جمع الوزير علي بن حسن الشاعر الذي رحل عن عالمنا في 15 مايو الجاري، ووري جثمانه ثرى مدينة رسول الله؛ المدينة المنورة التي شهدت مولده في عام 1931، بين العمل العسكري والدبلوماسي والإعلامي والثقافي، وأثبت كفاءة كبيرة في كل الملفات التي تولاها، بحيت يمكن وصفه بأنه رجل المهام المتنوعة والنجاحات المتعددة، ساهم في إبراز مكانة المملكة دوليًا، وحقق نقلات نوعية في مجالات عديدة.
بداية عسكرية
بدأ علي بن حسن الشاعر حياته العملية في السلك العسكري؛ متدرجًا من إدارة قسم الطبوغرافيا في إدارة العمليات العسكرية، ثم قائدًا للمدرسة العسكرية الثانوية في المدينة المنورة، ومنها ينتقل ليصبح كبير معملي المدرسة العسكرية في مدينة الطائف، إلى قيادة كلية الملك عبد العزيز الحربية بالرياض.
مهام خارجية
ولأن الحياة تجارب عديدة وتحمل لنا دائمًا الكثير من المتغيرات؛ حملت للشاعر في حينه الانتقال من صرامة العمل العسكري لتحمله هذه المرة على أجنحة العمل الدبلوماسية العسكرية في دول عديدة؛ حيث عمل الشاعر على تأسيس الملحقية العسكرية في باكستان ولبنان والإشتراك في لجنة المتابعة العربية للأحداث في لبنان، ولم تقف رحلة الوزير الشاعر عند حدود الدبلوماسية العسكرية؛ بل أثبت نجاحًا كبيرًا فيما أوكل له من مهام، خصوصًا أبان أحداث لبنان؛ حملت له تقلد منصب سفير للسعودية في بيروت في الفترة من 1976-1982م. لتكون هذه بوابته للإنتقال للعمل الوزاري.
وزارة الإعلام
كفاءة الشاعر في إدارة العديد من الملفات المهمة، أهلته لتولي وزارة الإعلام عام 1982 لمدة 14 عامًا، قبل أن ينتقل للعمل مستشارًا في الديوان الملكي في عام 1996. ساهم الشاعر في النهوض بوزارة الثقافة والإعلام بشكل لافت وكبير في حينه؛ خصوصًا فيما يتعلق بنوعية البرامج التي كان يتم بثها، كما أوضح ذلك الإعلامي الكبير سبأ با هبري في أحد اللقاءات التلفزيونية؛ وتأتي أهم تلك الإنجازات في العمل على افتتاح القناة الثانية، التي كانت تبث باللغة الإنجليزية، وتقدم نوعية برامج ساهمت إلى حد كبير في زيادة الوعي بالواقع السعودي، ناهيك عن كون هذه القناة عملت لحد كبير على فتح حوار مع غير الناطقين بالعربية من العاملين في السعودية وغيرهم في ذلك الوقت.
عرّاب رحلة الأمير سلطان
عراب رحلة الأمير سلطان بن سلمان على متن مكوك الفضاء ديسكفري عام 1985
وكان الوزير الشاعر عرّاب رحلة الأمير سلطان بن سلمان على متن مكوك الفضاء ديسكفري؛ ليصبح بذلك أول رائد فضاء عربي مسلم في عام 1985، وتعود قصة الترشيح كما رواها الأمير سلطان والتي بدأت تنسج خيوطها مطلع عام 1982. عندما بدأ الأمير حياته العملية في وزارة الإعلام، حيث عُيِّن في الوزارة موظفًا على المرتبة السادسة أثناء وجود الدكتور محمد عبده يماني، واستمر في الوزارة موظفًا أثناء تعيين الشاعر وزيرًا لها، وأشار الأمير إلى أن الوزير الشاعر اختاره للعمل في قسم الاتصالات الدولية، بعدما عرف بتميُّزه في اللغة الإنجليزية من خلال دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة أن العمل كان يتطلّب التواصل مع الوكالات الإخبارية الدولية.
كما رشح الوزير علي الشاعر الأمير سلطان ليكون نائبًا لمدير لجنة الإعلام للوفد الرياضي السعودي المشارك في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 1984 في لوس أنجلوس، باعتبار أنه أصبحت لديه علاقات واسعة مع الإعلام الأمريكي من خلال عمله، حتى يتمكن من عكس مشاركة المملكة بشكل أكبر من الناحية الإعلامية.
ويقول الأمير سلطان حول ملابسات اختياره لرحلة الفضاء في كتابه “سبعة أيّام في الفضاء “، إنه بعد رفض الملك فهد الموافقة على ترشيحه، كتب له خطابًا عن طريق والده الملك سلمان بن عبد العزيز الذي كان وقتها أميرًا للرياض، يؤكد له فيه أنه سيشرف المملكة، غير أن الملك فهد من باب حرصه على سمعة البلد أراد أن يطمئن على أنه الرجل المناسب، ويعرف ذلك من خلال تحرياته بنفسه.
وأضاف الأمير:”بعد موافقة الملك فهد علمت أن شهادة مديري في العمل الوزير علي الشاعر عززت ذلك؛ فعندما سُئل عني أجاب بأن الأمير سلطان مسؤول ولن يغامر بسمعة البلد، وكلمات أخرى طيبة قدّرتها لمعاليه”.
وبينما كان الأمير سلطان يراوده منذ الصغر أن يكون طيارًا في القوات الجوية ولم يتحقق ذلك بعدما أصيب بمرض أقعده لمدة عام، ثم سفره إلى الولايات المتحدة للدراسة، زفّ إليه الوزير الشاعر المفاجأة السعيدة.
ويصف الأمير سلطان تلك اللحظات بقوله :”بعد العودة من رحلة الفضاء وأثناء استقبالي في مطار الطائف وعندما كنت أصافح المستقبلين، وجدت من بينهم الوزير علي الشاعر الذي همس في أذني بصدور موافقة الملك فهد بانضمامي للقوات الجوية طيارًا”.
مكانة المملكة
الشاعر نعاه الإعلاميون والمثقفون وعددوا مناقبه، منهم الإذاعية دلال عزيز ضياء التي عاصرت الراحل علي بن حسن الشاعر، قالت عنه :”كان حريصًا على إبراز مكانة المملكة في العالم العربي والإسلامي، وهو الخبير في هذا الشأن من واقع عمله السابق في السلكين العسكري والدبلوماسي؛ حيث تولى ملفات دقيقة في باكستان ثم في لبنان، في مرحلة كانت من أشد المراحل خطورة، ثم تولى وزارة الإعلام فعمل على إبراز دور المملكة وفاعليتها في المنطقة إقليميًا ودوليًا”.
نقلات نوعية
من جهته قال كبير المذيعين بالتلفزيون السعودي سابقًا غالب كامل إن الراحل كان قائدًا جادًا ومعلمًا على الصعيد العسكري وفي المجال الدبلوماسي، أما مسيرته الإعلامية فتميزت بنقلات نوعية واضحة تجسدت فيها معالم شخصيته الجادة العاشقة لهذا العمل الشاق، فأتعب معه من كان مثله في عشق العمل وحبه والإخلاص بأدائه، حيث كنا نتابع خطوات إعلامنا بكل عناية واهتمام، وأضاف: “رحم الله الوزير علي الشاعر ومن سبقه من القادة ورجال الإعلام”.