ثقافة

الكتابة للطفل قضية عربية منسية

تحقيق – فاطمة آل عمرو
الاستثمار في الأطفال استثمار في مستقبل الأمم ونهضتها وتقدمها، والقراءة أهم عوامل البناء المعرفي لجيل المستقبل، وتشجيع الأطفال على القراءة والمعرفة مطلب أساسي لتأسيس أجيال جديدة، قادرة على إنجاز متطلبات التنمية، والمنافسة في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء، والكبار في مجالات العلم والتكنولوجيا تحديدًا، وملف قراءة ومعرفة الطفل، يحتاج بداية لطرح قضية الكتابة للطفل على مائدة البحث والدراسة، فالقراءة تتطلب أولًا كتابة؛ كتابة تستوعب متغيرات الحاضر وتستشرف آفاق المستقبل، خاصة وبعض كتاب الطفل يفتقدون روح الخيال والرؤية الفنية، التي من شأنها أن تخرج لنا أعمالًا راقية تخاطب عقلية الطفل بشكل علمي، مما حدا بالمختصين للمطالبة بعقد مؤتمرات بحثية ونقاشات عميقة، تضع استراتيجية تنفيذية فورية وقريبة المدى، لكيفية تطوير الكتابة للطفل، وشروط ومستلزمات ذلك، واقتراح الأفكار الخلاقة المبتكرة من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة، نستعرض محاور هذه القضية المهمة في المساحة التالية:
قضية تربوية كبرى

 

بداية يؤكد المستشار الأسري والخبير التربوي نزار رمضان، أن الكتابة للطفل قضية تربوية كبرى تقلق التربويين وأهل التنمية للطفل، فإشكالية الكتابة للطفل أن راشد يكتب لطفل وأن طفل يثق ببراءة بالمعروض، رغم أن عقلية النقد الانتقائي والواعي لم تتكون لديه بعد.
نزار رمضان
الكتابة للطفل أولى الأولويات لتنمية الوعي العربي والنهضة الحضارية
إشكالية الكتابة للطفل
ويستطرد قائلًا: إنه من المفارقات التي قد نجدها عند البحث عن كتاب مناسب لأطفالنا، أننا لو وجدنا الكاتب المحترف في مهنته، الشيق في حديثه، العملاق في طرحه، نجده غير متخصص في معرفة نفسية الطفل وسماته النمائية، ولو وجد الماهر في ذلك، نجده قد يفتقر للكتابة الاحترافية لكاتب الأطفال؛ التي تتطلب أن يجمع بين الدراسة الأكاديمية التربوية والأكاديمية الكتابية .
«إبرة في كوم قش»
ويضيف رمضان: البحث عن كتاب يناسب الطفل بمراحله المختلفة، كأننا نبحث عن إبرة في كوم من القش، يصعب الحصول عليه فنضطر لشراء أنصاف الكتب، بل يلجأ الغالبية لأفلام الكرتون والألعاب الإلكترونية؛ لفقر مكتبتنا العربية بالكتب المناسبة، مع الأسف زخرفات وألوان وحركات -لابأس- ، ولكن غالبًا هناك غياب للفكرة وضعف المحتوى.
أولى الأولويات
ويختتم بالقول: الكتابة للطفل لها أن تكون أولى الأولويات في تنمية الوعي العربي والنهضة الحضارية؛ فعلى وزارات التعليم والثقافة والكتاب المحترفين والمتخصصين في شؤون الطفل، أن ينطلقوا للعمل وفق بروتوكول عربي موحد ومؤتمر عربي عاجل للاهتمام بكتاب الطفل.
اهتمام متزايد
ويشير الصحافي والأكاديمي اللبناني والكاتب المتخصص بأدب الطفل، د. طارق بكري إلى أنه ظهرت في الآونة الأخيرة اهتمامات واسعة في الكتابة للطفل، في شتى مجالات الحياة، ويدلل على ذلك كثرة العناوين التي تطرح بشكل متسارع، وزيادة عدد دور النشر المهتمة بالنشر للطفل، كما يظهر حرص معارض الكتاب العربية في معظم البلاد، على إقامة أجنحة مخصصة لكتب الأطفال، وكذلك إقامة معارض كثيرة خاصة بالطفل فقط، سواء عن طريق المدارس أو وزارات وجهات معنية، فضلًا عن اهتمام بعض المؤسسات الكبرى في العالم العربي بتقديم جوائز قيمة وذات قيمة معنوية ومادية كبيرة، وقال: لهذه الأسباب نجد اليوم اهتمامًا متزايدًا بنشر كتب الأطفال، كما نجد زيادة واهتمامًا من كثيرين لخوض المجال، إما في الكتابة والتأليف، أو في الرسم، أو في النشر.
د. طارق بكري
الألعاب الإلكترونية المشجعة على العنف تدمر براءة الطفولة
ويوضح أن بعض المؤسسات التي ليس لها علاقة مباشرة بثقافة الطفل، أو حتى بالجانب الثقافي عامة، كأن تكون مؤسسة اقتصادية أو مصرفية أو نفطية، وحتى شرطية وعسكرية؛ نجد كل هؤلاء لديهم اليوم اهتمامات بالنشر للطفل، ولا يقتصر الأمر على وزارات الثقافة والهيئات الثقافية المعنية.
دعم إضافي
ويواصل د. بكري: هذا دليل على زيادة الوعي والإيجابية في الاهتمام بثقافة الطفل، ورعاية هذه الثقافة للنهوض بالمجتمع العربي مستقبلًا، ولا شك أن هذه الإيجابية الحالية تحتاج إلى مزيد من الإدراك والدعم حتى تنمو وتكبر، وهذا أملنا في كثير من الجهات الكبرى في العالم العربي، لكي تزيد من اهتمامها بدعم ثقافة الطفل، وتجويد كتب الأطفال.
تدمير براءة الطفولة
ويردف قائلًا: لاحظت أن كثيرًا من الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية تعمل على هذا المنوال، وهناك إنتاج طفولي واسع، فضلًا عن الاهتمام الإذاعي والتلفزيوني والصحفي، ولا يعني هذا أن الساحات العربية بمجملها تشبعت، بل على العكس من ذلك تمامًا، فإننا بحاجة إلى مضاعفة الجهود، لا سيما في مواجهة ما يتعرض له الطفل العربي اليوم من هجوم الكتروني معاكس، حيث تم إغراق عالم الطفل بكثير من الملهيات المبهجة، فضلًا عما يشكله بعضها من تدمير براءة الطفولة، وتشجيع العنف، لا سيما عن طريق الألعاب الإلكترونية التي تركز معظمها على الحروب والمعارك والقتل.
مؤتمرات بحثية
وطالب د. طارق بكري أن تعقد مؤتمرات بحثية ونقاشات عميقة تضع استراتيجية تنفيذية فورية وقريبة المدى، لحفظ المكتسبات الحالية، وتدعيمها وتعزيزها، ومن ثم العمل على تطويرها، وتشجيع الآخرين على الاسترشاد بها واقتراح الأفكار الخلاقة المبتكرة من أجل مستقبل أفضل.
تطوير أدب الطفل
وحول تطوير أدب الطفل في المملكة، يؤكد الباحث المتخصص في الشؤون التربوية الكاتب محمد عباس عرابي، أن الكتابة للأطفال تحتاج إلى كاتب كبير دقيق مرهف، يراعي أساليب توظيف اللغة، وتطبيق قواعد علم النفس؛ لينشئ فنًا متكاملًا يلقى القبول، مع العمل على زيادة الوعي بأهمية أدب الطفل؛ لتزداد الطاقات والموارد التي تصرف على نشر هذا الأدب، ونجاحه، ومن الأهمية بمكان أن يقوم المثقفون والإعلاميون والدولة بدعم هذا الأدب وتشجيعه وإقامة مسابقات؛ لتشجيع المواهب الجديدة واكتشافها.
محمد عرابي
المثقفون والإعلاميون والدولة مطالبون بتشجيع المواهب الجديدة واكتشافها
الإلكتروني حلًا
كثرت المواقع التي تهتم بأدب الطفل، إذ تساعد هذه المواقع على تشجيع المبدعين في التأليف من جهة، وتوعية الطفل ليكون صديقًا للكتاب من جهة أخرى، وتوسيع آفاق خياله، وعند بحثنا وجدنا في موقع تويتر حساب يهتم بقصص الأطفال «طفلي يقرأ»؛ إذ وضعوا أسبابًا تجعل الطفل يعشق القراءة، وتشجع الموهوبين على الكتابة حسب ميولهم.
تقرير اليونسكو
تمثل القراءة وتنمية ميول الأطفال إليها مطلبًا تربويًا وثقافيًا؛ نظرًا لما يتسم به عالم اليوم من انفجار معرفي سريع ومتغير، فالقراءة كما هو معروف من أهم وسائل كسب المعرفة والحصول على المعلومات، لذا أوضحت بعض الدراسات أنه كلما كان هناك تبكير في تثقيف وإثراء خبرات الأطفال بالكتب والقصص قبل المرحلة الابتدائية، كان استعدادهم للتعلم والقراءة والكتابة أفضل.
مسألة تشجيع وتعويد الطفل على القراءة تعد من الأمور المعقدة في حياة الأسر، خاصة في مجتمعاتنا العربية، إذ يشير تقرير لليونسكو إلى أن معدل قراءة الأطفال في العالم العربي خارج المنهاج الدراسي 6% سنويًا، فيما يقرأ كل 20 طفلًا عربيًا كتابًا واحدًا سنويًا، فان الطفل البريطاني يقرأ 7 كتب، والأمريكي 11 كتابًا، أي لا يزيد الوقت المخصص للقراءة الاطلاعية عند الطفل العربي ( دون احتساب وقت القراءة المدرسية ) عن 6 دقائق في العام. أما عن حجم الكتب المخصصة للطفل العربي فهو ( 400 كتاب في العام) مقابل 13260 كتاب في السنة للطفل الامريكي و 3838 للطفل البريطاني و2118 للطفل الفرنسي و1485 للطفل الروسي.
رؤية رسام
والمعروف أن قصص الأطفال لا تكتمل سوى بالرسم، حيث يلعب الرسامون دورًا فائق الأهمية في إضفاء الحيوية على كتب الأطفال؛ عبر تقديم رسومات وأشكال بصرية لشخصيات القصص بما يحفّز مخيلات الصغار واليافعين. ونظرًا لأهمية دورهم، فقد أطلق مهرجان الشارقة القرائي للطفل «معرض الشارقة لرسوم كتب الطفل» في عام 2012 ، بهدف تسليط الضوء على الرسومات الرائعة التي يمكن رؤيتها في الكثير من منشورات الأطفال رفيعة المستوى، واعتبر الكاتب القصصي وليد طاهر أن الرسم لغة مهمة تساعد الطفل على فهم النصوص القصصية، ويقول: لذلك ومن منطلق عشقي للرسم اهتممت بكتب الأطفال، واعتنقت الكتابة القصصية التي تعتمد على الرسوم والصور التفصيلية لرواية القصة.
مسابقات عربية
وليد طاهر
الرسم لغة مهمة تساعد الطفل على فهم النصوص القصصية
تعتبر جائزة اتصالات لكتاب الطفل، التي ينظمها المجلس الإماراتي لكتب اليافعين برعاية من شركة اتصالات، أحد أبرز وأهم الجوائز المخصصة لأدب الأطفال في العالم العربي. وتهدف الجائزة إلى اثراء ثقافة القراءة وحب الكتب العربية عند الأطفال؛ من خلال ابراز أفضل أعمال الكتاب والرسامين والناشرين.
وتتواصل الدورات السنوية لمهرجان الشارقة القرائي للطفل بالشارقة بحثًا عن مزيد من تنمية ذائقة القراءة والاطلاع، مع مراعاة فنون صناعة كتاب الطفل وتطويره.
وفي هذه الدورة لعام 2019 تقدم إدارة المعرض مجموعة من الجوائز الخاصة بكتاب الطفل، مع العناية بآليات الاختيار والتحكيم والترويج، في سعي جاد لمنح هذا الكتاب مكانته المطلوبة.
إن الحديث عن المسابقات التي تخص التأليف القصصي للأطفال، وتهتم بأدبيات إبداعية موجهة للطفل، إضافة إلى نقدها، نجدها نادرة محليًا، بينما في بعض الدول العربية تكون حاضرة بمستويات مختلفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *