(حلق شعر رأسه وصبغ لحيته باللون الوردي، ليقوم لاحقاً بإطلاق هاشتاغ عبر تويتر باسم زوجته، داعياً المغردين للدعاء لها).
سامر كردي شاب سعودي حلق شعر رأسه وصبغ لحيته بالزهري تضامنا مع زوجته التي بدأت العلاج بالكيماوي٬ وسجل هذه اللحظات بفيديو بثه عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان “سوبر ديما”٬ أحدثت مبادرة كردي والهاشتاغ المصحوب بصورة لحيته المصبوغة بالوردي ضجة كبيرة على تويتر، ولاقت الحملة تعاطفا كبيرا من رواد الأعمال وأصحاب المبادرات الإنسانية٬ بل وتعاطف عدد منهم بصبغ لحاهم بالزهري أيضا ، ونشروا صورهم تضامناً معه وزوجته.
وكما أن هناك من يساند٬ هناك أيضا من يتخلى٬ لكن هذا التحدي الذي يعتبر الأصعب لمفاهيم الرجل الشرقي٬ وضعنا أمام السؤال: هل هذه الوسائل من المساندة والدعم المعنوي تتناقض مع السلوك الصحيح؛ نستعرض لكم وجهات النظر وردود الأفعال.
فكرة بسيطة تحولت لحملة
يقول كردي إنه قصد من أفعاله وإطلاق الوسم دعوة أقاربه وأصدقائه لدعم زوجته “ديما” المصابة بالسرطان، وكذلك أراد تقديم الدعم لابنتيه كونهما ما زلاً صغاراً، مؤكداً أنه فوجئ بالاستجابة الكبيرة.
ويضيف : كانت فكرة بسيطة للتخفيف عن “ديما” وعن البنتين اللتان تألما كثيرا من خبر إصابة والدتهما بمرض السرطان٬ وما كان مني إلا إني دعوت بعض الأصدقاء لمكتبي ، وحلقت شعري “زيرو” وصبغت لحيتي باللون الزهري المتعارف عليه عالميا أنه إشارة لدعم محاربات سرطان الثدي٬ لكني تفاجأت بمشاركة كثير من الزملاء وأبنائهم في شكل من أشكال المساندة والدعم٬ وبدلا من تبادل الفيديو بين الأهل والأصدقاء انتشر بشكل كبير وأصبح الآن حملة ” سوبر ديما”٬ وتحول إلى رمز ليس لـ “ديما” فقط التي تصارع السرطان الذي عاودها أكثر من مرة٬ لكن لكل امرأة “محاربة” لهذا المرض.
أسئلة “آسيا وماريا”
ويشير كردي إلى أن ابنتيه “آسيا وماريا” 9و10سنوات لا تستوعبان حقيقة ما تمر به الأم من مرض ومعاناة٬ إلا أن فترات غيابها عن البيت وبقائها في المستشفى أصبحت مثار فضولهما واسئلتهما التي لا تنقطع٬ لذلك قرر مساندة زوجته ٬ التي ازدادت حالتها النفسية ضعفا ، خاصة بعدما عاودها المرض مجدداً، واختار السوشيل ميديا باعتبارها وسيلة العصر الحالي، رغم أن زوجته لا تملك حسابا على تويتر٬ وبالكاد تتابع حساب العائلة على تطبيق الواتس آب.
الصديق وقت الضيق
المهندس حلمي نتو أحد المشاركين والداعمين للحملة٬ يقول: لم تكن حملة أو مبادرة٬ كانت مساندة لصديق يحاول دعم زوجته المريضة٬ والحقيقة أن سامر كان يشعر أنه لا يوجد في يده شيء٬ وبسبب وفاة أختها ووالدها وعماتها في فترة قصيرة٬ كانت كلها عوامل اجهاد نفسي٬ لأن المؤشرات الطبية ليست في صالح “ديما”٬ لكن الأمل في الله٬ وكان سامر يريد أن يقدم دعما لبناته آسيا وماريا٬ لأن الأمر كان شديد الصعوبة عليهما٬ خاصة وأنهما لا يستوعبان الأحداث وسبب تساقط شعر أمهما٬ فحلق شعره وأرسل لنا نحن أصدقائه المقربين.
ويردف : « سامر كان يحاول أن يقدم أي شيء لمساندة زوجته»٬ وأعتقد أنه لا يوجد إنسان في العالم لا يقبل مساندة الآخرين له٬ خاصة في أوقات الشدائد ومنها المرض؛٬ لأن الإنسان في هذه اللحظات لا يرى إلا الظلام٬ وعلى من حوله أن يكونوا هم النور الذي يضيء٬ فالمساندة مطلوبة وكما ذكر في القرآن عن نبي الله موسى :” هارون أخي أشدد به أزري” إذن فالمساندة وشد الأزر أمر عظيم.
حلمي نتو: لا تستهينوا بأعمال تبدو بسيطة.. لكنها عظيمة الأثر
* 2 مليون متابع في 24 ساعة
ويؤكد نتو على أهمية ودور وسائل التواصل الاجتماعي في مثل هذه الحالات ٬ قائلاً: أكيد كان للحملة رد فعل قوي على ديما خاصة مع تدشينها حساباً في تويتر ، لترى بنفسها كم الأدعية التي تصلها يوميا ومن كل أنحاء العالم ، وليس من المملكة فقط٬ ومدى التضامن والتعاطف الذي دعمها نفسيا، مما يوضح قوة السوشيل ميديا التي غيرت مفاهيم وكسرت معتقدات قديمة٬ فهي من أكبر إنجازات عصرنا الحديث بإيجابياتها وسلبياتها٬ وحملة “سوبر ديما” حصدت أكثر من 2 مليون متابع في 24 ساعة٬ ولم يكن التعاطف العربي مع آلام الآخرين هو المحرك فقط، لكن أيضا كونها شابة وأم٬ والحمد لله كانت ردود الأفعال إيجابية والأدعية قوية وصادقة من ناس لا يعرفون ديما أو أسرتها.
اللحى الوردية
أما اللون الزهري أو الوردي الذي اعتمده المشاركون في الحملة٬ والذي أثار تعليقات كثيرة بل وسخرية البعض للأسف٬ يوضح نتو : اللون الزهري أمر متعارف عليه لمحاربات السرطان٬ وفي الغرب أصبح مجرد دبوس صغير يحمل الشعار الزهري يمثل أكبر دعم لمحاربات السرطان، ومصدرا للتساؤل والتوعية بأهمية الوقاية أو الدعم والتبرع ، وتقديم كل المتاح ليظل المرضى بكامل صحتهم ورونقهم “، ويعترف نتو :”نعم تعرضنا لمضايقات ، لكنها لم تؤثر علينا أبدا في مقابل الايجابيات التي حصلنا عليها.
التخلي في وقت الشدة
سامر كردي: حاولت التخفيف عن زوجتي وردود الأفعال غير متوقعة
وعلى جانب آخر من المشهد هناك من يقفز من القارب تاركا من يغرق ليواجه مصيره بمفرده٬ وأحيانا تأتي الضربات من امرأة ضد امرأة أخرى٬ فما أن علمت شقيقات أبو فيصل أن زوجته مصابة بسرطان الثدي، حتى بدأت الضغوط العائلية تنهال عليه لتزويجه بامرأة أخرى، على اعتبار أن زوجته لن تعود يوماً كما كانت، وأن مجرد إصابتها بالمرض يعني “تجرّدها من أنوثتها”.
رحلة 15عاما
يقول أبو فيصل : “مضى على اكتشاف إصابة زوجتي بسرطان الثدي نحو 15 عاماً، حينذاك كانت الأمور تختلف عن اليوم، فالوعي بطبيعة المرض كان شبه معدوم وفرص النجاة كانت قليلة جداً، كان الأمر صدمة كبيرة، وكان قلقي الأكبر على فرص نجاة زوجتي وشفائها، تكتّمنا على الموضوع، ولم نشأ أن يعلم به أحد من المحيطين بنا، خضعت زوجتي لعملية جراحية تم على إثرها استئصال أحد ثدييها، وخضعت للعلاج الكيماوي”.
ويتابع: “خلال فترة العلاج الكيماوي، علمت عائلتي بمرض زوجتي وكانت ردود أفعالهم صادمة، فبدلاً من تشجيعي على رعايتها، كانوا يضغطون عليَ للزواج بأخرى خصوصاً أن زوجتي باتت فاقدة لأنوثتها برأيهم”.
مودة ورحمة
يقول المستشار الاجتماعي الدكتور خالد بن سعود الحليبي المدير التنفيذي لمركز بيت الخبرة للاستشارات الاجتماعية: «الموضوع لا شك أنه مهم اجتماعيا ونفسيا٬ ويفتح المجال للسؤال العكسي من الطرف الآخر٬ ماذا عن مساندة الزوجة لزوجها في الأوقات العصيبة٬»٬ ويستكمل :”من خلال عملي في الاستشارات الأسرية وجدت أن الوفاء هو الأصل٬ بحيث يقف طرف مع الآخر صاحب المعاناة أو المحنة٬ سواء الزوج مع زوجته أو العكس٬ خاصة في المرض أو الانكسار المالي كما حدث في انهيار الأسهم قبل سنوات٬ ومن يراجع قول الله عز وجل {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة} فالمودة هي الحب الدائم المستمر٬ الذي لا يتوقف عند حد معين٬ وليس مشروطا٬ بالصحة وقدرة الزوجة على خدمة زوجها وبيتها وتأدية الواجبات٬ لكن ينبغي أن أحبها لو تعثرت أو مرضت والعكس صحيح٬ والرحمة جاءت من أجل هذه الانكسارات التي تحدث للإنسان٬ وليس المرأة فقط التي تحتاج إلى الرحمة من زوجها٬ ولكن الزوج أيضا يحتاج إلى هذه الرحمة٬ فلو تعرض لمرض أقعده٬ أو كان غنيا وتعرض لانكسار مالي٬ مطلوب من الزوجة أن تسانده”.
حالات شاذة
ويوضح : حقيقة مرت عليَ حالات اعتبرها شاذة٬ من بعض النساء اللاتي طلبن الطلاق من أزواجهن٬ لكنها حالات معدودة٬ وأيضا مرت علينا حالات لأزواج صبروا وترفقوا بزوجاتهم في حالات أمراض عضال٬ وصبروا وثابروا٬ حتى بعد وفاتهن وفاء لهن.
د. خالد الحليبي: «الوفاء» قيمة متبادلة والزوج يحتاج إلى المودة والرحمة أيضا
التعاطف و العطف
ويقول الحليبي بأنه من المهم التعبير عن التعاطف٬ وهو مختلف عن العطف٬ فالأسوياء لا يقبلون العطف إنما يريدون التعاطف٬ فالعطف مرادف للضعف والمن٬ والتعاطف هو التضامن والشعور بما يؤلم الآخر أو يحزنه.
ويختتم المستشار الاجتماعي بأنه من منطلق ممارسته للاستماع إلى مشاكل الناس لأكثر من 15عاما٬ يرى أن الايجابية موجودة وبقوة٬ وعلينا أن نعززها٬ وأن نعالج ما يعتري بعض النفوس من خلل٬ قد لا ندرك حقيقته بطريقة صحيحة ، إلا بالاستماع إلى كلا الطرفين في وقت واحد.