بقلم- أميمة الفردان
لقب ملكة لم تحصل عليه سوى عفت الثنيان السيدة الأولى والوحيدة؛ التي توجت ملكة على قلوب السعوديين والسعوديات بشكل خاص؛ كونها التي عملت على فتح الأبواب على مصراعيها أمام المرأة السعودية لتمكنها من الخطوة الأولى لتحقيق نفسها عبر بوابة التعليم.
من هي عفت؟
عفت هي ابنة محمد بن عبد الله بن عبد الله بن ثنيان بن إبراهيم بن ثنيان بن سعود؛ التي ولدت في اسطنبول بتركيا؛ لسيدة تركية هي آسيا هانم التي تزوجها والدها وانجب منها ايضاً اخيها الشقيق “زكي”؛ في العام 1926 للميلاد؛ حيث أكملت حينها تعليمها وحصلت على دبلوم المعلمات. لوم تكن عفت حينها تجيد اللغة العربية التي كانت قد بدأت بها تعليمها في المدارس التركية؛ قبل أن يتم التحول لإعتماد اللغة التركية بقرار من كمال أتاتورك في ذلك الوقت؛ الأمر الذي تجاوزته بعد أن أصبحت صاحبة أول لقب ملكي في السعودية، بزواجها من الملك فيصل وتعلمها للغة العربية في السعودية.
تقول عن حياتها ابنتها الأميرة لولوة الفيصل “عاشت الملكة عفت حياة بسيطة جداً؛ بعد وفاة والدها الذي كان يعمل في ذلك الوقت جندي في الجيش التركي؛ قبل أن يذهب ضحية لحرب البلقان في ذلك الوقت؛ وتبدأ حياة الكفاف؛ بسبب المعاش التقاعدي الذي لم يكن كافياً لإعالة الزوجة والإبن والأبنة والعمة “جوهران” التي كانت تعاني من شلل في الأطراف؛ الأمر الذي اضطرت معه ام الملكة عفت لإستخدام مهارتها في الخياطة، لتكون خياطة لجاراتها ومعارفها ؛
ومع ذلك لم تتمكن من سد احتياجات الأسرة الصغيرة؛ ما جعلها تقبل الزواج مرة أخرى وتنتقل للإقامة في بلد الزواج الثاني برفقتها ابنها “زكي” وأنجبت منه الأخوة غير الأشقاء للملكة عفت من والتها آسيا هانم كلاً من “نظفر أادهم و “كمال أدهم” مؤسس الإستخبارات السعودية في ذلك الوقت..
وظلت عفت في تلك الفترة مع عمتها المريضة “جوهران”؛ قبل أن تتمكن من زيارة نجد في العام 1931م، من أجل أداء فريضة الحج وللتعرف على أسرتها؛ لتلعب الصدفة دوراً كبيراً عندما كان في استقبالها وزير الخارجية حينها ونائب الملك في الحجاز الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود؛ وتزوجها وأنجبت منه كلاً من سارة وهيفاء ولولوة ولطيفة ومحمد وعبد الرحمن وتركي وسعود وبندر الفيصل وتوفيت في الخامس عشر من شهر فبراير في عام 2000 للميلاد؛ بعد عملية جراحية عن عمر يناهز الخامسة والثمانين.
قبل دار الحنان.
اعتبرت الملكة عفت رائدة من رائدات التعليم في المملكة؛ كون حياتها في تركيا في ظل الحرب العالمية التي كانت قائمة آنذاك، ولم تسلم منها تركيا بشكل خاص؛ التي كانت تعيش فيها؛ تركت أثراً كبيراً على شخصيتها؛ بسبب آثار تلك الحرب التي تسببت في وجود عدد كبير من الأرامل والسيدات اللواتي لم يكن على قدر كبير من التحصيل العلمي؛ ناهيك عن حياة الكفاف التي عاشتها بعد موت والدها التي جعلتها تفكر كثيراً في النتائج التي يمكن ان تترتب على حياة الأسرة بشكل كامل في حال حصول المرأة على قدر من التحصيل العلمي؛ الأمر الذي ألقى بظلاله على شخصية ملكة القلوب.
أثناء تواجدها في القصر الملكي، لم تكن عفت مجرد ملكة للقصر، بل كانت تدير منه ندوات حوارية اجتماعية وثقافية؛ مع سيدات المجتمع السعودي حينها؛ اللواتي كنّ يترددن على مجلسها وهو ما ساهم كثيراً في معرفتها بأحوال النساء في المجتمع السعودي الذي كانت تعاني نساءها من الحرمان من التعليم؛ فكانت دار الحنان بجدة أول صرح تعليمي للبنات تم انشاؤها في العام 1375هـ- 1955م.، سبقته تجربة لم يكتب لها النجاح في مدينة الطائف.
وقامت في ذلك الوقت بإفتتاح الجمعيات الخيرية والثقافية؛ منها جمعية نادي فتيات الجزيرة الثقافي الذي تحول بعدها إلى جمعية النهضة. ولم تكن مساهمة الملكة عفت قاصرة على التعليم؛ التي ساعدها وقدّم لها كل الدعم الملك فيصل آل سعود حينها؛ بل جاءت تباعاً إنجازات أخرى منها مستشفى الملك فيصل التخصصي التي ساهمت عفت في تأسيسها ومركز الأبحاث في الرياض.
دار الحنان وحنين الذكريات.
لا يمكن أن تذكر اسم “دار الحنان”؛ حتى يبدأ حديث ذو شجون مع خريجات هذه الدار تتسع العيون ويبدأ خيال ابتسامة على طرف الفم يظهر ويعود الزمان لأيام أقل ما توصف به كما قالت السيدة أريج فدا اليت تشغل الآن منصب مدير عام مركز أفكار الصغار لذوي الإحتياجات الخاصة “أيام دار الحنان هي الأجمل والأحلى”، اعتبرت فدا انها وجيلها الجيل الأكثر حظوة في كونه أُتيحت له فرصة أن يكون “مختلفا” عن أجيال سابقة ولا حقة حتى!
وأضافت “أبلة سيسيل رشدي نشرت حباً غريب وجعلتنا نفخر بإنتماءنا لدار الحنان، والملكة عفت والملك فيصل هذا الثلاثي ترك آثار وبصمة واضحة في جيلنا لن تتكرر”، وأشارت فدا إلى الأنشطة غير العادية مثل حصص الموسيقى والكشّافة عملت على ترسيخ ألفة غير عادية بين الخريجات أحببنا العالم والتعلم من خلال دار الحنان، الموسيقى كانت تعمل على تهذيب نفوسنا والنشاط الرياضي خلق فينا روح العمل الجماعي؛ اما الرحلات الكشفية التي كانت تنظمها الدار للطائف في ذلك الوقت؛ ونحن “بنات” بمفهوم العصر الحالي الذي يجعل من المرأة قاصراً في بعض العقليات؛ خلقت فينا روح التعاون والمشاركة وعملتنا المعنى الحقيقي للقيادة؛ في دار الحنان عرفنا الحياة بجمالها ، دار الحنان كانت محبة وعطاء غير محدود”.
تجربة بمذاق خاص.
قليل من خريجات الدار من الرعيل الأول؛ حملته الأقدار لدار الحنان بعد خوض تجربة تعليمية في المدارس الأهلية في وقت لم يكن قد بدأت أي بوادر للتعليم الحكومي كما هو الحال مع الدكتورة ثريا عرفة مديرة وحدة التخطيط السابقة بإدارة تعليم جدة، التي وصفت تجربتها في دار الحنان “رغم أنني لم أقضي سوى الثلاث السنوات من المرحلة الثانوية في الدار؛ إلا أنني أستطيع القول أن تلك السنوات كانت فترة الفرحة في حياتنا، دار الحنان تجربة منحتني الشعور بالإستقلالية والحرية، وجعلتني منفتحة على الحياة واعطتني الأمل في إكمال تعليمي، دار الحنان لم تكن مجرد مدرسة بل كانت مؤسسة تعليمية متكاملة بإمكانيات عالية؛ هي عبارة عن تأسيس لحياة من يتخرج منها”.
واعتبرت عرفة أن الإختلاف الثقافي للمعلمات في الدار؛ والجنسيات المتباينة واللهجات المختلفة تركت أثراً واضحاً على الخريجات من خلال بناء لشخصية الطالبات حينها وخلقت اختلاف جذري صحياً أفاد مجتمعنا في ذلك الوقت”.
علامة فارقة بإمتياز سعودي.
التحول من المدرسة القومية بالقاهرة؛ بالنسبة لطفلة في الصف الخامس إلى دار الحنان بجدة؛ لم يكن سهلاً في المخيلة؛ لكنه في الوقاع لم يكن كذلك كما أوضحت الأستاذة هادية شمس الرئيسة السابقة لقسم التربية الخاصة بتعليم جدة التي وصفت تجربة دار الحنان بأنها “من أجمل التجارب لم أشعر بفرق بينها وبين المدرسة في القاهرة؛ نفس مستوى التعليم والأنشطة لم يتغير شيء بالنسبة لي؛ سوى أنني أصبحت أكثر قرباً من بيئتي ومحيطي الإجتماعي”.
مؤكدة على أن الدار عملت على صقل شخصيات طالباتها، الأمر الذي انعكس إيجاباً على تميز خريجات درا الحنان والذي يلمسه كل من تعامل مع احداهن من خلال رحابة الصدر والتفاهم والإنفتاح الثقافي والمعرفي والسلوك الراقي”.