تحقيق

سفر المرأة مع الصديقات.. حق أم انفلات

الآباء أكثر مرونة في سفر بناتهم..والأزواج لديهم تحفظات

تحقيق- آمال رتيب
دردشة بأحد الجمعات النسائية٬ ثم اقتراح٬ فحقائب سفر نسائية في المطار؛ هكذا تخطط النساء لوجهات سفرهن٬ في أقل من ساعة زمن يتم تحديد الوجهة والمرافقات، ومهام كل منهن من ؛ حجز وإجراءات وترتيبات الإقامة وإدارة الميزانية٬ فالمرأة التي تغير كل ما حولها٬ كان لها أن تتغير من الداخل أيضا٬ دون مزايدة على القيم والفضيلة٬
وسفر المرأة مع صديقاتها صار حقا طبيعيا، كما أكدت غالبية من تحدثنا إليهن ، منوهين إلى أن الاستقلالية المادية واعتماد المرأة على نفسها منحاها قوة اتخاذ قرارات مهمة، خاصة أن هناك البعض منهن ليس لهن زوج أو ولد ؛ فلماذا لا تسافر مع صديقاتها أو بعض بنات العائلة٬ لكن ما السر في تفضيل المرأة هذه النوعية من الصحبة؟، وماذا يواجهها من مصاعب؟ ، وبالنسبة للسيدات المتزوجات ، ما موقف الأزواج؟، وكيف ينظر المجتمع للأمر ، وكيف نحافظ على استقرار الأسرة دون الاضرار بنفسية المرأة في الوقت ذاته؟ ، نستعرض هذه النقاط وغيرها في السطور التالية.
• وقت مستقطع من دوامة الروتين
لوران معوض مسؤولة تنمية بجمعية خيرية ، تقول إن تجربة السفر مع الصديقات مختلفة تماما٬ فهي بعيدة عن التزامات العائلة والارتباطات الأسرية٬ وفيها كل الأريحية والبساطة٬ وبمثابة وقت مستقطع من دوامة الروتين٬ لتعود المرأة بعد تجديد النشاط للمسؤوليات المعتادة٬ وتضيف أنها لا تغلق هاتفها أثناء السفر أبدا٬ لكن الأهل يراعون أنها في سفر ، فتكون الاتصالات سريعة ، وفي أوقات متاح فيه الرد، وتنصح معوض كل امرأة بأن تخصص وقتا لنفسها٬ لتعود بعده بنفسية متجددة٬ لأن ذلك سيجعلها راضية٬ ولا تشعر بكل التضحيات الجسام التي تقدمها.
• مساحة للتنفس لا للانفلات
وتتفق الدكتورة منال حلواني مع فكرة السفر مع الأخوات أو الصديقات؛ لأن المجتمع تغير كثيرا عن قبل٬ والمرأة أصبح لها عملها واستقلالها المالي ، الذي تتيح لها السفر مع الصديقات أو بنات العائلة ، للاستمتاع بإجازة بمذاق آخر بطعم الخصوصية٬ والأمر ترجمة واقعية لما نالته المرأة من استقلالية واعتماد على النفس٬ وليس معناه أنها تسافر “للانفلات” كما يظن البعض٬ لكن هي متعة بعيدة عن ضغوط الأسرة والعمل٬ ومساحة للتنفس.
وتذكر حلواني أن الأمر لا يخلو من بعض المطبات٬ وتكون أغلبها مع أولئك الجدد اللاتي يسافرن مع المجموعة لأول مرة٬ لأن السفر عادة يظهر اختلاف الطبائع البشرية٬ وعندما تكون هناك شخصية جديدة، قد لا تندمج سريعا مع قوانين وتعليمات المجموعة والتزاماتها بالأوقات والترتيبات.
• حق مشروع
وتشير لورين كمال مديرة مبيعات بشركة تجميل إلى أنها تربت على استقلالية الشخصية وتحمل مسؤولية قرارتها٬ وبعد العمل والتدرج الوظيفي ازدادت هذه المسؤولية٬ وليس من المعقول أن المرأة التي تدير مئات البشر٬ لا تستطيع إدارة وقتها وحياتها٬ ومن جانب آخر من حق كل امرأة أن تستمتع قليلا بوقتها٬ والسفر مع العائلة لا يتيح لها هذه الاستقلالية والبهجة ٬ فهي طيلة الوقت مسؤولة عن ترتيبات الأسرة وملتزمة بأوقاتهم٬ لكن مع الصديقات هناك حرية وتفاهم أكبر٬ والكل متفق على الاستجمام والاستمتاع، بحكم تقارب الأعمار والأفكار.
• أزواج يرفضون الندية
ومن خلال لقاءات متنوعة مع أشخاص يمثلون مختلف الفئات الاجتماعية ، وجدنا الآباء أكثر مرونة في السماح لبناتهم بالسفر٬ بينما هناك كثير من الأزواج ما زالت لديهم تحفظات على سفر زوجاتهم٬ وبنبرة شديدة العصبية والتوتر صرخ أحد الأزواج بعد طلب زوجته المتكرر بالسفر مع صديقاتها٬ خاصة أن البداية كانت مطالبتها بالخروج والسهر كما يفعل هو٬ والآن وصل الأمر لمطالبتها بالسفر كما يسافر مع أصدقائه !.
• كسر القيود
المستشار الأسري الدكتور رائد بن أمين كردي يقول إن المرأة كيان مستقل لا شك في ذلك ، ولها مسارها الخاص المعتد به شرعا وعرفا، وعند حديثنا عن المرأة في مجتمعنا على وجه الخصوص ، سنعرف أن مثل هذه الأطروحات والنقاشات قد تكون حكرا عليه ، غريبة على غيره، لكن المُسلم به حتما من حيث تفاصيل التركيبة النفسية والسلوكية للمرأة عموما ،
هي أنها ليست من سعاة الانحلال ولا دعاة التحرر، لكن الشعور المستمر لديها بممارسة السلطة عليها ، وترسيخ مفهوم الوصاية على تصرفاتها ، كانا سببا قويا لها كي تكسر القيود لتعيش في مساحة متفردة، وحرية كفلها لها الدين من حيث الاستقلالية والاختيار في دائرة تصرفاتها، وبعيدا عن المثالية لا بد وأن يتبع كسر القيود عنوة بعض الخدوش والخلل في التركيبة المجتمعية، لأن كل تغيير لا بد وأن يجابه بالمقاومة من الطرفين.
• شعور فعلي بالحرية
ويواصل أن الرجل عادة يسيء التعبير فيما يتعلق بمفهوم الغيرة ومفاهيم العاطفة عموما، لتخرج أحيانا بصيغة الانتقاص أو الاتهام أو الحديث عن الحماية لكائن يرى نفسه جديرا بتوفيرها ذاتيا، وهنا قد يطرأ سلوك التمرد لأسباب عدة ؛ على رأسها مجاراة هذا التغيير بما يتوافق مع السلوكيات الحديثة، من خلال مجتمع المرأة ذاته، حيث ترى نفسها ليست أقل من غيرها ممن هن حولها، متناسية اختلاف الظروف وتباين الطباع وتعدد طرق القبول داخل بيئتها الأسرية، ومن ضمن ما تراه المرأة أحيانا من معايير الاستقلالية السفر،
وقد تتعدد أسبابه بين الضرورة والاختيار، أو بين الحاجة والرفاهية، وكلها أمور تظل في حيّز المقبول، لكنها تخرج عن هذا النطاق عندما تتحول إلى صراعات وتحديات من أجل إثبات الذات، والدوافع لمثل هذه الأسفار ، غالبا تكون ممارسة ترفيهية تخدم غاية أساسية في نفس المرأة ، وهي الشعور الفعلي بمفهوم الحرية.
• استيعاب مفاهيم الحاجة والإمكانية والقبول
ويشير كردي إلى أنه رغم تحفظه الشخصي على هذا المفهوم، عندما يكون دخيلا على الأسرة لدينا بشكل عام، لكن يجب ألا ننسى أنه كان من الممارسات المعتادة عند فئة قليلة من الأسر، لذا يجب أن نحسن توظيف التعامل مع هذا الاتجاه الدخيل نوعا ما على مجتمعنا، من قبل المرأة أولا ؛ باستيعابها لمفهوم الحاجة أولا ، والإمكانية ثانيا٬ ومفهوم القبول الذي يجب ألا يتعارض مع مهامها الأساسية المطلوبة منها لتحقيق الاستقرار المجتمعي ، خاصة أنه باستقراء سريع للأسباب ، نجد أن هذا النوع من السفر لا يخرج عن حاجة المرأة للتسوق أو إيجاد متنفس يخفف عنها أعباءها الحياتية المتعددة ، مع عدم إغفال الفئة التي تسافر من أجل الدراسة أو العناية الطبية أو متابعة أعمالها الخاصة .
• الاقناع بهدوء وحذر
ويوضح طرق التعامل مع هذا المتغير المجتمعي – كما أسماه- بقوله: عندما نتعامل مع تغير مجتمعي أو سلوك جديد ، يجب الادراك أن صحة هذا السلوك وسلامته وتوافقه مع كل المسلّمات العامة لا تعني قبول المجتمع له، وعليه لا بد أن يكون التعامل مع الأمور مبنيا على التداول النفسي والعاطفي والاقناع الفكري بهدوء وحذر،
وسفر المرأة يقينا يعتبر إحدى الموضوعات التي قد تسبب شروخا في كيان الأسرة، سبب هذه الشروخ قائم على أساس الاعتبارات الاجتماعية؛ فالمرأة قد تتمسك به مجاراة للمجتمع؛ والأسرة قد ترفضه أيضا اتباعا للمجتمع فقط ، والمرأة في أي موقع كانت في الأسرة؛ أما أو زوجة أو أختا أو ابنة، تمثل عنصر الاستقرار والتماسك والترابط، وكلما أوغلت في الخروج عن هذه المهمة كلما تزعزع الاستقرار الداخلي للأسرة.
• ميثاق لكل أسرة
ويلفت كردي إلى أن المرأة التي كانت ترفض سفر زوجها بمفرده٬ هي ذاتها التي تؤمن أن هذا الأمر حاليا هو حقها المشروع، وهذه طبيعة التغيير، ولا بد أن يصحبه شيء كبير من اختلاط المفاهيم والتناقضات ، وعلى كل طرف ادراك حقيقة مفهوم المسؤولية تجاه الآخرين ، وأن الأسرة بحاجة إلى سعي يحقق مصالحها العليا وأهدافها العامة،
وأن ينبذ الأنانية في اتخاذ القرار ، كي لا يكون سعيه لتحقيق مصلحته كسراً للروابط، ويختتم المستشار الأسري الدكتور رائد بن أمين كردي بأنه من ضمن الحلول لتحقيق الاستقرار الأسري والتفاهم ؛ وضع ميثاق لكل أسرة حسب حالها، يوضح كافة المسؤوليات والمهام الموكلة لكل فرد تجاه أسرته الصغيرة، وسياسات الإنابة وحدودها في حال الغياب، حتى ننعم بأسرة يسودها التنظيم ويعم أجواءها الهدوء .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *