المملكة

ولي العهد يتحدى الحاضر ويستشرف آفاق المستقبل

بقلم – منال فيصل الشريف
كان تولي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولاية العهد في 21 يونيو 2017، لحظة فارقة في تاريخ ومسيرة المملكة والمنطقة والعالم؛ باعتبار سموه قائدًا لمشروع الإصلاح والتغيير في البلاد، الذي سيغير وجه الوطن وسيؤثر بالضرورة على مجريات ووقائع الأحداث في المنطقة والعالم؛ بالنظر لمكانة المملكة السياسية والاقتصادية والروحية على الساحة الدولية.
المشروع الإصلاحي للأمير محمد بن سلمان بدأت ملامحه في الظهور، منذ إسناد العديد من الملفات المهمة لسموه، بالتزامن مع مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ملكًا للمملكة العربية السعودية، في 23 يناير 2015، وقبل تولي سموه ولاية العهد، وجاء إعلان سموه وليًا للعهد؛ لوضع الأمور في نصابها الحقيقي والصحيح، وتسمية للأشياء بمسمياتها الفعلية؛ حتى يستكمل ويقود المسيرة الإصلاحية التي بدأها، في ظل مباركة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، باعتبار الأمير الشاب صاحب المشروع الإصلاحي الأهم والأبرز في تاريخ المملكة، والأقدر على تنفيذه في أرض الواقع.
المنطلقات الفكرية
يتبنى الأمير محمد بن سلمان مشروعًا إصلاحيًا تجديديًا، يستوعب تحديات الحاضر ويستشرف آفاق المستقبل، ويصوغ استراتيجيات للنهوض والتقدم الوطني في المجالات كافة؛ ويشتمل المشروع على رؤى جديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية، وفي العديد من المجالات الأخرى، نستعرض لمحاتها على النحو التالي:
سياسيًا
تعتمد رؤى الأمير محمد بن سلمان السياسية خارجيًا على؛ استخدام كل مصادر القوة المتاحة، بما فيها” القوة الخشنة”، وليست القوة الناعمة فقط “كما اعتادت المملكة”، لحماية الأمن الوطني والقومي العربي، انطلاقا من استراتيجية” تغيير الواقع والمستقبل لصالحك، بدلًا من ترك الأوضاع تسيرك وتصنع مصيرك “، وانتهاج الردع والردع الاستباقي بديلًا لرد الفعل ، والمبادرة بدلًا عن الجمود والتريث الطويل نسبيًا، والانفتاح على العالم الخارجي، عوضًا عن نمطية العلاقات الخارجية.
وتقوم رؤى الأمير محمد بن سلمان السياسية داخليًا على؛ إعادة هيكلة أجهزة صنع القرار، وإسناد الأدوار والمناصب وفقًا للكفاءة، والدفع بالشباب والمرأة لمقدمة المشهد في المسارات كافة، وتطوير وتحديث المجتمع في كل الاتجاهات.
اقتصاديًا
يتبنى الأمير محمد بن سلمان على المستوى الاقتصادي سياسات؛ التحول من اقتصاد الريع إلى الاستثمار، وتنويع مصادر الدخل الوطني، استعدادًا لحقبة ما بعد النفط، وترشيد الإنفاق الحكومي، وتقليل فاتورة الدعم، وإفساح المجال للقطاع الخاص مع دفعه للقيام بدوره ومسؤولياته الاجتماعية، مع تنفيذ الدولة مشروعات قومية عملاقة، لإحداث نقلة نوعية اقتصادية، تماشيًا مع رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020، مثل مشروعات “نيوم والقدية والتصنيع المدني والعسكري والبحر الأحمر وقطار الحرمين وجدة داون تاون” وغيرها.
اجتماعيًا وثقافيًا
عانى المجتمع السعودي قبل تولي سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من تناقض رهيب متعلق بثنائية الانفتاح والانغلاق؛ حيث أن المملكة من أكثر دول العالم إرسالًا لمبعوثيها” من الجنسين” للدراسة بالخارج” بالنسبة لعدد السكان”، وأيضا من أكثر الدول في مجال السياحة الخارجية واستقبال العمال الأجانب، بينما يعيش المجتمع حالة من الانغلاق، ومبالغة في الفصل بين الجنسين، وفرض وصاية مجتمعية متشددة على المرأة، وأيضًا على سبل التثقيف والترفيه؛ مما كان يمثل حالة من الازدواجية الشديدة، وتبنى ولي العهد سياسة قائمة على الانفتاح الخلاق، بما لا يتعارض مع سماحة الدين الحنيف.
دينيًا
يدعم ولي العهد توجهات تصحيح الفهم والخطاب الديني، والعودة للإسلام الحضاري الوسطي، ويرى أن المجتمع السعودي كان مثالًا للتسامح والتعايش مع الآخر قبل موجة” الصحوات” عام 1979، ويدرك أن مظاهر التشدد والغلو الديني، خلقت أرضية خصبة لتأثير الأفكار المتطرفة على أعداد ليست قليلة من الشباب، الذين غرر ببعضهم للتورط في أعمال إرهابية، لذلك يمثل تعزيز التوجهات الوسطية والحضارية للإسلام، أحد أهم الملفات في رؤى مملكة المستقبل.
مظاهر المشروع الإصلاحي
مشروع ولي العهد الإصلاحي، بدت مظاهره عبر سياسات وإجراءات صاغتها ونفذتها المملكة منذ بدايات 2015، سواء بالنسبة للسياسة الخارجية أو الداخلية بتنوعاتها على الأصعدة جميعها، ونتناول ومضات منها في التالي:
خارجيًا
من مظاهر السياسة السعودية الجديدة خارجيًا؛ مقاطعة قطر بعدما فشلت المساعي الودية في إثناء الدوحة عن سلوكها المشين، المتمثل في التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية، ودعم الجماعات الإرهابية والمتطرفة، والانحياز للممارسات الإيرانية الرامية إلى زعزعة استقرار وأمن الدول العربية، كما قادت المملكة تحالفًا عربيًا لنصرة الشرعية ومواجهة ذيول طهران في اليمن، كما قطعت المملكة العلاقات السياسية والتجارية مع إيران وحظرت سفر السعوديين إليها، وأوقفت المملكة منحة قيمتها 4مليارات دولار، كانت مخصصة للجيش وقوى الأمن اللبناني، بسبب مواقف بيروت غير المساندة للرياض في أزمتها مع طهران، كما أسست المملكة تحالفًا إسلاميًا عسكريًا ضم 39دولة، لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، انطلاقا من مقره في الرياض، واستنادًا إلى أحكام اتفاقية منظمة التعاون الإسلامي، ونظمت المملكة المناورة العسكرية الكبرى لدول التحالف الإسلامي ضد الإرهاب “رعد الشمال”، بمشاركة ٣٥٠ ألف جندي من دول عربية وخليجية وإسلامية بقيادتها، و2540 مقاتلة حربية و20 ألف دبابة و460 هليكوبتر هجومية، شاركت على مدى 18 يومًا في مناورات، وصفت بأنها الأضخم في تاريخ المنطقة.
ووسعت المملكة وفق سياستها الجديدة مجال انفتاحها على مراكز القوى الجديدة في العالم، وطورت علاقاتها خاصة مع روسيا والصين ودول شرق آسيا ودول أخرى، بعدما أثبتت الأحداث ” وأبرزها الربيع العربي والاتفاق النووي الغربي الإيراني”، أنه لا صداقة دائمة أو عداوة مستمرة، ولكن الاستمرار للمصالح، وبالتالي لا جدوى من الاعتماد على” حليف أوحد “.
داخليًا
كانت أبرز محطات السياسة السعودية الجديدة داخليًا؛ إعادة هيكلة أجهزة صنع القرار، بإلغاء 14 مجلسًا، يدير جوانب مختلفة من قطاعات الدولة، وتشكيل مجلسين يتوليان دراسة وصناعة القرار السياسي والأمني والاقتصادي هما، مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
رؤية 2030
للعبور الاقتصادي من مرحلة النفط إلى الاستثمار وتنويع مصادر الدخل والتركيز على التصنيع والتقنية، أعلن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤية المملكة 2030، الهادفة إلى بناء وطن مزدهر، يضاهي أعظم الدول تقدمًا، يتمتع فيه المواطن السعودي بأعلى مستويات ومعايير الرفاهية؛ في التعليم والإسكان والصحة والتوظيف والترفيه وجميع الخدمات الأخرى، وطنًا يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، وفق أعلى معايير جودة الحياة.
وتنطلق الرؤية من اليقين بقيمة المملكة، باعتبارها ليست هبة النفط، وإنما هبة الله سبحانه وتعالى، وبالتالي لا يصح أن تظل رهينة لتقلبات أسعار الخام الأسود؛ لأن الوطن أثمن وأبقى من البترول، وترتكز الرؤية على 3 مقومات أساسية للقوة:
الأول: أن الله اختص المملكة وفضلها لتحتضن الرسالة المحمدية والحرمين الشريفين، وتكون قرة أعين مليار ونصف المليار مسلم، وقلب العالم العربي والإسلامي.
الثاني: الإدارة الرشيدة والعلمية المحترفة للقدرات الاستثمارية الضخمة للبلاد؛ بحيث يحل الاستثمار محل النفط، أو يكون عوضًا عنه في حال تراجع سوقه أو تهاوت أسعاره.
الثالث: الاستفادة القصوى من الموقع الاستراتيجي في قلب العالم القديم، والقرب من أهم الممرات المائية وطرق التجارة العالمية.
•وفي سبيل ذلك، سيتحول صندوق الاستثمارات العامة إلى أكبر صندوق سيادي في العالم، برأسمال يتراوح بين 2 و3 تريليون دولار، وسيسيطر على 10% من القدرات الاستثمارية في العالم، وستغدو “أرامكو” من شركة لإنتاج النفط، إلى عملاق صناعي يعمل في أنحاء المعمورة، وستكون الشركات السعودية عابرة للقارات، وفاعلًا أساسيًا في الأسواق الدولية، وستوطن التقنية الحديثة وتؤسس صناعات كبرى عسكرية ومدنية تستثمر الثروات، وتحجم البطالة وتخلق فرصًا اقتصادية ووظيفية متنوعة، بالتوازي مع إفساح المجال للقطاع الخاص، وتحفيزه للقيام بمسؤولياته الاجتماعية، بالإضافة إلى القضاء على الروتين و البيروقراطية وتطبيق الحكومة الإلكترونية، كل ذلك في إطار من الحوكمة والشفافية والوضوح.
وجرى اعتماد معيار الكفاءة في إسناد الأدوار والمناصب، واتجه القرار الاستراتيجي في مختلف المجالات، إلى سياسة الحسم والحزم والدفع بالشباب للمقدمة.
تصحيح أوضاع المرأة
كانت المرأة السعودية تستطيع الابتعاث والتواجد في الخارج عدة سنوات، وحضور كل الفعاليات الرياضية والفنية هناك، لكنها لا تستطيع حضور مباراة رياضية في المملكة، وكانت تستطيع استقدام سائقين وعاملين لديها من مختلف دول العالم، لكنها لا تملك قيادة سيارتها، فضلًا عن تجاوزات “الوصاية” عليها أحيانًا، وعديد من التجاوزات الأخرى.
الآن؛ تدور عجلات الإصلاح والتغيير بوتيرة متسارعة، وتحصل المرأة السعودية يومًا بعد يوم على المزيد من الحقوق؛ تستطيع القيادة وحضور الفعاليات المختلفة، وتتوالى المناصب المهمة التي تتبوأها، والمجالات الجديدة التي تفتح أبوابها لها، وأصبحت المرأة السعودية، بنهاية 2015، ناخبة ومرشحة للمرة الأولى في تاريخها، بل فازت سيدات عديدات في الانتخابات البلدية، والمستقبل واعد لتنال كل ما تتمناه وتتطلع إليه، في ظل قيادة رشيدة تؤمن بدور المرأة في نهضة الوطن وتقدمه.
الترفيه
إذا أغلقت مجالات التثقيف والترفيه البريئة، في ظل مجتمع ميسور اقتصاديًا، فإنك تفتح الباب للترفيه المبتذل والعديد من التجاوزات والمخالفات، بطبيعة أن الممنوع مرغوب، معان أدركتها القيادة الحكيمة، فقررت السماح لهيئة الترفيه بممارسة أنشطتها، في إطار من الالتزام بمعايير الجودة وضوابط الأخلاق، وتحت متابعة وإشراف المجتمع، بدلًا من توجه المواطنين للخارج، بكل ما يحمله ذلك من تبعات غير محسوبة العواقب.
ضبط أداء “الهيئة”
للمملكة مكانة روحية خاصة عند قرابة مليار ونصف المليار مسلم، باعتبارها مهبط الوحي ومقر الرسالة الخاتمة وموطن خير البشر والصحابة والتابعين الكرام، وتبذل المملكة جهودًا متواصلة لتحقيق التوازن بين الطبيعة الخاصة للبلاد المستندة على الالتزام بالشرع الإسلامي، وبين رعاية الحقوق والحريات الشخصية وخصوصيات الناس؛ لذلك جاءت خطوات تطوير”الهيئة”، لإعادة ضبط الاختصاصات وتحديد الصلاحيات والمسؤوليات، خاصة أن التدين مسألة داخلية وسلوك شخصي، أكثر من كونه مظاهر أو ادعاءات قد لا تكون حقيقية، وأنه لا يمكن إجبار الناس على التدين، لكن يجب إجبارهم على التقيد بالقوانين والأنظمة، وقد لاقت إجراءات تطوير”الهيئة” استحسانًا شعبيًا، بما حققته من ضبط للتجاوزات وحماية للحقوق والحريات.
السؤال المفصلي
وهنا يبدو السؤال الأكثر الحاحًا: هل كان المشروع الإصلاحي لصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.. اختيارًا أم ضرورة؛ بمعنى أكثر بيانًا: هل كان اختيارًا ضروريًا حتميًا لا مفر منه للحفاظ على وجود وأمن واستقرار وتقدم المملكة ؟، أم كان في الجعبة خيارات قديمة يمكن استخدامها، مساوية في الآثار والتبعات والمخاطر، أو ربما أكثر نجاعة ؟، تتطلب الإجابة على السؤال استعراض خريطة التحديات التي واجهت المملكة، إبان انتهاج السياسة السعودية الجديدة، التي تزامنت مع مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ملكًا للمملكة العربية السعودية في بدايات 2015.
خريطة الإقليم.. إيران وذيولها وداعش
بعد تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الحكم بفترة قصيرة، كانت إيران قد طوقت السعودية وكل منطقة الخليج العربي من كل الجهات تقريبًا؛ طهران موجودة في اليمن عبر الحوثيين، وفي العراق منذ سنوات، وصارت اللاعب الأهم هناك، وقواتها تقاتل مع بشار الأسد في سوريا، وحزب الله لا يزال اللاعب الأبرز في لبنان، ومتهم بقتل رفيق الحريري المقرب من المملكة، وحتى في غزة السنية هناك حماس ذات العلاقات الجيدة مع إيران والعلاقات المتذبذبة مع الرياض، على خلفية الخلاف السعودي الإخواني، وكانت طهران مستمرة في إثارة الفتن والتمدد في البحرين والكويت ودول أخرى في الخليج وغير الخليج، والمعنى أنها تحاصر منطقة الخليج من كل جانب، بل وتحاول جذب أنصار في المنطقة الشرقية للسعودية.
وزادت المخاطر الإيرانية على السعودية والخليج وكل المنطقة العربية بإبرام الاتفاق النووي الإيراني الغربي – قبل تولي ترامب وانسحابه منه- ، وكان يتردد وقتها أن ” أمريكا أوباما” ستسلم طهران مفاتيح المنطقة في استعادة للمشهد الأمريكي الإيراني قبل انهيار نظام الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979، وما كان يتواتر أيضًا عن وجود تنسيق خفي بين واشنطن وطهران، للاستفادة من نفوذ الأخيرة في سوريا والعراق، للتصدي لتنظيم داعش وغيره من الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وكانت المخاطر الإيرانية تزداد؛ بشعور طهران بفائض قوة” خزنته طيلة سنوات الحظر والعقوبات الغربية”.
أما داعش، فكان خطرها يتزايد داخل المملكة عن طريق تجنيد بعض المراهقين المغرر بهم، وكانت سيطرتها على مدينة الرمادي في محافظة الأنبار العراقية، مصدر تهديد مباشر للأمن الوطني لـ 3 دول جوار تتشارك حدودًا طويلة مع العراق هي: السعودية والأردن والكويت.
وتجاوزت مخاطر داعش الطابع الأمني، وتحولت إلى تهديد لهوية الدولة الوطنية في البلدان التي يصل إليها، بما فيها دول الخليج، بلعب التنظيم على وتر الانقسام وبث الفتنة الطائفية، بإعلانه استهداف الشيعة في جزيرة العرب، وبدا ذلك جليًا حين استهدفت تفجيراته الإرهابية مساجد لأبناء المذهب الشيعي في كل من السعودية والكويت، وهذه الايدلوجية ضارة باللحمة المجتمعية في دول الخليج، التي يعد المكون الشيعي أحد عناصر نسيجها الوطني.
وأوضاع الداخل
دعونا نتذكر الأوضاع الداخلية في المملكة بدايات عام 2015؛ كانت التنظيمات الإرهابية” داعش والقاعدة وغيرها”، تمثل قلقًا أمنيًا كبيرًا، وكانت التحديات لا تزال قائمة في المنطقة الشرقية، ولم تتورع إيران عن التحريض وزعزعة الأمن هناك، في سياق تنفيذ مخططاتها .
وفي ذلك الوقت أيضًا، خسرت المملكة حوالي نصف عائداتها النفطية، بسبب هبوط أسعار البترول إلى النصف تقريبًا، وبلغت تقديرات عجز الميزانية السعودية عام 2015 نحو 367 مليار ريال (97.9 مليار دولار)، وترتب على ذلك تجميد بعض مشروعات البنية التحتية، وخفض دعم الطاقة والكهرباء والمياه، وتعديل أسعار بعض الرسوم والخدمات والعوائد، في وقت كانت المملكة تحتل فيه المرتبة الثالثة عالميًا، من حيث نسبة السكان دون الـ 29 عامًا( بالنسبة لعدد سكانه)، بواقع 13 مليون شخص من الجنسين، وبنسبة 67 % من السكان، ورغم تميز السعودية بأنها دولة فتيّة طبقا لهذه النسبة، لكن هذا يؤدي إلى زيادة الضغوطات بشكل ملحوظ على التعليم والتوظيف والإسكان، خاصة أن نسبة البطالة بين الشباب في السعودية أعلى من معدلاتها في دول نظيرة، وكانت الدراسات تشير وقتها(عام 2015) إلى أن المملكة ستكون في حاجة إلى حوالي 3.5 مليون فرصة عمل جديدة بحلول عام 2020.
الإجابة المؤكدة
قدر الله سبحانه وتعالى لهذه البلاد المباركة، رجلًا شجاعًا في لحظة تاريخية حاسمة، في وسط التحديات والمخاطر الجسام، كان الأمير محمد بن سلمان طوق النجاة للوطن، بعد عناية الله وحكمة خادم الحرمين الشريفين.
لو لم تنتهج المملكة سياستها الجديدة، ولو داومت على سياسة رد الفعل، والاعتماد على القوة الناعمة فقط؛ لتمادت قطر في تجاوزاتها وتهديدها للأمن الوطني السعودي والأمن القومي العربي، ولكانت المملكة تحارب داخل حدودها بدلًا عن المواجهة في الخارج؛ ولكان الحوثيين يحاربون على الحدود السعودية بعدما دانت لهم اليمن، والدواعش والقاعدة وحزب الله وخوارج الداخل أكثر توحشًا واستهدافًا للمملكة، ولكانت إيران أكثر شراسة وتمددًا، ولظلت السعودية أسيرة ورهينة لتقلبات أسعار النفط، واستمر اقتصادها بدائيًا ريعيًا، وتضاعف عجز الموازنة، وتوحشت الأزمة الاقتصادية، ولظل المجتمع يعيش حالة التناقض والازدواجية الثقافية والاجتماعية والغلو والتشدد الديني؛ ولذلك نستطيع القول والتأكيد على أن رؤى ولي العهد ومشروعه الإصلاحي : اختيار الضرورة وضرورة الاختيار، وأن المملكة كانت ستنجرف إلى مسارات لا يعلم عواقبها إلا الله، إذا غاب أو تأخر هذا المشروع الإصلاحي المنقذ.
ثمار في فترة قصيرة
بفضل الله، ثم بفضل رؤى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ومشروعه الإصلاحي، الذي يحظى بمباركة حكيم العرب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز؛ بدلًا من أن تحاصرنا إيران حاصرناها؛ ونجهز الآن على ذيولها في اليمن وأماكن أخرى، وشجعت سياسة المملكة الجديدة تجاه إيران ” ترامب” على حصارها، وقريبًا.. سيتوالى الحصار الدولي ضدها، ونظام الملالي و” بالتبعية ذيوله” إلى زوال، وبدلًا من انشغال النظام القطري بخلق وتصدير الأزمات للمملكة ودول شقيقة، بات مشغولًا بالفكاك من تداعيات المقاطعة، وتواصل المملكة بنجاح ساحق اجتثاث جذور الإرهاب والتطرف، وحماية أمن واستقرار الوطن والمواطن، وأصبح المجتمع السعودي يتجه صوب مزيد من الانفتاح والتطور والتقدم والتسامح الثقافي والاجتماعي والديني، والاستمتاع بمباهج الحياة البريئة، ووضعت المملكة أقدامها بثبات على طريق اقتصاد التنمية المستدامة والاستثمار وتنويع مصادر الدخل، والتحول لمجتمع التصنيع والتقنية والخدمات المتقدمة والمشروعات العملاقة، والأرقام والدلائل الاقتصادية على نجاح الرؤية والإصلاح الاقتصادي في المملكة كثيرة، بشهادات وتقييمات دولية وإقليمية، وسنكتفي ببعض الأرقام المبشرة المتحققة، خلال الشهور القليلة الماضية، على سبيل المثال وليس الحصر:
•يشهد عام 2018 أكبر برنامج للإنفاق الحكومي في تاريخ المملكة، بقيمة تتجاوز 1,1 تريليون ريال سعودي؛ 978 مليار ريال من الميزانية، و83 مليار ريال من صندوق الاستثمارات العامة، و50 مليار ريال من صناديق التنمية المنضوية تحت صندوق التنمية الوطني.
•ارتفع الإنفاق على “المنافع الاجتماعية” بنسبة 185%، حيث استحوذ على نحو 9.4% من مصروفات الدولة في الربع الأول من العام الجاري، بنحو 18.8 مليار ريال، مقابل 6.6 مليار ريال في الفترة نفسها من العام الماضي، و”المنافع الاجتماعية”؛ هي تحويلات جارية إلى الأسر لتلبية الاحتياجات الناشئة عن أحداث مثل المرض والبطالة والتقاعد والإسكان والظروف الأسرية.
•تمويل ما يقارب 50 % من ميزانية هذا العام من دخل ومصادر غير نفطية، بما في ذلك الإيرادات الجديدة غير النفطية، إضافة إلى متحصلات أدوات الدين.
•ارتفاع الإيرادات غير النفطية في ميزانية السعودية للربع الأول من العام الجاري، بنسبة 63%، لتبلغ 52.3 مليار ريال، مقابل 32.1 مليار ريال في الفترة نفسها من 2017، بزيادة 20.2 مليار ريال.
•قفزت إيرادات الحكومة من الضرائب على السلع والخدمات بنسبة 298%، خلال الربع الأول من العام الجاري، لتبلغ 22.65 مليار ريال، فيما كانت 5.69 مليار ريال في الفترة نفسها من العام الماضي.
•بلغ إجمالي المصروفات خلال الربع الأول 200.59 مليار ريال، مسجلًا ارتفاعًا بنسبة 18% عن الربع المماثل من العام السابق، وفق ما خطط له من دفع معدلات النمو الاقتصادي، من خلال توزيع الإنفاق الحكومي بشكل أمثل على مدار السنة المالية.
•تقديم حزم تحفيز للقطاع الخاص على مرحلتين بقيمة 40 مليار ريال و72 مليار ريال، وإطلاق 17 مبادرة في إطار هذه الحزم التحفيزية.
•الاستمرار في اعتماد استراتيجية إدارة الدين العام عبر إصدار السندات والصكوك الدولية؛ لتخفيف الضغط على سيولة البنوك المحلية، ما أدى إلى تعزيز أداء القطاع المصرفي.
•إشادة المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في العام الماضي بالإصلاحات، خاصة دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ حيث زادت إيرادات الشركات الصغيرة 9 %، والشركات المتوسطة14 %.
•إقرار صندوق النقد الدولي بالتقدم الملحوظ الذي أحرزته المملكة في تحقيق أهداف برنامج الإصلاح الاقتصادي وفقًا لروية المملكة 2030، لاسيما فيما يرتبط بضبط المالية العامة.
•خفض عجز الميزانية للعام المالي الحالي بنسبة تجاوزت 25 %، مقارنة بالعام المالي الماضي، رغم ارتفاع الإنفاق.
•تستهدف الحكومة خفض العجز في ميزانية العام المقبل، ليكون أقل من 8 % من الناتج المحلي الإجمالي، رغم الحجم الكبير والتوسعي للميزانية.
•أعلن صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد السعودي مستمر في النمو والتحسن، وتوقع أن يحقق زيادة في الميزانية بأكثر من 90 مليار دولار( ما يزيد على 340 مليار ريال ) بحلول عام 2020، كنتيجة لخطط الإصلاح الاقتصادي، مبينًا أن نسبة فرص العمل سترتفع وكذلك برامج دعم المواطنين والصناعة.
خلاصة وخاتمة
من يتوانون في مواجهة الأخطار، ستداهمهم المخاطر في عقر دارهم، ومن لا يستخدمون أو يُفعلون مكامن ومصادر قوتهم وقت الحاجة إليها، سيندمون في زمن لن يفيد فيه الندم، وبالتالي إذا لم تبادر المملكة إلى انتهاج سياستها الجديدة ومشروعها الإصلاحي، ودوامت على سياسة رد الفعل والهدوء والتريث، كانت ستحارب داخل حدودها بدلًا من المواجهة خارج الحدود، وكانت ستظل أسيرة ورهينة لتقلبات أسعار النفط، ولظل اقتصادها بدائيًا ريعيًا، في وقت تتحول فيه دول أقل كثيرًا في الموارد والإمكانات إلى دول ناهضة ومتقدمة، وكانت ستظل أسيرة لجمود ثقافي واجتماعي ورؤى دينية متشددة؛ تناهض تطور وتقدم المجتمع.
إن المشروع الإصلاحي الذي يقوده سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بعد رعاية الله؛ الضمانة الحقيقية لوجود وأمن واستقرار المملكة، وتقدمها وتطورها ومستقبلها الزاهر بإذن الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *