الحوار

اللايف كوتشينج نسرين فودة

مدرب الحياة ضرورة للقضاء على العنف الأسري

حوار – أميمة الفردان
تصوير – خالد مرضاح
نسرين فودة لايف كوتشينج أو مدربة حياة؛ في المرة الأولى التي التقيتها فيها لم أكن أعرف عن مهنتها الشيء الكثير، ومن خلال مجالستي لها، تبادرت لذهني أسئلة: ماذا يعني أن تكون مدرب حياة؟ ولماذا؟ وهل تحتاج الحياة لتدريب؟؛ تلك الأسئلة وغيرها كثير طرحتها عليها في الحوار، والذي اعتبرته بيني وبين نفسي جزء من جلسة تدريب، حاولت أن أتعرف خلالها على معنى ومنحى آخر للحياة التي نعيشها بشكل يومي؛ دون أن نحيا كثير من جوانبها.. ولازلنا نجهل عنها الكثير.. إلى الحوار.
خدمة اجتماعية!
قبل أن أبادر نسرين فودة بسؤالي البديهي عن ماهية اللايف كوتشينج؛ لفتني هيئتها ذات التكوين الصغير، فيما أعادني لأرض الواقع صوتها الحازم ونبراته الواضحة، التي تنم عن تركيز عال ووضوح في الرؤية، عندها فقط سألتها: ماذا يعني لايف كوتشينج؟
أجابتني بكل هدوء: اللايف كوتشينج خدمة اجتماعية؛ تسير في خط مُتَوَازٍ مع تلك التي يقدمها الأخصائي النفسي، إلا أنها لا تتقاطع مع مهنة الأخصائي النفسي ولا تشترك معه سوى في “المساعدة” بشكل عام، وتختلف في جوهر تلك المساعدة، وتقوم مهنة التدريب على الحياة تحت مظلة ميثاق مهني معترف به دوليًا ومحليًا.
تحديد المشاكل والأهداف
ولأن الخلط يبدو كبيرًا في العقل الجمعي لمجتمعنا السعودي بين مدرب الحياة والطبيب النفسي ناهيك عن الأخصائي النفسي؛ سألتها عن الدور المهني الذي يلعبه مدرب الحياة، فأوضحت قائلة: من الأمور المهمة التي يجب معرفتها أن مدرب الحياة، يمكن أن يكون خطوة مهمة في توجيه العميل للتوجه للطبيب أو الأخصائي النفسي؛ لأن مدرب الحياة مهمته الأساسية تنحصر في تحديد المشكلة، وليس وضع الحلول، ناهيك عن كونه يقوم بمساعدة العميل في تحديد الهدف أو مجموعة الأهداف التي يجد العميل صعوبة في تحديدها؛ بالتالي مدرب الحياة شخص مهمته مساعدة الآخرين لتسليط الضوء على المشكلة وتحديد أبعادها، ومساعدتهم على إيجاد الحلول لأنفسهم وليس وضعها للعميل.
الإنصات والاستماع
وتؤكد على أن عمل مدرب الحياة يقوم بالأساس على الإنصات، ورسم مسارات للعميل فيما يخص المشكلة الواقع فيها، وتوضيح الرؤية في كيفية التعامل مع الحياة بالدرجة الأولى بشكل عام.
ولفتت إلى أنه يمكن لمدرب الحياة تحسس علامات المرض النفسي من خلال اللقاء الأول؛ الأمر الذي يساعد كثيرًا في تجنب الدخول فعليًا في متاهات الأمراض النفسية، وهو ما يجعلها تركز كثيرًا على أهمية التنسيق بين ما يقومون به كمدربي حياة، وبين العاملين في الطب النفسي وعمل الأخصائيين. وأبانت أنّ من أهم مهارات مدرب الحياة الإنصات وليس الاستماع؛ كون الإنصات يتطلب تركيز أعلى وفهم عميق للخريطة النفسية والذهنية للعميل، الأمر الذي يتطلب من المدرب الدخول في عدة اختبارات من خلال بوابة الكلية التقنية العالمية، والتي توازي معاييرها المعايير الدولية، ناهيك عن التقييم الذي يخضع له المدربين.
1000 مدرب معتمد
وأوضحت فودة أن مجالات التدريب في السعودية، والتي يقع تحت مظلتها 1000 مدرب حياة معتمدين في المجال العام، دون وجود تخصصات دقيقة، والتي تعتمد على معرفة المدرب نفسه بإمكانياته وقدراته المهارية في مجال معين؛ وهو أمر مرهون برغبة المتدرب أولًا ثم تقييم المدربين.
وتضيف أن التدريب على الحياة يندرج في قائمة العلوم الجديدة، ويعتبر أيضًا مهنة حديثة في السوق السعودية، ويقع تحت مظلته 6 مستويات حياتية تعتبر الأساسية، وتشكل عوائق لكثير من الناس وهي؛ العاطفي والمهني والمادي والتعليمي والأسري والعلمي.
هل أنت بحاجة لمدرب حياة؟
الحاجة لمدرب حياة، تتعلق بحسب فودة بكلمة سحرية هي “المساعدة”، وتفصل: المساعدة التي نقدمها تنحصر في توضيح المشكلة ووضعها على طاولة العميل، ونترك له حرية التفكير في الحل بما يتناسب مع إمكانياته؛ سواء كانت مشاكل مادية أو أسرية أو عاطفية أو علمية، ومن جهة ثانية نقوم بتفنيد نقاط القوة والضعف وتفتيت المشكلة أمامه، وتعتمد جلسات اللايف كوتشينج على أدوات بسيطة،
قوامها تعبئة “بروفايل” خاص بالبيانات الشخصية، وتحديد الهدف الذي يرمي إليه العميل، في حين تنحصر المهارات في الإنصات والتفاعل مع العميل بلغة الجسد بشكل خاص، التي تجب فيها مراعاة شخصية العميل نفسه، إن كان شخص سمعي أو بصري أو حسي؛ ليكون التفاعل معه بناءً على هذا الأساس.

في المملكة 1000 مدرب حياة معتمدين في المجال العام

وتعتبر القدرة على قراءة الخريطة الذهنية والنفسية للعميل من المهارات الأساسية للكوتش الناجح؛ لأن التفاعل مع العميل بلغة الجسد يساهم لحد كبير في مساعدة العميل دون أن يشعر بذلك، وهذه مسألة مرهونة بقدرة المدرب على الحضور الذهني أثناء لقاء العميل.
أيضًا تأتي المرونة في اختيار مكان اللقاء مع العميل من الأمور التي تساهم في شعور العميل بالإرتياح للمدرب وسهولة التحدث إليه. يأتي بعد ذلك دور خطة العمل التي يعمل عليها المدرب، وتنقسم إلى 3 مراحل بناءً على هدف العميل؛ الذي وصفته فودة بقولها: هناك 3 تقسيمات للأهداف وهي الهدف الغاية وهو النهائي للعميل؛ والذي يتم تفصيله حسب الجلسات إلى هدفين أحدهما مرحلي وآخر هو الهدف من الجلسة.
وفيما إذا كانت هذه الأهداف تعتبر أساسية مع كل العملاء، قالت: وضع الأهداف يتم بناءً على مشكلة العميل نفسها، إذا كان بحاجة لجلسات متعددة؛ يتم حينها وضع خطة تعتمد المراحل الثلاث، فيما إذا كان الموضوع رهن جلسة واحدة؛ يتم اعتماد هدف الجلسة كغاية، وغالبًا يضع المدرب نسبة مئوية مقدرة لما يمكن تحقيقه خلال الجلسة وبعد الإنتهاء؛
وهو فارق زمني يعتمد على قراءة المدرب لما يمكن أن يحققه العميل للوصول لغايته. وتأتي لغة الحوار مع العميل مقسومة بين خطوط أساسية وأخرى يعتمد عليها مسار الجلسة، لكن هناك غالبًا نماذج أساسية تتمحور حول الهدف والمساعدات والبدائل، وتحديد نسبة تحقيق الهدف.
وبعيدًا عن كون المهنة عمل إنساني بالدرجة الأولى كما قالت فودة؛ إلا أن هناك أعرافًا معمول بها في منظومة مدربي الحياة بالسعودية، يتم من خلالها تحديد أسعار الجلسة الواحدة أو مجموع الجلسات ولا يتم تجاوزها.
الرجال أم النساء؟
السعوديون أم السعوديات.. من الأكثر لجوءًا لمدرب حياة؟، تقول المدربة نسرين فودة إنه من خلال التعامل مع العملاء أغلب المشكلات تنحصر في مجالي الأسري والعاطفي، والفئة العمرية في نطاق الأربعينات أكثر من يبدون حاجة لمدرب الحياة، بالإضافة لفئة بسيطة من أعمار العشرينات، وترجع سبب احتياج شريحة عمر الأربعينات لمدرب حياة إلى التربية التي تلقاها جيل السبعينات؛
من خلط المفاهيم وازدواجية البعض الآخر وقلة الوعي المعرفي وانعدام التنوع في مصادر المعلومات، تسبب كل ذلك في كثير من العوائق وخلف مشكلات كبيرة، لكن في المقابل مع زيادة الوعي عند هذه الفئة والانفتاح الثقافي؛ جعلت كثير منهم يلجأ لمدرب الحياة، وبحسب تعبيرها :”لازالت لديهم فرصة ويمكنهم اللحاق بما فاتهم”.

المؤسسات والشركات والمدارس تحتاج مدرب الحياة لتنمية الموارد البشرية

من ناحية أخرى، قالت فودة : أغلب العملاء رجال، والمرأة التي تلجأ إلى مدرب حياة عادة يكون عادة المدرب رجلًا، لكن وضمن منظومة التدريب يكون لنا نصيب أن تدرب المرأة امرأة مثلها؛ كون ذلك يدخل في التقييم واجتياز عدد ساعات التدريب، أو ما يمكن تسميته بالتدريب العملي لتقييم المهارات والقدرات، وأشارت ضاحكة: وفقًا للفطرة.. العميل الرجل دائمًا يثق في المرأة كونها تمتلك قدرة على الإنصات؛ والعكس صحيح المرأة تكون ثقتها أكبر في الرجل.
وحاجة المؤسسات
وهل تحتاج المؤسسات لمدرب حياة؟، تنوه فودة إلى أن حاجة المؤسسات والشركات لمدرب الحياة؛ تنحصر فيما يتعلق بمجالات التنمية البشرية، ويتماشى بالتوازي مع الموارد البشرية؛ باعتبارها عنصر أساسي لقيام أي منشأة اقتصادية، وهي مشكلة تواجهها كثير من القطاعات، وهنا يأتي توجه الشركات للتعاون مع مدرب الحياة؛ فيما يخص توجيه الموظفين لتحديد قدراتهم وبالتالي إمكانية توظيفها فيما يعود بالنفع لهذه الشركات، وهذه من المهام التي تنبهت لها الشركات في الدول الأخرى، وبدأت فعليًا لتحقيق تلك الفائدة.
عوائق وصعوبات
عندما سألتها عن العوائق والصعوبات التي تواجه مدرب الحياة، وبمجرد أن ذكرت كلمة “عوائق” وجدتها تتحدث بأثر رجعي عما حدث منذ شهرين؛ حينما تم إيقاف اعتماد الشهادات؛ بسبب عدم التنسيق مع وزارة الصحة والخلط بين الطب النفسي وعمل الأخصائي النفسي واللايف كوتشينج، لكن تم الرجوع عن القرار وعمل تقنين لمنح الشهادات.
وعند طرح تساؤل حول دورهم كمدربين في نشر وزيادة وعي المجتمع بأهمية مدرب الحياة، قالت: نحاول من خلال السوشيال ميديا توعية المجتمع بأهمية مدرب الحياة في زيادة الوعي المعرفي لكل فرد بنفسه؛ الأمر الذي يعمل على تقليل حجم الخسائر على مستوى الوقت والجهد والدراسة، في أمور لا تتفق مع قدرات ومهارات الشخص؛ وبالتالي تحديد الميول على المدى البعيد.
مدرب بالمدارس
وحول ما إذا كان من المفيد إدراج مدرب الحياة في المدارس؛ لتسليط الضوء على تنمية المعرفة بالذات على المستوى الطلابي، دون أن يكون هناك خلط بينه وبين عمل المرشد الطلابي: أوضحت فودة: من الأمور المهمة جدًا، وعلى المستوى الشخصي عرضت الفكرة على إحدى المدارس ولاقت قبولًا، ولازالت قيد الدراسة.. آمل أن يتم تنفيذها مع بداية الموسم الدراسي الجديد.
رابطة اللايف كوتشينج
ووفقًا لفودة: رابطة اللايف كوتشينج يحاولون من خلالها تصميم برامج لكافة شرائح المجتمع، وما يتعلق بالمرأة والطفل خصوصًا منذ الصغر، ومحاولة تأهيل الشخص ليكوين مورد بشري مؤهل، وبالتالي يعملون على إزالة عبء المشاكل التي تواجهها الشركات والمؤسسات، ناهيك عن الأفراد وانعدام معرفتهم بما هم مؤهلين طبيعيًا له، واكتشاف المهارات والقدرات لتحديد مهنة المستقبل.
لابد من وجود تقنين لمهنة مدرب الحياة وإجازة شهادة لايف كوتشينج؛ حتى نبتعد عن الخلط بيننا وبين الأخصائيين النفسيين والطب النفسي.
رسالة أخيرة
تختتم نسرين فودة اللايف كوتشينج أو مدربة الحياة برسالة لجمعية حقوق الإنسان، على اعتبار أن كثير من المشكلات التي يأتيهم أصحابها هي نتاج مشاكل أسرية، وبالتالي في حال التفتت الجمعية لمدربي الحياة؛ وللدور الذي يمكن أن يقوموا به من خلالها، سيكون هناك انخفاض كبير في نسبة المشاكل الأسرية، وربما تغيب عن الواجهة صورة العنف الأسري في مجتمعنا إلى حد كبير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *