بوجه سموح ومحيا طموح تملؤه علامات الاستقامة، ولحية بيضاء زادته وقارًا وأضفت عليه طيبة وسكينة صافية وطلة أنيقة تتماهى مع بياض هندامه الذي يعكس بياض قلبه ونقاء سريرته، وصوت مألوف ونبرة أليفة تنطق بلغة فصحى خلال خطاباته وقراراته ومفرداته العلمية؛ يطل ويظل الدكتور”عبدالله نصيف” اسمًا وطنيًا كبيرًا، وقامة رفيعة خدمت الوطن والعلم والمنهج الإسلامي، إنسانًا ومسيرة.. علمًا ومعرفة.. قيادة وإنجازًا.
النشأة في بيت كبير أعيان جدة
ولِد الدكتور عبد الله بن عمر محمد نصيف في جدّة بالمملكة العربية السعودية سنة ١٣٥٨هـ/١٩٣٩م، نشأ وترعرع في بيت علم وأدب وريادة في قصر جده الشيخ محمد نصيف، الذي كان والده كبير أعيان جدة، ومقصد زائري جدة ومكة المكرمة؛ ففيه حل الملك عبدالعزيز آل سعود، لأخذ بيعة العلماء والأعيان من أهل الحجاز، وتعلَّم دكتور نصيف في مدارس جدة حتى نهاية المرحلة الثانوية، ثم حصل على بكالوريوس العلوم في الكيمياء من جامعة الملك سعود سنة ١٣٨٤هـ/١٩٦٤م، ونال درجة الدكتوراة في الجيولوجيا من جامعة ليدز في بريطانيا سنة ١٣٩١هـ/١٩٧١م، ودرَّس في جامعة الملك سعود بالرياض والملك عبد العزيز في جدّة، وتدرَّج في الرتب الأكاديمية، وهو زميل الجمعية الجيولوجية بلندن، والجمعية الجيولوجية الأمريكية.
عالم عُرف بنزوعه نحو الوسطية والاعتدال والتسامح
مسيرة أكاديمية ووطنية
تولَّى الدكتور نصيف بين سنتي ١٣٩٣هـ –١٣٩٤هـ (١٩٧٣م– ١٩٧٤م) رئاسة قسم الجيولوجيا في كلية العلوم بجامعة الملك عبد العزيز، ثم أصبح أمينًا عامًا للجامعة بين سنتي ١٣٩٤هـ – ١٣٩٦هـ (١٩٧٤م–١٩٧٦م)، فوكيلُا لها بين سنتي ١٣٩٦هـ –١٤٠٠هـ (١٩٧٦م–١٩٨٠م)، وفي سنة ١٤٠٠هـ/١٩٨٠م عُيِّن مديرًا للجامعة، وبعد 3 سنوات أصبح أمينًا عامًا لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، كما عمل نائبًا لرئيس مجلس الشورى السعودي لعدّة سنوات، واختير نائبًا لرئيس الندوة العالمية للشباب الإسلامي في المملكة العربية السـعودية.
وهو عضو في مجلس أمناء جامعة دار السلام في نيومكسيكو، والكلية الإسلامية الأمريكية في شيكاغو بالولايات المتحدة، والأكاديمية الإسلامية في كمبريدج ببريطانيا، والأكاديمية الملكية المغربية، ونائب الرئيس الأعلى للجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، ورئيس مجالس أمناء كل من: معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في جامعة فرانكفورت بألمانيا، والمركز الثقافي الإسلامي في جنيف بسويسرا، والمركز الإسلامي الثقافي في سيدنى باستراليا، والجامعة الإسلامية في النيجر، والجامعة العالمية الإسلامية في شيتاجونج، وجامعة دار الإحسان في بنجلاديش.
لا يزال يحمل حقيبته الممتلئة بخطابات المحتاجين ومؤلفات العلم
نزوع للوسطية والاعتدال
يتمتع الدكتور عبدالله نصيف بالكثير من الخصال والمزايا الحميدة؛ كعالم دين عُرف بنزوعه نحو الوسطية والاعتدال والتسامح؛ من خلال الحوار الكاشف والبناء ومشاركاته وتوجيهاته السديدة في اللجنة الرئاسية لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، فضلًا عن كونه رجلًا متوازنًا في علاقاته وتعاملاته مع الآخرين بشخصيته الإنسانية المتسامحة، المليئة بالتواضع والبساطة والسخاء والكرم، وبذل الخير والمعروف، وتقدير الآخرين حتى لو اختلف معهم فكريًا، وتلك الخصال الإنسانية حقيقه لاتصدر إلا عن رجل مثله.
شخصيته مليئة بالتواضع والبساطة والسخاء والكرم
وتجاوزت شخصية الدكتور عبدالله نصيف وإضافاتها العلمية المجال المحلي، إلى مجال أكثر شمولًا ورحابة واتساعا، وترك بصمات متعددة في الأماكن التي عمل بها، بداية من جامعة الملك عبدالعزيز ومرورًا برابطة العالم الإسلامي ومجلس الشورى، الذي كان مرحلة مهمة من مراحل مسيرته؛ حيث عُرف عنه النقاش والحوار بالكلمة البناءة وحسن الإصغاء إلى الآخر، وتقدير رأيه أيًا كان اختلافه ومعارضته له.
تقبل واحترام الآخر
وتجلت صفات الدكتور عبدالله نصيف الكريمة خلال مسيرته في مشروع الحوار الوطني، حينما كان نائبًا لرئيس اللجنة الرئاسية لمركز الملك عبدالعزيز، حيث تواصلت هذه المكارم في الإنصات والإصغاء، اللذان يعكسان احتراما للآخر، المختلف معه فكريًا وثقافيًا ومذهبيًا ودينيًا، إضافة إلى حرصه الكبير على ترسيخ هذه القيم خلال المواقف المختلفة في اللقاءات الفكرية للحوار الوطني، التي كان يقيمها المركز أثناء مناقشاته وحواراته لصياغة التوجهات الوطنية.
وتشكل القيم الأخلاقية والدينية جانب مهم من حياته وملمح حضاري من شخصية الدكتور عبدالله نصيف، فقد كان ومازال يتمتع بسبيكة رائعة من الصفات الحميدة ؛ نزوعه إلى الهدوء المرتكز على خلقه الدمث وأدبه الجم، تسود محياه السكينة والطمأنينة، فظل دائمًا محافظًا على ابتسامته، التي تجذبك للاقتراب منه والإفادة من علمه، الذي برع فيه دينيًا وثقافيًا وفكريًا.
سار عبد الله نصيف في درب أخضر مليئ بالوطنية، وطريق أبيض كلله بالتقى ومسار نقي سطّره بالوفاء، ولا يزال يحمل حقيبته الممتلئة بخطابات المحتاجين، وأجندات الدراسات ومؤلفات العلم، ويرافقه قلمه الذي كتب القرار وأمضى التوقيع، فكان شاهدًا على العلم شهيدًا على الفكر.
إغاثة فقراء المسلمين في العالم
وقد تمثَّلت جهود الدكتور نصيف، قبل تولِّيه الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي، بالنشاط المتصل بين الشباب الجامعي والمشاركة في مختلف اللقاءات الإسلامية، أما إبَّان تولِّيه الأمانة العامـة للرابطة فقد تحقَّق بفضل سماحته وحيويته كثير من مناهج العمل الإسلامي في الرابطة، وقد بذل جهودًا كثيرة لدراسة أوضاع الأقليات الإسلامية وحلّ مشكلاتها، وبرز جهده هذا في مشروع الإغاثة الإسلامية المعروف بـ”سنابل الخير”، الذي يرمي لإنقـاذ الجموع الفقيرة في أطراف العالم الإسلامي من الفقر والجهل والمرض.
مشهود له ببذل الخير.. وتقدير الآخرين المختلفين معه
جوائز وتكريمات
ما زال الدكتور عبد الله بن عمر نصيف يواصل نشاطه الجم، محليًا وإقليميًا ودوليًا، في شتى المجالات الإسلامية والخيرية والأدبية والتعليمية والكشفية والجيولوجية، وقد أهلته إنجازاته الفريدة لنيل التقدير من جهات عديدة داخل المملكة وخارجها، ومُنِح عدة جوائز أبرزها: وذلك لجهوده المتمثِّلة في:
-جائزة الملك فيصل العالمية
-وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى (أعلى وسام سعودي) سنة ١٤٢٤هـ/٢٠٠٥م.
-جائزة الأمير محمد بن فهد للأعمال الخيرية.
-وسام الهلال من حكومة باكستان.
-الدكتوراة الفخرية في القانون من جامعة الخرطوم.
-الدكتوراة الفخرية في خدمة الإسلام من جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان.
-الدكتوراة الفخرية في العلوم من جامعة العلوم والتقنية في بيننج بماليزيا.
-الدكتوراة الفخرية في العلوم الإنسانية من جامعة ولاية مينداناو.
-الدكتوراة الفخرية في العلوم الاجتماعية من جامعة مانيلا بالفلبين.
وستظل سيرة ومسيرة الدكتور عبدالله نصيف مزهوة بالخير متدفقة بالعطاء، بوصفه مدرسة وطنية في العلم والخلق والخير، يسير على منوالها ودربها أصحاب الهمم العالية.