كشفت دراسة أجرتها جمعية المودة لتنمية الأسرة بجدة عن “ارتفاع نسبة الطلاق قبل الدخلة”، إلى 45% في أوساط شباب تتراوح أعمارهم بين 21 إلى 30 عامًا، وأرجعت الدراسة 60% من حالات الطلاق إلى المغالاة في متطلبات الزواج وتدخلات وضغوط أسرة العروس، ، وبحسب الدراسة، احتلت منطقة مكة المكرمة المرتبة الأولى في حالات الزواج والطلاق بواقع 2753 عقد زواج و1445 صك طلاق، وجاءت الرياض في المركز الثاني بـ 2575 حالة زواج و914 حالة طلاق، واحتلت المنطقة الشرقية المرتبة الثالثة بـ 1674 حالة زواج يقابلها 662 حالة طلاق، فيما كانت منطقة الباحة الأقل بواقع 128 حالة زواج و75 حالة طلاق.
” اقرأ” استمعت إلى تجارب شخصية حول أسباب الطلاق المبكر وقبل الدخلة تحديدًا، واستطلعت آراء شباب وشابات عن صحة المعطيات الواردة بالدراسة، كما ناقشت مهتمين بالقضايا الأسرية والاجتماعية وكانت الردود والآراء كالتالي:
تجربة مختلفة
من واقع تجربة واقعية لفتاة تم فسخ عقدها في فترة الملكة، تقول أسرار حريري 26 عامًا، إنها ترفض إرجاع تزايد معدلات الطلاق إلى المغالاة في متطلبات الزواج وتدخلات وضغوط أسرة العروس؛ فأسباب طلاقها لا تعود إلى ذلك، حيث كانت وعائلتها متساهلين جدًا في أي أمر يقوم العريس بتقديمه، ولم يشترطوا أشياءً معينة أو يكلفوه بأمر فوق طاقته، ولكن ما يحدث بعد الملكة هو شعور الرجل بأن الفتاة أصبحت حلاله وملكه وحكمها في يديه، ولا تستطيع فعل أي أمر إلا بإذن منه. وأغلب الشباب لا يستوعبون أن فترة الملكة لا تعطيهم الحق في التحكم كما يشاءون بالفتاة؛ لأنها مازالت في بيت أهلها وتحت حكم والديها.
أسرار حريري: الشاب يشعر بعد الملكة بامتلاك الفتاة ويتحكم بها
“أنفذ بجلدي”
لكن حريري تستدرك قائلة بأنها لا تنكر أن هناك عائلات تضع شروطًا وطلبات، وإذا لم ينفذها الشاب فهو يعد بنظرهم غير آهل لها، وهناك أسباب أخرى للطلاق المبكر؛ مثل كثرة المشاكل بين العائلتين، والضغوطات التي تحدث على العروسان، سواء على الشاب أو الفتاة؛ لذلك تعتقد بعض الفتيات أن الطلاق قبل الدخلة أفضل بكثير من الطلاق بعد سنة زواج ووجود طفل، ويرددن”أنفذ بجلدي قبل الدخلة”.
وتختتم بالقول إنها تفسر سبب طلاقها؛ بكونه كان ارتباط تقليدي، ولم يصلًا لمرحلة الحب التي تجعلهما متمسكين ببعضهما البعض.
تدخلات وطمع
تقول وعد الجبيلي 26 عامًا إن نسب الطلاق بالفعل ارتفعت بصورة ملحوظة، وخاصة قبل الدخلة، وتبرر ذلك بأن فترة الملكة تكون طويلة جدًا، ويحدث خلالها ضغوطات كثيرة تقع على الطرفين، وفي هذه الفترة يبدأ العروسان باكتشاف بعضهما البعض، من حيث الشخصية وطرق التعامل، وهنا يبدأ الأهل في التدخل بين العروس والعريس، من باب تزوديهم بالخبرات التي مروا بها، وللأسف تلك التدخلات تلغي شخصية الفتاة والشاب، ويتصرفان بفكر وأسلوب عائلاتيهما، وهناك عائلات تطمع في العريس في حال كان ميسور ماليًا، فيُلزم بتقديم مهر كبير ومتطلبات وكماليات أخرى، ويتحول الوضع إلى طمع واضح وصريح، ومن هنا يشعر العريس بالاستغلال ويتم الطلاق، وأغلب العائلات تقارن بين بناتهن وبنات الاقارب، كما أن هناك شباب يطالبون بحقهم الكامل كأزوج، ويريدون ممارسة زوجية كاملة، لا يمكن الحصول عليها إلا بعد ليلة الزفاف.
عادات وتقاليد زائفة
وترى الناشطة الإعلامية ميعاد شقرة أنه بالفعل أصبح الواقع مخيف جدًا، فيما يخص سرعة الطلاق في مجتمعنا المحافظ، وللأسف بدأ المجتمع ينزلق وينساق خلف بعض العادات والتقاليد الزائفة التي تهدم البيوت، وتضيف أن القنوات الفضائية الموجهة للإضرار بمجتمعنا السعودي بشكل خاص، من أبرز أسباب الطلاق والتفكك الأسري، حيث بدأت منذ سنوات في عرض مسلسلات وبرامج تبيح الكثير من المحرمات، وتهدم العادات الاجتماعية القويمة، التي حثنا الإسلام على التمسك بها وممارستها فيما بيننا.
ميعاد شقرة: نجاح الزواج مرهون بتفهم الأسرة لتوجهات جيل اليوم
اختلاف الأجيال
وتشير إلى أن جيل اليوم اختلف في نظرته وتقييمه للشؤون الحياتية، حيث أصبح يريد المشاركة في اتخاذ القرارات واستشارته في كل شيء حتى وإن كان صغيرًا، وهنا تقع المشاكل حين تتخذ أسرة الزوجة القرارات في فرش البيت أو ما يخص ابنتهم، دون الرجوع للعريس أو مشاركته بالقرار، ويمكن أن يكون الأمر بالعكس ويتم تجاهل رأي العروس، وتنصح شقرة بتكثيف البرامج والدورات التثقيفية المباشرة وغير المباشرة للشباب والفتيات على حد سواءً، وتؤكد أن ذلك لن ينجح إلا بتفهم الأسرة لتوجهات جيل اليوم.
الكماليات قبل الأساسيات
ويأتي رد الشباب الذي يرى نفسه ضحية غلاء المهور أو زيادة متطلبات العروسة وعائلتها، يقول عماد الصبحي30 عامًا إن المجتمع نسى أن الزواج سنة نبوية ورحمه ومودة بين الزوجين، وأن رسولنا الكريم قد نصحنا حين قال في الحديث الشريف” إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه”، ولكن في عصرنا الحالي ومع ظهور التقنيات الحديثة والانفتاح العالمي، وتغير الأزمنة والعادات والتقاليد، تجاهل بعض الناس هذا الحديث الشريف، ولم تعد المجتمعات تضعه نصب عينها في زواج أبنائهم وبناتهم. وبالتالي أصبحت الفتيات يبحثن عن كماليات قبل الأساسيات، ولذلك زادت نسب الطلاق بين فئات الشباب، وخاصة من أعمار 20 إلى 27، بالإضافة إلى أن العروسان ليس لديهما من يثقفهما ويوعيهما عن أهمية رباط الزواج واحترام أصوله وقدسيته، بقدر ما لديهم كم هائل من النصائح المادية، والمقارنة بالصديقات والأقارب والاعتقاد في مقولة “غيرك ليس أفضل منك”.
عماد الصبحي: الفتيات يبحثن عن كماليات قبل الأساسيات و التوعية غائبة
القدرة المالية والتفاهم
يقول أيمن حسين شاب في أواخر العقد الثالث إنه لم يتزوج حتى الآن لإدراكه أن الزواج مؤسسة اجتماعية تتطلب بناء سليم وتفاهم بين الطرفين بالإضافة للعائلتين، ولا يمكن أن يقدم شخص عاقل على هذه الخطوة، إلا إذا كان قادرًا عليها؛ كونها تتطلب في المقام الأول قدرة مادية لتحمل أعباء الزواج، بدءًا من النفقة على الزوجة حتى لو كانت عاملة، وهو أمر قرآني فضل فيه الدين الرجل على المرأة بقدرته على الإنفاق وتحمل تكاليف المعيشة، ثم تأتي المشاركة المالية للمرأة في حال قدرتها على ذلك؛ لكنه ليس فرضًا عليها ولا تكلف به، وهو من مهام الزوج بالمقام الأول، ناهيك عن تحمل مسئوليات منها التربية، لذلك بالنسبة له لا يعتقد بأنه سيقدم على هذه الخطوة، حتى يكون هذا الشخص القادر على تحمل هذه المسئوليات، بالشكل الذي يرضي رجولته بالدرجة الأولى.
التغيرات والتواصل والإعلام
من وجهة نظر اجتماعية، تقول فريال باجبير الأخصائية الاجتماعية بمستشفى حراء بالمدينة المنورة إن تزايد حالات الطلاق قبل إتمام الزواج أمر يرجع للتغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع السعودي، ناهيك عن التأثير الكبير لمنصات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تستخدم في الترويج الإعلاني لمنتجات بعضها ليس ضروريًا أو أساسيًا، لإتمام منظومة الزواج، بالإضافة للتأثير الذي تمارسه كثير من وسائل الإعلام؛ للترويج واستعراض حياة المشاهير من أصحاب الدخول الكبيرة، وبالتالي ينعكس ذلك سلبًا ويتأثر الأفراد ويسعون لاختيار نمط حياة مشابه، لتلك الأنماط التي لا تتسق مع الدخول العادية للسواد الأعظم من السعوديين.
“سي السيد”
وتضيف باجبير أن قلة وعي الشباب والفتيات وعدم تحمل المسؤولية، من أسباب عدم إتمام عقد الزواج، بالإضافة إلى عدم اكتمال الشخصية بالنسبة للشاب، الذي استنادًا إلى الموروث الثقافي والاجتماعي يعتقد أنه بالزواج سيصبح”سي السيد”، وأيضًا الشباب لا يتفهمون التغيرات الحاصلة في المجتمع السعودي، التي تنعكس على العلاقة بين طرفي الزواج، خصوصًا الفتاة التي تنفر من مؤسسة الزواج، بدعوى أنها كبت للحرية الشخصية، ومقبرة لطموحها الشخصي ولإثبات وجودها كشخص فاعل ومنتج.