تحقيق

الكبار يحكون قصص «رمضان السموم»

بقلم- أميمة الفردان
لا يأتي رمضان إلا ويستحضر معه الجميع ذكريات تجعله يردد «رمضان زمان أحلى»!، جملة تستوقفك مع أجيال لا تعلم هل هو الحنين أم واقع الأيام التي نعيش ثقل مسئولياتها!؛ في كل الأحوال يظل الشهر شريط يعرض مشاهد رمضانية بعضها لازال على قيد الحياة، وأخرى اختفت مع أبطال ذلك الزمان؛ ولم يبق سوى رائحة الأيام تعطر تعاقب الشهر الفضيل كل عام.
نستعرض اليوم بعض تلك المشاهد الرمضانية ما بقي منها وما توارى. كما حدثنا عنها سيدات وسادة رمضانات زمان.
«رمضان السموم»
السيد حسين أمين علي شرد بذهنه وطيف ابتسامة عالقة على محياه وهو يتذكر «رمضان السموم»؛ كما أطلق عليه كناية لرمضان الذي كان وقتها يأتي في فصل الصيف، حسب الدورة الفلكية كما أوضح، يقول :»لم تكن الكهرباء قد وصلت لكل المنازل في ذلك الوقت، ولم تكن كثير من تلك البيوت تملك رفاهية المكيفات!، إلا قلة منهم؛ فكان نهار رمضان يمثل تحديًا حقيقيًا لصمود الصائمين، ومع ذلك كنا نعمل في النهار ولم نتأفف أو نشتكي، الحياة كانت بسيطة، وأحيانًا من شدة الحر نكاد نفقد وعينا، وكان الزير والمغراف الذي يعتلي الغطاء بمثابة جائزة كبرى؛ ما يجعلنا كلما اشتدت الحرارة نتحسس باطن الزير طلبًا للبرودة».
انقطاع الكهرباء
وفي السياق نفسه ورمضان السموم الذي لحق جيل آخر وهو جيل السبعينيات؛ وهو ما تحكيه السيدة سهام سقطي: «رغم وجود المكيفات، لكن بسبب الارتفاع الشديد للحرارة أثناء النهار، وكنا حينها أطفالًا نستيقظ على انقطاع الكهرباء؛ ولم يكن أمامنا خيار سوى أن نبلل الشراشف ونقوم بتغطية أنفسنا طلبًا للبرودة؛ لأن انقطاع الكهرباء كان يستمر لساعات ونحن صائمين! واحد من المشاهد التي كلما أتذكرها تنتابني هستيريا ضحك شديد، لكن لم يمنعنا ذلك من إكمال الصوم والاستمتاع بلحظات الإفطار مع العائلة».
العائلة الكبيرة
ما أن يأتي رمضان حتى تستعد البيوت لاستقبال ضيوف العائلة في الوقت الحالي؛ لكن قديمًا كان الأمر مختلف لم يكن هناك ضيوف كما هو الحال الآن، بل كان لا زال حيًا ما أطلقت عليه السيدة لطفية بن سعيد «الأسرة الكبيرة»، تقول: كنا على مدى الثلاثين يومًا مع بعض، كنا نسكن قريبين من بعض، تقريبًا في حارة واحدة الجد والجدة وأبنائهم وبناتهم والأحفاد، فلم يكن يكلف الأمر شيئًا أكثر من أن يجتمع الجميع على سفرة الجد، وبعد صلاة التراويح تبدأ ليالي السمر والأنس، غالبًا كان رجال العيلة يتسامرون في لعب البلوت، أما السيدات فكان الكيرم حاضر دائمًا، وأحيانًا يتقاسم الرجال اللعب معنا».
يا تلفزيون يا!
«دائما تحضر شاشة رمضان بشكل مختلف عن العادة؛ وهو ما جعل لرمضان موسيقى خاصة به؛ كلما استمعنا لها؛ غالبنا ذك الشعور بالفرحة والرحمة والرضى»؛ بهذه الكلمات بدأت مها حلواني حديثها وهي تستحضر موسيقى مسابقة رمضان للكبار؛ التي كانت إحدى علامات الشهر الفضيل التلفزيونية، موضحة أن التلفزيون كان له قيمة حقيقية بالنسبة لأطفال تلك المرحلة؛ بالتنوع الكبير الذي كان يحتويه، والذي لم يكن قاصرًا على كم كبير من المسلسلات، بل كان مسلسل واحد تجتمع عليه العائلة للكبار، وآخر للصغار في فترة ما قبل الإفطار، في حين تحتل الفوازير مكانًا مهمًا في اهتماماتنا، والتي كنا ولازلنا نحفظ الكثير من أغنياتها، والتي كان ينتجها بتخصص مركز تلفزيون المدينة المنورة، وكانت بالنسبة لنا متعة حقيقية، ناهيك عن مسابقة القرآن الكريم للكبار، والتي كانت معينًا لنا خلال الشهر الكريم للتنافس على تلاوته ومحاولة ختمه؛ ليس كما هو الحال الآن!
رمضان خاص لأهل مكة
أداء فريضة العمرة بعيدًا عن كونه طقس عبادي، إلا أن أهل مكة العالمين بشعابها، أضفوا على هذا الطقس لمسة اجتماعية؛ لا تجدها إلا عند سكان البيت وعشّاق جواره، ذلك الأمر تحكيه السيدة زبيدة مال تقول: «كنا عندما نريد أن نعتمر، نقوم بتجهيز فطورنا من السمبوسة والشوربة وتعبئة زمزم في جوالين، بالإضافة لمياه عادية للوضوء، ونذهب لمكان في مكة كان يسمى «الجعرانة»؛ وكان يعتبر ميقات لأهل مكة لأداء العمرة، تجد جميع سكان البيت الحرام في تلك البقعة على مدى أيام الشهر الفضيل، يفطرون هناك وبعدها يقومون بمناسك الإحرام، ومنها يتجهون للبيت الحرام لإتمام مناسك الطواف والسعي، ومن ثم العودة لمنازلهم.. كانت أيام حلوة».
أطفال «رمضانات السموم»
بعيدًا عن الشاشة الصغيرة وفوازيرها؛ يبدو أن المراجيح كانت حاضرة كما تقول الدكتورة فريدة أبو النور :»كنا في ذلك الوقت نحرص على أداء صلاة التراويح في البيوت، ليتسنى لنا الخروج لما كان يطلق عليه (الحوش) في كل الحارات المكية، التي كان يتم فيها نصب المراجيح الخشبية، وكنا ندفع ما قيمته نصف ريال لركوبها والطيران للسحاب! لمدة يقول المسؤول عنها إنها ربع ساعة، لكن الحقيقة أنه هو نفسه لم يحسب يومًا الدقائق؛ لأنه لم يكن يرتدي ساعة، فكان يأخذنا الوقت وكانت الربع ساعة تلك تنتهي بمجرد أن يتم إيقاف المرجيحة، من قبل من يلينا في الدور من البنات».
ولم تكن المرجيحة هي اللعبة الوحيدة التي كانت تلعبها البنات؛ بل لعبة «البربر»؛ كما أبانت أبو النور :»واحدة من أهم ألعاب رمضانات السموم، التي كانت تخط تراب الحارات القديمة، واختيار حصوات لا تؤذي كعلامة لكل لاعبة، والقفز على الأرض المتربة للوصول للنهاية، ليست هذه اللعبة فقط، بل أيضًا البرجون والكمكم والنيدو والفرفيرة والضومنا أو الدومينوز والسقطة؛ كلها ألعاب كانت تجمعنا ولا يمكن لعبها بمفردك كما هو حال الألعاب الآن! الحياة حينها في رمضان وفي غيره كانت قائمة على حس المشاركة والجماعة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *