بقلم-امال رتيب
حج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا»، شتان بين ظروف الحج بالأمس واليوم؛ بالرجوع إلى أزمان قديمة، كان أداء الركن الخامس من أركان الإسلام أشبه بالمستحيل٬ وحاليًا بفضل جهود حكومات المملكة المتعاقبة والتكنولوجيا الحديثة؛ تغيرت الظروف للأفضل 180 درجة.
ظروف الماضي

في السابق كانت رحلة الحج تستغرق بين أسابيع وسنوات، ووسائل النقل كانت عبارة عن جمال وخيول، وكان الحجيج عرضة للقتل وقوافلهم للنهب، وكان الحجيج من داخل المملكة يسيرون أسابيع وشهورًا طويلة ليصلوا إلى مكة٬ حتى ظهرت السيارات ليتمكن الحجيج من إيجاد وسائل أقل خطرًا، وإن كانت لم تقصر المسافات كما هو الآن٬ ففي عام 1360هـ كان الحج عن طريق البر يستغرق إلى الطائف 15يومًا على الأقدام ويضطرون للنوم في المقاهي في مكة وفي عرفات ومنى على الأرض، حيث لم تكن هناك خيام ولا وسائل راحة للحجيج كما هي اليوم، وكان يكفي الحجاج أن يشاهدوا الكعبة شامخة ويرتوون من ماء زمزم.
وكان كثير من حجيج الرحلة يموتون في الطريق أو في مكة من الإرهاق، كما لم يكن الأمن متوافرًا فيما مضى قبل توحيد الجزيرة العربية، فكان الوصول لأداء المناسك مجرد حلم يراود حجاج بيت الله الحرام.
والوقت الحاضر

غير أن المعطيات العصرية قلصت مدة السفر إلى الحج لساعات بالطائرة، وأصبح بإمكان بعض الحجاج أن يهبطوا من السماء في طائرات نفاثة يوم التروية أو يوم عرفة، مختصرين الأيام المعدودات إلى يوم أو اثنين دون عناء، وبات الحاج يتواصل مع ذويه عبر وسائل اتصال مباشرة، بدلا من رسائل كانت تصل متأخرة أو لا تصل أبدًا٬ بالإضافة إلى خدمات الخيام في أكبر مدينة خيام في العالم بعدد 160 ألف خيمة مصنوعة بمقاومة عالية للاشتعال وعدم انبعاث الغازات السامة منها، ومقاومتها للعوامل المناخية، تستوعب ما يزيد على 2.7 مليون حاج، وزودت كل خيمة برشاشات للمياه تعمل بشكل تلقائي بمجرد استشعارها للحرارة، وبمجرد انبعاث المياه من هذه الرشاشات يتم صدور صوت جهاز الإنذار في خيمة المطوف للتنبيه إلى الخطر.
وأصبح التنقل بين المشاعر بوسائل النقل الحديثة٬ وحتى رمي الجمرات٬ لم يعد بتلك المشقة بعد أن وفرت حكومة المملكة مشروع الجمرات في أكياس معبأة وجاهزة٬ ثم جمعها بأحدث التقنيات.
وبين الأمس واليوم هوة من الاختلافات، لكن يبقى الحج المقبول قديما أو حديثا ليس له جزاء إلا المغفرة.
العهد السعودي
لم تدخر الحكومات السعودية المتعاقبة جهدًا في تيسير كل شيء على الحجيج، وبذلت ما في وسعها للارتقاء بالخدمات المختلفة الرامية إلى خدمة ضيوف الرحمن، وكان من أهم الأمور في الماضي الحفاظ على أمن الحجاج، وتقديم ما يمكن من خدمات صحية في ذلك الوقت، واهتم الملك عبدالعزيز بتتبع الأحوال الصحية للحجاج وتفقد أحوالهم منذ أول عام للحج تحت رعايته، حيث خصص لذلك مقرًا طبيًا لمعاينة المرضى خاصة الفقراء منهم.
وأمر في عام 1347هـ بتأسيس مدرسة لتعليم المطوفين ونوابهم، يتلقون فيها دروسًا في علم التوحيد والعبادات والمناسك وأدائها حسب ما دونه علماء السلف والأئمة الأربعة.
وأقيمت على طرق الحجاج في السابق منشآت بدائية بسيطة مثل الاستراحات والمنازل والمرافق الأساسية من برك وآبار وعيون وسدود وخانات ( فنادق) ومساجد وأسواق، كما نصبت على هذه الطرق الأعلام لإرشاد الحجاج إلى الطرق الواجب اتباعها، ولحظة وصول الحجاج إلى مكة المكرمة وقبل دخولهم إلى ما يعرف حاليًا بالمنطقة المركزية، كان هناك مركز لاستقبال الحجاج القادمين من جدة بميدان البيبان، وهناك مرشدون ينقلون الحجاج إلى مطوفيهم مباشرة.
وكانت عملية نقل الحجاج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة ”عرفات ومزدلفة ومنى” تتم بواسطة الجمال، وكان للجمّالة هيئة يطلق عليها ”هيئة المخرجين”، تتولى مسؤولية إحضار الجمال والجمالة، وتتبعهم جماعة أخرى تعرف بالمقومين، وهم من يتولون تقدير حمولة الجمل من عفش الحجاج وركوبهم، وأجرة الجمل تقدر في كل عام في بداية موسم الحج، فالجمل الذي يحمل الحاج له أجر، والجمل الذي لا يحمل إلا عفش الحاج فقط له أجر.
وتوالت المشاريع في عهد ملوك المملكة على مر السنوات٬ حتى وصلت إلى أكبر توسعة للحرمين وصاحبها أضخم شبكة طرق وأنفاق في المشاعر المقدسة ومكة المكرمة، حيث شهدت المشاعر المقدسة أكبر مشاريعها على مر التاريخ أبرزها جسر الجمرات العملاق وقطار المشاعر والتوسعة الضخمة في الحرم الشريف.
جبل عرفات




