مقالات الكتاب

شكراً.. ندوبي

بقلم: السعد المنهالي

انصعت لما طلبته مني المعلمة خارج قاعة الدراسة: «احملي حقيبتك واذهبي إلى الفصل المجاور». ومن سذاجتي أخبرت زميلاتي ليفعلن مثلي، غير أن المعلمة أسرعت لتصحح لهن المعلومة بأني فقط من عليها المغادرة. ورغم حداثة سني توقفت عند غرابة الأمر «لماذا أنا فقط؟» فعادة ما نتوجه جماعة عندما يتم دمج فصلين في حصة. ولذا توجهت إلى مكان بعيد تمكنت منه من مراقبة فصلي،

فاتضح لي أن مديرة المدرسة ومعها ضيفة كانت في زيارة خاصة لها! لا أنسى هذا الأمر إطلاقاً رغم أني كنت لا أزال في الصف الثالث الابتدائي، ورغم حداثة سني أدركت سريعاً أن المعلمة لم ترغب بوجود أضعف طالبة لديها أثناء زيارة المديرة وضيفتها! أتذكر كل تفاصيل ذلك النهار، وكيف أني بقيت بعيدة أراقب الفصل حتى بعد انقضاء الزيارة الخاصة وانتهاء الحصة التي تبعتها، ومن ثم اليوم الدراسي بأكمله!

ينزعج بعض القريبين مني عندما أذكر هذه الحادثة القديمة، يتأثرون لأجلي ويدعونني لتجنب ذكرها في العلن، معتبرينها ندبة مؤلمة. لعلها كانت كذلك حتى اليوم الذي تجرأت وذكرتها في معرض حديث لي عن سيرتي المهنية في ملتقى عام؛ وقتها كنت ممنونة جداً لتلك المعلمة وما صنعته بي،

لقد حفزتني لاستكشاف مناطق لم أعهدها سابقاً. عندما اكتشفت صوتي الداخلي وسألت نفسي: «لماذا أنا وحدي؟» وعندما قررت أن «أتمرد» على طلبها لأفهم ماذا يحدث في فصلي! وعندما استنتجت أن ما حدث لي كان بسبب مستواي الذي يجب أن يكون أفضل من ذلك لكي لا يتم تهميشي فيما بعد أبداً. تمنحنا الندوب قوة غير معهودة، وتضيء لنا مساحات أكثر في أنفسنا، فنكتشف حقيقتنا بشكل أعمق.

أعانتني هذه التجربة لأقدِّر بشكل عظيم معلماتي ممن أدركن مواهبي الأخرى؛ لأولئك المعلمات اللاتي كن يصررن على دعوتي لإحضار الخريطة من غرفة المدرسين أو جهاز التسجيل أو أي وسيلة تعليمية أخرى – يعلمن بنات جيلي تماماً معنى هذه الحظوة التي كانت تخص بها المعلمات طالبات معينات، وعندما تعترض إحدى زميلاتي في الفصل بالقول: «لماذا هي فقط؟»

كانت إجابات معلماتي تتشابه بالقول: لأنها (حِركة ونبيهة) بمعنى أنها سريعة الحركة وتفهم المطلوب بلا تلكؤ. وهي ميزات لم أعرفها عن نفسي إلا منهن، فتمسكت واعتنيت بها جيداً، لتصبح أحد أسباب ما وصلت له في حياتي المهنية. تمر علينا تجارب كثيرة ومتنوعة بمستويات مختلفة؛ وتترك فينا بصمات بعضها يبقى وأغلبها يذهب مع أول رشة ماء، غير أن ما يفعله معلمونا فينا يبقى للعمر بأكمله.. فهل يعلمون ذلك!؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *