعرفوا على تراث الآباء والأجداد ويطلعوا عليه بعد وفاة أساتذته وأعلامه البارزين، لذلك يُصنف محمد أمان بأنه أحد المشاهير والقامات السامقة في فن المجس.
النشأة الأولى

ولد “محمد أمان الله محمد يوسف أحمد ملا” في محلة الهجلة، التابعة لعمدة الشبيكة في مكة المكرمة عام 1373 هـ، ونشأ في بداية حياته ولمدة عامين في منزل خاله بالرضاعة الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام الأسبق، ثم انتقلت عائلته إلى الهجلة، حيث نشأ وترعرع فيها وسط جو اتسم بالروح الدينية، كانت عائلته من محدودي الدخل، حيث انشغل والده بالعبادة والأمور الدينية، ووالد الجسيس محمد أمان تعود أصوله إلى السليمانيين في دولة أفغانستان، وقد نزح أحد أجداده منها إلى تركستان للتعليم والتدريس، ومكث هناك حتى ولد ( أمان الله محمد يوسف ) والد محمد أمان، وعندما بلغ عمره الثامنة عشر عامًا، قدم إلى مكة المكرمة، وقد شارك في بناء قصور الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه, وعمل أيضًا في السقاية والنجارة والإمامة في مسجد ( سيدي محجوب ) بالشبيكة، وكان محمد أمان يؤذن في هذا المسجد لعدة سنوات، واستمر والده بالإمامة إلى أن وافاه الأجل في عام 1404 هـ عن عمر يقارب الـ 100عام .
صفاته وتعليمه

كان أسطورة المجس محمد أمان” أبيض اللون وأسود العينين ووسيم المحيا، ممتلئ الجسم ومتوسط الطول وغليظ الشارب، يلبس الغترة والعقال ويستخدم النظارة الطبية”.
أما تعليمه، فقد أدخله والده الكُتاب لدى الشيخ عبد الحميد المعلمي، درس على يديه ومن ثم ألحقه والده بمدرسة تحفيظ القرآن الكريم عام 1381 هـ، حينما كان موقعها في محلة المدعى في زقاق الصاغة في منزل السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها، وكان مديرها في ذلك الوقت الشيخ إبراهيم زاهر والد الدكتور أحمد زاهر يرحمه الله، صاحب المستشفى المعروفة بمكة، واستمر في دراسته حتى تركها عام 1386 هـ، حيث انشغل بتعلم مهنة إصلاح الساعات، وفي عام 1398 هـ التحق بالمدرسة الليلية لمواصلة تعليمه، وفي عام 1401 هـ نال شهادة السنة الأولى إعدادي .
“المؤذن”وبواكير الشغف
بداية أتقن محمد أمان حرفة الساعات، وفي عام 1390 هـ فتح محل مستقل للساعات، واستمر يعمل فيه لمدة 7 أعوام، كما عمل نائبًا لمؤذن مسجد( سيدي محجوب ) بالشبيكة، وكان يتقاضى راتبًا شهريا 100 ريال ووصل راتبه إلى 300 ريال، ثم سمع صوت الجسيس المعروف الشيخ عبدالرحمن المؤذن، ومنذ وقتها عشق محمد أمان المجس، ومن هنا دخل مجال الفن والإنشاد، وبداية انطلاقه كانت عام 1386 هـ، بمشاركات في أفراح أهل الحارة . كما عمل في بلدية المسفلة الفرعية بمكة في عام 1400 هـ، وعمل في مكتب الإذاعة بمكة، وكمصور تلفزيوني في استديو الحرم، ومن أجمل المواقف التي صادفته، عندما أعجب بصوته الجميل جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله، عندما أقام صلاة العشاء في دار الشيخ أحمد زكي يماني بالهدا.
“عالم خاص”

الجسيس محمد أمان يرحمه الله، كان يقول عن حبه وإتقانه للمجس الحجازي: المجس يعني لي الشيء الكثير، فهو المجال الذي تخصصت وبرزت فيه، وعُرفت به أيضًا، هو عالمي الذي أهرب إليه، كلما أحسست بالضيق، وأتوجه لأسمع منه الشيء الكثير، سواء بصوتي أو بصوت غيري؛ فهو مدرسة الأنغام الضرورية لكل فنان يتعلم من المجس ما يشاء، فأي فنان ليس لديه خلفية عن المجسات ومقاماتها هو فنان لا يعد متكاملًا، وتنقصه الخبرة الفنية.
ويواصل: يعود الفضل في عشقي للمجس إلى الشيخ عبدالرحمن المؤذن، فقد تأثرت به تأثرًا شديدًا، بأسلوبه في أداء المجس، منذ البداية، حيث كان من رواد المجس في تلك الفترة، وكنت أتتبع أخباره وأحاول قدر المستطاع التواجد في سهراته وحفلاته؛ لكي أسمعه وأتعلم منه، لشدة عشقي لهذا اللون من ألوان الفنون في بلادنا الغالية، ولكن هذا لم يمنعني من الاستفاده من أساليب الفنانين الآخرين أمثال؛ حسن جاوه والمرحوم سعيد أبو خشبة وحسن لبني ومحمود مؤمنة ومحمد باجوده، وكل واحد منهم له أسلوبه المميز، واتجاهي إلى مجال الغناء ليس حديثًا، بل غنيت من الدانات التي أخذتها من ملحنين ونزلت الأسواق إرضاءًا للجماهير.
نهاية الرحلة

جموع غفيرة شيعت جثمان محمد أمان لمثواه الأخير في عام 1434هـ 2013م، بعد صراع طويل مع المرض إثر إصابته بجلطة في المخ، ألزمته السرير الأبيض في مستشفى النور التخصصي بمكة، وكان يرحمه الله، حسن الخلق ومحبوبًا لدى أصدقائه وأقاربه وتلامذته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *