تحقيق

التلفزيون واليوتيوب صراع على عقل المشاهد

تحقيق- آمال رتيب
كان اجتماع العائلة مساء كل ليلة لمشاهدة أحداث مسلسل أو متابعة نشرة الأخبار طقسًا يوميًا متبعًا لدي الغالبية العظمى من الأسر السعودية، بل العائلات العربية بصفة عامة، ومع ولوج عصر الإنترنت واليوتيوب ومواقع التواصل المختلفة تغير الوضع كثيرً؛
٬ تراجعت “لمة” العائلة حول الشاشة الصغيرة، وانفرد كل فرد من أفرادها بجهازه اللوحي أو جواله الذكي ليشاهد مسلسلاته وبرامجه المختلفة على انفراد، المعركة بين التلفزيون واليوتيوب “خصوصًا” على استقطاب أفراد الأسرة السعودية مستمرة خلال السنوات القليلة الماضية؛
اليوتيوب يتيح مشاهدة ما يرغب فيه الشخص في أي وقت ومكان وحسب الطلب، والتلفزيون لم يستسلم للهزيمة، بل طورت القنوات الجديدة إمكاناتها؛ واستعارت مميزات اليوتيوب في مشاهدة ما تريد وقتما تريد٬
والآن صارت لهذه القنوات نسب مشاهدة عالية تنافس اليوتيوب؛ ليستمر التنافس مجددًا بين القنوات التلفزيونية واليوتيوب على عقل المشاهد السعودي خاصة والعربي بصفة عامة، استطلعنا آراء فنانيين ومهتمين بالمجال حول الموضوع، واطلعنا على دراسات متعلقة بالأمر؛ في محاولة لرسم صورة عن واقع ومستقبل التنافس بين التلفزيون والإعلام الجديد، وخصوصًا اليوتيوب، وجاءت وجهات النظر كالتالي:
الفنون السبعة
في البداية يشير الفنان هاني ناظر إلى أن التغيير بدأ قبل عقدين من الزمن٬ ويقول: منذ بداية انتشار الفيسبوك وقنوات اليوتيوب وتصدرها وتسيد مواقع التواصل الاجتماعي للساحة٬ بدأت القنوات المعتمدة فنيًا مثل التلفزيون في التراجع٬
في ظل أن نسبة كبيرة من مرتادي اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي من الشباب٬ الذين يمثلون 60٪ من سكان المملكة٬ فأصبح هناك تراجع لمنظومة الفنون السبعة المتعارف عليها والمعتمدة عالميًا٬ ورغم هذا الاجتياح لليوتيوب منذ قرابة 20 عامًا، إلا أنه غير معتمد كفن من الفنون في المعاهد والأكاديميات الفنية العالمية٬
لذلك يطلق على نجومه “مشاهير”٬ وهم أشبه بفقاعات صابون وليسوا مصنفين أو معتمدين في اتحادات إذاعة أو تلفزيون٬ وليس لدى هذه القنوات والمشاهير فيها منهجية أو رقابة أو رواد٬ بينما المسرح والتلفزيون والسينما لهم منهجية وآلية ورواد٬ ولهم أيضًا رقابة وتاريخ.
القنوات التلفزيونية القديمة تراجعت وطغت القنوات الجديدة ومقاطع اليوتيوب
دراما سناب شات
ويضيف ناظر: رغم هذه الحقيقة إلا أن القنوات التلفزيونية القديمة تراجعت كثيرًا٬ وطغت القنوات الجديدة ومقاطع اليوتيوب٬ وهي تجربة جيدة٬ ومن خلال تجربتي الشخصية كفنان منذ بدايات التلفزيون السعودي وقدمت عددًا من الأعمال الدرامية التي تركت بصمتها٬
إلا أنني مع التطور الحديث واكبت العصر من خلال تقديم “دراما سناب شات” مع ابنتي “بتيل”؛ كأول ممثل يقدم هذا اللون من الدراما٬ من خلال تطبيق سناب شات ووجدت إقبالا كبيرًا عليها٬ مما جعل لي حوالي 3 ملايين متابع٬
وحصلت على جائزة صانع محتوى مبدع من أمريكا٬ في حين أن مسلسلات تصرف عليها الملايين ولا تلقى النجاح نفسه أو المتابعة٬ ولكن من خلال ديكورات بيتي وفلاتر السناب وشاشة الجوال استطعت نقل خبرتي إلى شاشة صغيرة٬ فمواقع التواصل واليوتيوب تتسيد الساحة نظرًا لجذبها للأطفال والمراهقين٬
خاصة وأن كثير من الأعمال تسمى بأسماء عائلات٬ وكل طفل أو مراهق له عائلة يفضل متابعتها٬ حتى وإن كانت بلا قيمة ولكن لها عوامل جذب.
وينصح ناظر أن تكون هذه القنوات “اليوتيوب” جسرًا لحقول فنية معتمدة ٬ شرط أن تدخل ضمن المنظومة الشرعية للفنون، التي أولها المسرح أبو الفنون وآخرها السينما.
الاستهلاك البصري
ويؤكد المخرج السينمائي محمد الفرج أنه رغم عدم إلمامه الكامل بالدراما التلفزيونية وقنوات اليوتيوب، إلا أن الاستهلاك البصري الإلكتروني أضعف نسب المشاهدة التلفزيونية بالطرق المعتادة٬ واجتماع العائلة كان نتيجة للبث في مواعيد ثابتة ومحدودية عدد القنوات التلفزيونية.
ويقول: الآن باستطاعة كل فرد في أي وقت أن يشاهد ما يحلو له من مقاطع برامجية أو إخبارية أو درامية. فتوفر المسلسلات على مواقع إلكترونية سهل أشكال “الفردية” حتى في هذا النوع من الاستهلاك٬
فالتقنية عادة تغطي على ما قبلها٬ كما كان الحال مع الجرائد الورقية والإذاعة قبل ظهور التلفزيون٬ ثم التحول إلى الإلكتروني٬ واعتقد أن هذا ينسحب أيضًا على الاستهلاك البصري الذي يشهد تغيرًا٬ مثل ظهور Netflix” “وغيره٬ فأظن أنه ستظهر مستجدات أخرى ربما لم نكن نتوقعها.
اجتماع العائلة حول التلفزيون كان بسبب مواعيد البث الثابتة ومحدودية القنوات
جمهور المتابعين
ويعتبر الفنان سمير الناصر أن السؤال عن اجتماع العائلة أمام شاشة التلفزيون حساس ومؤلم في الوقت نفسه، ويستدرك قائلًا: لكن اعتقد أن الجمهور ما زال يتابع العمل الجيد والمتميز والمتكامل٬
ولكن ما من شك أن عصر اليوتيوب أثر كثيرًا على متابعي ومشاهدي التلفزيون، وخصوصًا الأعمال الدرامية التي تخص المجتمع والأسرة أصبحت من خلال المشاهد “اليوتيوبية”٬ وبعض الشباب وجدوا مساحة من التنفس،
وهذا حقهم أن يقدموا ما لديهم من أفكار وأعمال لم تتح لهم القنوات التلفزيونية العادية التعبير عنها٬ ومع وجود قنوات اليوتيوب أصبح المجال مفتوحًا لمن يريد أن يثبت نفسه على الساحة٬ لذلك تنوعت الأعمال الدرامية والفنية٬
بمختلف أنواعها على اليوتيوب٬ والحكم في النهاية هو جمهور المتابعين٬ وبشكل ملاحظ أصبح كل فرد من أفراد الأسرة يتابع ما يريد من فيديوهات على جواله بشكل فردي٬ وليس مفروض عليه متابعة برنامج أو عمل درامي ضمن أفراد الأسرة٬ وهذا التخلخل لمتابعة الأعمال التلفزيونية بدأ مع بداية ظهور قنوات اليوتيوب الخاصة وانتشارها وكثرتها٬
مما ساهم في توسع أعداد المشاهدة سواء كمًا أو كيفًا٬ ولم تعد محدودية الزمان أو المكان هي الفيصل لمشاهدة عمل ما٬ إنما يمكن مشاهدة آلاف بل ملايين الأعمال في أي وقت أو مكان٬
مما قلل من نسب المشاهدة التلفزيونية٬ وأعطى للأعمال فرصة الانتشار٬ وحتى ما يقدم من أعمال حصرية التي تلقى رواجًا في البداية٬ ولكن عند متابعة العمل – وبشكل شخصي- أجده ليس بتلك الجودة؛ فالأعمال المقدمة حاليًا مشوشة واجتهادات فردية٬ وأصبحت فرصة للحمقى أن يكونوا مشاهير.
ويضيف الناصر: أما “لمة العيلة” حول مسلسل أو برنامج أو حتى نشرة أخبار فلم يعد لها مكان٬ فالعائلة مع الأسف أصبحت مفككة ليس لها وقت، أو حتى الرغبة في الالتفاف حول التلفزيون لمتابعة مسلسل أو مشاهدة فيلم أو حتى برامج إخبارية٬ أصبح كل ما تريد التعرف عليه يأتيك أولًا بأول على جهازك ولا داعي للانتظار. دخلنا مرحلة صعبة وتسارع غير طبيعي تسبب في كثير من الخلخلة في البرامج المنوعة والدرامية والثقافية والعلمية.
اليوتيوب فتح المجال لمن يريد إثبات نفسه على الساحة
هتون وأولادها
وفي تجربة لا تبعد كثيرا عن روح الكوميديا التي عرفها بها الجمهور٬ تقدم هتون قاضي لفتة أسرية تحمل قيمة التفاف الأسرة لمشاهدة أفلام يتم بثها عبر الإنترنت، ولكن هذه المشاهدة تتم عبر شاشة التلفزيون٬ فعبر حسابها على فيسبوك تقدم مقطع فيديو صغير يجمعها مع ابنيها في جلسة بيتوتية لمشاهدة فيلم ” ماوكلي يعود من جديد”٬ ففضلًا عن تقديمها لإعلان٬ إلا أن الرسالة هي أن الأسرة مجتمعة معا لمشاهدة فيلم يحبه الجميع ويشاهدونه في وقت واحد.
أسلوب ترفيه
ومن جهة أخرى كشفت دراسة أعدتها IPSOS” ” تحت عنوان “السلوك اليومي في المملكة العربية السعودية”، أن مشاهدة التلفزيون هو أسلوب الترفيه المفضل خلال عطلات نهاية الأسبوع في المملكة. وحسب OSN”” شبكة الترفيه المدفوعة، والتي تقدم برامجها ومحتواها بخصائص اليوتيوب٬ فإن قطاع التلفزيون ما زال قويًا ومؤهلًا للنمو في المملكة العربية السعودية، حيث تمضي العائلات 8 ساعات وسطيًا في مشاهدة التلفزيون يوميًا.
وتصل المشاهدة التلفزيونية في المملكة إلى ذروتها بين الساعة 6 مساءً و1 بعد منتصف الليل. وحتى في عطلات نهاية الأسبوع، جاءت مشاهدة التلفزيون في المرتبة الثانية وبفارق ضئيل عن تصفح الإنترنت.
ولتلبية الطلب المتنامي على المحتوى المميز في المملكة، ولتوفير المزيد من التنوع والمرونة، أطلقت “OSN” باقة “الفرق” الأحدث والأكثر مرونة على الإطلاق، بفضل تنوع قنواتها، دون الحاجة إلى عقد سنوي. وجاء إطلاق هذه الباقة في أعقاب أبحاث مكثفة ومرحلة تجريب استمرت 3 أشهر شملت مختلف أرجاء المملكة، حصدت ردود فعل إيجابية من قبل العملاء، بالتزامن مع نمو ملحوظ في المبيعات.
أولويات المستهلك
كما حددت “OSN” أيضًا العوامل الرئيسية التي يأخذها المستهلك السعودي بعين الاعتبار عند شراء المحتوى التلفزيوني. وتمثلت الأولوية الأولى من قبل المشاركين في الاستطلاع بسهولة الاستخدام (53%)؛ القيمة مقابل المال (49%) وتوفر أحدث الأفلام (42%). وتغطي باقة “الفرق” جميع هذه المتطلبات بفضل تنوع خيارات القنوات لتتضمن أحدث الأفلام والمسلسلات وبرامج الأطفال والبرامج العصرية المناسبة لجميع أفراد العائلة.
باقات متنوعة
ويقول بندر المشهدي، مدير عام OSN”” في المملكة العربية السعودية: “نركز على تقديم باقات بأعلى معايير البساطة، بقيمة رائعة، وبأسلوب يتناسب تمامًا مع تطلعات واحتياجات العملاء في المملكة. وأطلقنا باقة بهدف وضع أفضل محتوى ترفيهي في متناول الجميع، ونحن على ثقة بأن “الفرق” ستلعب دورًا جوهريًا في ترسيخ مكانة شبكة الترفيه الأولى في المملكة العربية السعودية”.
ومن جهته قال ستيف ماك ديرميد، الرئيس التجاري في OSN” “: كشركة تضع زبائنها في المقام الأول، قمنا بإعداد بحث عن الترفيه الذي تفضله العائلات السعودية، لنكون قادرين على تزويدهم بباقة فريدة تناسب أذواقهم وتنسجم مع ما يرغبون بمشاهدته. وتمكنا من خلال هذه الدراسة من اكتساب فهم أعمق لاهتمامات المشاهد السعودي، لذا قمنا بضم جميع هذه العناصر في باقة.
وقد سجلت المرحلة التجريبية نموًا في عدد المشتركين ضمن جميع الفئات، وتحديدًا العملاء الذين تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 44 عامًا. وكشف البحث الخاص الذي أعدته OSN”” أن المحتوى الترفيهي العام والمسلسلات العربية هي الأكثر استقطابًا للاهتمام عبر خدمة “الفيديو حسب الطلب”Video-on-demand”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *