بقلم: السعد المنهالي
لبعض الكتب والأعمال الأدبية قدرات في هز وجدان قارئها، لا تلمس قلبه، بل تخدشه بكل قسوة ثم تربت عليه بهدوء لكي يستمر في العمل. أعمال تخبرك أنك لست مدركاً لكل خرائط ذاتك كما تعتقد، بل أنت في تيه كبير، وقد يكون إدراكك لهذا التيه بداية جديدة لمعرفة طريق مختلف عن نفسك، وذلك عندما تناقش واقعك وتنفض ذاتك.
رواية “خرائط التيه” للكاتبة بثينة العيسى من ذلك النوع الذي يخبرنا بكل صلف أن كل ما نعتقده دليلاً ما هو إلا أداة لضياعنا، في عالم ليس كما نعتقد ونجزم، حتى في علاقاتنا مع الله هناك ما لا ندركه وإن كنا نجزم بعكس ذلك، تبقى التجربة التي تفرضها الظروف هي المحك الوحيد لاختبار القناعات التي نعتقد أنها راسخة في الوجدان.
في رواية “خرائط التيه” يتعرض الجميع للاختبار، وكل يختار الطريق الذي يرغبه، مع التأكيد أن كل الشخوص في العمل توافرت لهم فرصاً فاختار كل منهم بإرادته الطريق الذي يسلكه، وفي هذا الطرح يتجلى البرهان على كوننا مخيرين ضمن مسيرة محددة منذ الأزل!
ذلك النوع من الطرح الذي يثير فينا أسئلة عن ذواتنا وعن علاقاتنا ببعضها ومن يعيش في محيطنا، وعن علاقتنا بالله، وهو ما تزخر به الرواية التي وددت لو أكتب أكثر عنها لغزارة وعمق وتركيز ما يطرح فيها من قضايا حقيقية نعيشها في عالمنا، غير أن رغبتي أشد في أن تنال هذه الرواية ما تستحقه من مكانة لدى القارئ العربي، فما ما تقدمه خرائط الترشيحات لأفضل الأعمال العربية الروائية إنما هو التيه الفعلي بعيداً عن قضاياه الحقيقية التي تؤرق واقعه.