مقالات الكتاب

تخيّل بس ..

بقلم / منال فيصل الشريف

دائمًا ما نردد كلمتي “تخيل بس ” وتكونا ضمن سياق جملة أحداثها بين الحقيقة والمستحيل، وينهال بعدها سيل من الضحكات. فهل ندرك حقيقة معنى هذه العبارة التي احتار في تعريفها الكثيرون من العلماء والفلاسفة وغيرهم؛ إنها دعوة للتفكير بحرية وإتاحة الفرصة للخيال، الذي هو كلمة أكبر من العالم، تنقل صاحبها عبر القارات والمحيطات إلى عنان السماء، هي كلمة كانت سببًا في فك طلاسم كل الأسرار والعلوم؛ كسر بها الإنسان حاجز المستحيل لينطلق بإبداع جديد، يصول ويجول ليوظف مخيلته تلك في تحقيق آمال وأمنيات لم تتحقق لنا مسبقًا.

نهرب أحيانًا إلى الخيال عندما يؤلمنا الواقع ولا نريد الصدام معه، بل دائمًا نردد داخل أنفسنا مقولة “تعايش ولا تتصادم”؛ لأن الصدام قد يخلق جدلًا عقيمًا، خاصة مع أشخاص يفتقدون تقبل آراء الآخرين، يزهون بأنفسهم وكأن الدنيا لم تخلق غيرهم؛ هؤلاء يجعلونك تخسر كثيرًا دومًا وأبدًا.

ليس من الضروري أن تفرض آرائك وأفكارك وأسلوبك على الجميع، وإذا أوقعك القدر في حوار أو مواجهة مع أحد الأشخاص، الذين لا يقبلون إلا بفرض رؤاهم؛ حينها الحل الأمثل تخيل أنك حصلت على كل ما تريد، وأنك أفضل من غيرك، وأنك محظوظ جدًا، وأن أمنياتك تتحقق الواحدة تلو الأخرى في قالب خيالي ممتع؛ وكيف لا.. ونعم الله وعطاياه تفوق كل شيء وكل مطلب. وهنا يأتي الخيال مقترنًا بالإيمان في مزيج يجلب الراحة للإنسان، ويخلصه من كل متاعب الحياة.

عندما يتناول الفنان ريشته ليرسم لوحة مقتبسًا خيالًا من إلهامه واللاوعي، ومن مخزون المستحيلات والعقبات واللاءات، التي عاشها في حياته، أحيانًا يجسد أشخاصًا كان يتمنى أن يلتقى بهم، أو يصوغ جمال امرأة يرى أنها أجمل من كل نساء الأرض؛ فيرسم ملامحها في إبداع وتؤدة، كما استغرق ليوناردو دافنشي أكثر من 7 سنوات في رسم الموناليزا، وبعد موته اختلف الناس حول شخصية صاحبة الصورة؛ منهم من قال إنها لزوجة صديقه التاجر “ليزا جوكوندو”، وآخرون قالوا إنها لهذه الشخصية أو تلك، والبعض أكد أنها من وحي خياله لامرأة يراها أجمل النساء؛ لذلك استغرق كل هذا الوقت في رسمها.

وأحيانا تكون الحقيقة أغرب من الخيال، وقد لا يتحملها الشخص من فرط غرابتها، في رواية “وحدك حبيبتي ” للكاتبة أماني عطا الله، عندما رأى ممدوح زوجته ليلى تعود إليه بعد سلسلة من قصص الاضطهاد والسخرية والإيذاء، والذي تفنن في فعله معها، لكنها غفرت له كل ذلك وانتصر الحب، فعادت إليه؛ كانت دهشته بالحقيقة أقوى من التخيل؛ هذه الرواية ذكرتني بقصيدة للشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن عنوانها ” تخيّل”:

تاقف على طرف الهدب.. وماشافتك عيني
صافحتني ومدري يدك هي لمست ايديني

واختتم

العظماء هم الذين يحولون أحلامهم وخيالهم إلى حقيقة، وعلينا ألا نقف أمام عقبات الحياة، وأن ندرك تمامًا بأن كل ما هو مر سيمر؛ وهذا سيزيدنا إصرارًا على المضي قدمًا وألا نلتفت للوراء أبدًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *