المشاهير

عبدالله خميس «موسوعة الجزيرة» وقائد الحملات الصحافية الجريئة

بقلم– رانيا الوجيه
عبدالله بن محمد بن خميس، بكل سنوات عمره التسعين عشق أرضه، فكان ذاكرة التاريخ لوطن ينبض بالحب، هو الأديب والشاعر والناقد والباحثً ، ورمزًا ثقافيًّا ورائدًا من رواد الصحافة في الجزيرة العربية، حقق سلسلة من النجاحات في المهام التي أوكلت إليه وتسلم إدارتها، تاركًا سفرًا خالدًا من المؤلفات والمعاجم تجاوزت الـ24، بالإضافة إلى مئات الأبحاث المختلفة التي غطت جوانب مختلفة في مجالات الأدب والثقافة والجغرافيا والتاريخ والشعر ، وكتابات جريئة تناولت قضايا النفط والمياه وعددًا من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتعددة، كما يعد أحد أدباء الجزيرة البارزين، وأحد باحثيها المعنيين بآدابها ومعالمها، مما جعله يستحق لقب “موسوعة الجزيرة” وقائد الحملات الصحافية الجريئة ، وغارس بذور اليقظة الاجتماعية والوطنية في السعودية.
الميلاد و الطفولة
ولد بن خميس في عام 1339 هـ – 1919 م في الافلاج، لكن في سن الطفولة انتقلت أسرته إلى الدرعية ، وغادر والده مع جده الدرعية إلى ضرما (40 كيلومترًا غرب الرياض) ، بعد تخريبها عام 1818م ، ليعود إلى بلدته الأصلية بعدما عادت الأمور إلى مجاريها.
نظم الشعر صغيراً
تعلم في الدرعية مبادئ القراءة والكتابة، ولازم والده الذي كان على جانب لابأس به من العلم ، خصوصا في التاريخ والأدب الحديث ، ورغم أن والده كان يعمل في النخيل، وكان الابن يساعده، لكن لم تشغله المزرعة عن الاستفادة من والده، فقرأ كثيراً من كتب التاريخ والأدب والشريعة، وحفظ أجزاءً من كتاب الله الكريم، ثم أدركته حرفة الأدب ، فأنكب على دراسة أمهات كتبه ، وبدء ينظم الشعر يشدو به، وهو لم يتجاوز الـ 15 من عمره وكانت هذه دراسته الأولى التي تلقاها.
التتلمذ على مشايخ الأزهر
و في عام 1364 هـ – 1944 م ، حينما أنشئت مدرسة دار التوحيد بالطائف التحق بها ، فبرز في العلوم التي سبق له دراستها، وشارك مشاركة جيدة في العلوم الأخرى ، لذلك كان رئيس النادي الأدبي في دار التوحيد مدة دراسته بها، وبعدما نال شهادة الدار الثانوية عام 1369 هـ – 1949 م ، التحق بكليتي الشريعة واللغة بمكة المكرمة, وبرز نشاطه الأدبي شعرا ونثرا على صفحات الصحف والمجلات ولمع اسمه، وتتلمذ على أيدي الكثير من المشائخ من أبرزهم ؛ عبد الله الخليفي وعبد الله المسعري ومناع القطان ومحمد متولي الشعراوي ، وغيرهم من علماء الأزهر الذين درسوا في دار التوحيد وفي كليتي الشريعة واللغة بمكة المكرمة، ونال شهادة من الكليتين في عام 1373 هـ – 1953 م.
مشوار مهني متنوع
عين بن خميس في عام 1373 هـ – 1953 مديرا لمعهد الإحساء العلمي ، فأبدى نشاطاً علميا وأدبيا وإداريا كبيراً، وفي عام 1375 هـ – 1955 م عين مديرا لكليتي الشريعة واللغة بالرياض، وفي عام 1376 هـ – 1956م مديرا عاما لرئاسة القضاء بالمملكة ، وفي عام 1381 هـ – 1961 م صدر مرسوم ملكي بتعيينه وكيلا لوزارة المواصلات ، وفي عام 1386 هـ – 1966 م عين رئيسا لمصلحة المياه بالرياض، كما كان عضو في مجمعات اللغة العربية بدمشق والقاهرة والعراق ، وهو أول رئيس للنادي الأدبي بالرياض ، وأيضا حصل على منصب نائب للأمير سلمان بن عبد العزيز في اللجنة الشعبية لرعاية أسر ومجاهدي فلسطين في ذلك الوقت.
ثماره في الأدب و الصحافة
وضع عبدالله بن محمد بن خميس بصمات واضحة وجهود مقدرة في خدمة جغرافية وتاريخ وصحافة بلاده، وسجل حضوراً كبيراً بوصفه أديبا وشاعرا تفيض أعماله بالأصالة وحب الوطن، وكان ناقدا وباحثا ورمزًا ثقافيًّا ورائدًا من رواد الصحافة في الجزيرة العربية؛ فهو من مؤسسي الصحافة في المملكة ، وفي نجد على وجه الخصوص, وبلغ عشقه للأدب والصحافة أنه قدم في عام 1972طلبا لإحالته للتقاعد ؛ كي يتفرغ للبحث والتأليف والكتابة ، وأسس نادي الرياض الأدبي وكان أول من ترأسه عام 1975، وبجانب عضويته بمجمعات اللغة العربية بعدد من الدول العربية، كان عضواً بمجلس الإعلام الأعلى ومجالس إدارات؛ دارة الملك عبدالعزيز والمجلة العربية وجمعية البر بالرياض ومؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، حيث أصدر في عام 1379 هـ – 1959 م مجلة الجزيرة ، التي تحولت بعد ذلك إلى جريدة يومية.
تأسيس”الجزيرة”
في كتاب “سيرة الشيخ عبدالله بن خميس وجهوده في المجالات الإعلامية والثقافية والأدبية” للدكتور عبدالرحمن الشبيلي؛ أشار إلى أن المنطقة الوسطى في السعودية ستظل تعترف بفضل جهود عبدالله بن خميس في نشأة الصحافة والطباعة فيها، حيث أصدر المطبوعة الصحافية الأهلية الثانية بالمنطقة ، وهي مجلة “الجزيرة” الشهرية الأدبية الاجتماعية، التي ظهر عددها الأول في نيسان/أبريل 1960، وكان هو رئيس تحريرها ، وبرزت جهود عبدالله بن خميس الإعلامية في كتاباته المبكرة، وإصداره مجلة “هجر” في الأحساء، ومع انتقاله إلى عمله الجديد وكيلاً لوزارة المواصلات، أسند إدارة التحرير وسكرتاريته إلى بعض تلاميذه الصحافيين، مكتفيًا بالإشراف العام عليها بوصفه صاحب الامتياز ومستمرًا في كتابة افتتاحيتها.
منهاجه الصحافي
وللشيخ بن خميس رأي في الصحافة وما ينبغي أن يكون عليه منهاجها، أبداه في أول كتبه “شهر في دمشق” عام 1955، هو رأي طرحه قبل أن يبدأ ممارسة العمل الصحافي ، حيث حدد الخط الأمثل للصحافة بقوله: «إن الصحافة التي لا تتسم بالرزانة، والتثبت مما تنشره، وبالاستقلال الذاتي وعدم الخضوع للمؤثرات الخاصة والأغراض والأنانيات والنعرة الطائفية، صحافة لا تليق بالحياة ولا تستحق الوجود».
جولات داخلية وخارجية
أثرى بن خميس المكتبة العربية بعشرات الكتب في الأدب والشعر والنقد والتراث والرحلات، وصال وجال في الصحافة والمنتديات والمؤتمرات والمحاضرات داخل المملكة وخارجها، وأيضا له العديد من المشاركات الإذاعية والتلفزيونية ، منها برنامجه الإذاعي (من القائل) ، الذي أستمر 4 سنوات ، وكان الشعر من أهم الجوانب في حياته الاجتماعية ؛ فينظم الشعر في أغلب المناسبات الوطنية والعربية والإسلامية ، وكانت المساجلات الشعرية والإسلاميات والفلسطينيات وشعر الطبيعة والمراثي ؛ من أهم موضوعات قصائده الشعرية، ولأدب الرحلات في حياة عبد الله بن خميس وضع وموقع مهم ، وقد قام برحلات في شبه الجزيرة العربية كاملة ، مما يجعلنا نجزم :(أنه لا يوجد شبرا في الجزيرة العربية لم تطأه قدم عبد الله بن خميس)، بالإضافة إلى زيارته معظم البلاد العربية من المحيط إلى الخليج ، وأيضا رحلاته لبعض البلدان في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية.
جوائز و أوسمة
حصل بن خميس على عدة جوائز وأوسمة تقديرًا لإسهاماته الكبرى على كافة الأصعدة، لعل أبرزها أنه كان أول من حصل على جائزة الدولة التقديرية للأدب عام 1982 ، ونال وشاح الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى ، مكرماً كشخصية ثقافية في مهرجان الجنادرية عام 2002 ، وكرمه الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران بوسام الشرف الفرنسي من درجة فارس، ووسام الثقافة التونسي الذي منحه إياه الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، وقد مثل السعودية في عدة مؤتمرات أدبية وعلمية، وحصل على وسام تكريم وميدالية من مجلس التعاون الخليجي في مسقط عام 1410 هـ – 1989 م. ، وحصل على وشاح فتح وميدالية من منظمة التحرير الفلسطينية، ونال شهادة تكريم من أمير دولة البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بمناسبة الاحتفاء برواد العمل الاجتماعي من دول الخليجعام 1407هـ – 1987م.
قالوا عنه
قال الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، الباحث والمؤلف المعروف ، إنه من المؤكد أن عبدالله بن خميس كان سعيدًا ، وهو يرى الجريدة السعودية الأم “أم القرى” ، تنشر إنتاجه الشعري المبكر، وهو لا يزال دون الثلاثين من العمر، طالبًا في “دار التوحيد” بالطائف، وأن يحظى وزميله الطالب عثمان بن إبراهيم الحقيل بالسلام على الملك عبدالعزيز، رحمه الله، سنة 1367هـ، وأن يلقيا في حضرته قصيدتين بهذه المناسبة، والمعتقد أن تلك القصائد كانت أول تجربة لنشر إنتاجه الفكري .
وفاته
توفي في يوم الأربعاء 15 جمادى الآخرة 1432 هـ الموافق 18 أيار/مايو 2011 ، بعد حياة حافلة بالعلم والعطاء، وسيظل ما كتبه الشاعر والمؤرخ عبدالله بن خميس رحمه الله ، يتردّد في أرجاء بلاده والعالم اليوم وغدًا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *