أعوام من الانتظار والترقب لتحقيق الحلم بالعزف داخل المملكة وتعليم محبي الموسيقى بعضًا من فنونها٬ ورغم كل هذا الانتظار لم تفقد الأمل٬ حتى تحقق الحلم بعودة الروح إلى الموسيقى داخل أروقة الجمعية السعودية للفنون٬ وكانت أول موسيقية تمسك بآلة الكمان لتعزف وتدرب. في هذا الحوار نتعرف على جهاد الخالدي عازفة الكمان الأولى بالمملكة.
بطاقة تعارف
هي جهاد بنت عبدالإله حسين الخالدي، حاصلة على بكالوريوس تربية موسيقية (صولفيج)٬ وبكالوريوس عزف تخصص “كمان” أو “كمنجة” كما تعرف بين العامة٬ من المعهد العالي الموسيقي “الكونسرفتوار” بالقاهرة ٬وحاصلة على بكالوريوس في المحاسبة من جامعه عين شمس المصرية٬ ودرجة الماجستير في تخصص إدارة أعمال من بريطانيا٬ عزفت في أوركسترا الكونسرفتوار لمدة ٨ أعوام، واشتركت في العزف بالعديد من الحفلات الكلاسيكية الموسيقية في القاهرة والعديد من الدول الأوروبية٬ وعملت كمحاضر في جامعة دار الحكمة لمادة تذوق الموسيقي.
أستاذ الموسيقى
تقول عن بدايات تعرفها على الموسيقى التي كانت مبكرة:«بدأت الطريق مع الموسيقي من عمر ٨ أعوام٬ عندما الحقتني أمي بمعهد الكونسرفتوار٬ بعدما رشحني أستاذ موسيقى خاص٬ وقال لها إن أذني موسيقية وعندي موهبة٬ ولأنها سيدة تربوية فضلت أن تدرسني في المكان الأكاديمي، الذي يؤهل المواهب ويعلمهم الموسيقى بشكل منهجي وأكاديمي.
لماذ ا الكمان؟
وتوضح سبب عزفها على آلة الكمان؛ بأنه كان من قبل الممتحنين عند اختبار القبول٬ حيث إنها تتطلب أذن موسيقية عالية.
وتقول: هذه الآلة من أصعب وأدق الآلات على الإطلاق، وتحتاج إلى تكنيك ومهارة ودراسة وتدريب لمدة طويلة حتى يتمكن العازف من العزف الصحيح٬ وتحتاج مهارة عازف محترف.
وتضيف: درست لمده ١٨ عامًا من المرحلة الإبتدائية٬ حتى نهاية دراستي الجامعية في معهد الكونسرفتوار٬ وحصلت على مؤهل علمي في تخصصي الكمان والتربية الموسيقية.
لم نمر بـ “زمن الممنوع” ومجتمعنا يحب الموسيقى والطرب ولا يوجد فرح بدون غناء
صفات العازف
وتعتبر الخالدي أن أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها عازف الكمان هي المثابرة٬ والمحاولات المستمرة للتدريب والعزف بدون أخطاء٬ وسماع نشاز٬ واستخدام عده طرق وتقنيات مختلفة في التدريب علي العزف وإعطاء التعبير والشعور المناسب للمقطوعة٬ وأهم ما يكتسبه عازف الكمان في حياته من مهارات عديدة في مجالات عدة، أهمها الثقة بالنفس والتوازن بين العلاقات والجمع بين إنجاز عدة أهداف في وقت واحد٬ وملاحظة الأشياء غير المتناسقة والقدرة علي إيجاد حلول مبتكرة٬ والقدرة على التطوير باختيار حلول مناسبة أو متجانسة، والقدرة على تنفيذ أكثر من عمل في وقت واحد٬ وذلك بسبب العزف الذي يساعد علي التوافق العقلي في قراءة النوتة، والحسابي والتعبيري في آن واحد.
زمن الممنوع
عملت الخالدي في القطاع الصحي بالمملكة لأكثر من ٢٠ عامًا٬ وتعمل حاليًا الرئيس المالي التنفيذي لمجموعة مستشفيات مغربي.
وتنفى أنه كان هناك “زمن الممنوع”؛ أي الذي كان محرم فيه عزف الموسيقى أو سماعها مما اضطرها للعمل إدارية٬ وتقول: لم تكن الموسيقى في حياتي أبدًا هواية، فهي علم ومجهود ومثابرة وشغف حياتي٬ وهي من أصعب الأعمال التي تحتاج إلى تدريب وإصرار وتحدٍ٬ ولم أتوقف عن العزف وممارسة الموسيقى يومًا.
الفنون والمجتمع
وتخوض الخالدي تجربة موسيقية جديدة مع جمعية الثقافة والفنون بجدة٬ تقول عنها: الجمعية نواة جيدة لبداية نشر تعليم الموسيقي للهواة والمحبين للموسيقي٬ وهي مركز توعوي للمجتمع، ومع وجود دورات متنوعة ومستمرة تستطيع الجمعية الوصول لنشر الوعي الثقافي الموسيقي المطلوب في مجتمعنا.
أما مدى تقبل المجتمع لتعلم الموسيقى والغناء، فترى الخالدي أن المجتمع السعودي محب للغناء والموسيقى٬ وتقول: مجتمعنا يحب الغناء والموسيقى والطرب٬ فلا يوجد فرح بدون غناء٬ وهو أمر ينسحب على كل مناطق المملكة٬ وليس قاصرًا على مدينة جدة٬ فجميع أنحاء المملكة الآن متعلمين وقادرين على استيعاب الثقافات المتنوعة٬ والمهم الآن نشر التوعية الموسيقية لتذوق الموسيقى٬ وتحسين ثقافة التذوق وتدريس الموسيقى بشكل علمي لنجد مردودها في مخرجات شباب المستقبل.
حفلات عالمية
كما تعتبر إقامة حفلات لموسيقيين عالميين في المملكة خطوة جيدة لنشر الوعي والرغبة لسماع موسيقي جيدة، وتحفيز التذوق العام لهذا النوع من الكونسيرت الأوركسترالية التي لم تشهدها المملكة من قبل.
وتعبر الخالدي عن أمنيتها في مشاركة عدد من العازفين والعازفات السعوديين في افتتاح الأوبرا٬ لكن تستدرك بقولها: «أتمنى٬ لكن وفقًا لما نسمع أنه في القريب العاجل ستفتح الأوبرا»٬ وحتي يعزف أحد في الأوبرا لابد أن يكون مؤهلًا وعازفًا محترفًا وليس هاويًا؛ فالعزف في أوركسترا يتطلب دراسة ومهارة وخبرة٬ ولابد أن نبدأ من الآن تدريس الموهوبين في مكان متخصص، حتي يمكن أن يعزفوا المقطوعات العالمية في دار الأوبرا السعودية علي مختلف الآلات في خلال ٨- ١٠ أعوام قادمة. وهناك طلب كبير على دراسة الموسيقى في المجتمع، ونسمع عنه من مختلف الأماكن.
صعوبات وحلول
وترى أن من أهم الصعوبات الحالية عدم وجود استراتيجية لتعليم الموسيقى٬ وأنه لا يوجد جهاز مسؤول عن منح تصاريح لدعم هيئات أكاديمية متخصصة لتدريس الموسيقى علميًا، وتخريج دفعات من الموهوبين في المستقبل.
وتتمني أن يؤخذ في الاعتبار تدريس الموسيقى في المدارس٬ حيث أصبحت الموسيقى مادة أساسية في كل المدارس العالمية، ضمن مواد الدراسة مثلها مثل الرياضيات والعلوم الأخرى، وقد ثبت علميًا أهمية تدريس الموسيقى للطفل سواء كان موهوبًا أو غير موهوب؛ حيث أنها تساعده على الابتكار والتوازن الفكري والحسي والعقلي. وتدريس الموسيقي في المدارس يتطلب إنشاء كليات تربية موسيقية متخصصة في الجامعات، تتخصص في تخريج دفعات خلال ٤ سنوات٬ تكون قادرة على تدريس الموسيقى في المدارس؛ لأنها تختلف عن تدريس الموسيقي للموهوبين المتخصصين، وتحتاج طرق تربوية متخصصة.
طموحات و أمنيات
أما أمنيات الخالدي فتركز على الأطفال٬ وتقول: «طموحي وأملي أن أدعم وأقوم بإنشاء أكاديمية موسيقية متخصصة للأطفال الموهوبين، وتدريسهم بنظم عالميه إنجليزية أو فرنسية٬ ويكونوا نواة لوجود عازفين سعوديين في أوركسترا سعودي، يعزف فيه موسيقيين مؤهلين علميًا وأكاديميًا٬ يمثلون بداية انتشار ثقافة موسيقية في بلدي تنمو وتطور، وتصبح بلادنا مثقفة علميًا وحضاريًا بتأسيس علمي وأكاديمي».
وتقدمت بالفعل بطلب لوزارة الثقافة والإعلام لمنح ترخيص لإنشاء أكاديمية متخصصة لتعليم الموسيقى للأطفال في المملكة، مبنية على منهج علمي أكاديمي متخصص في الموسيقى العالمية٬ وذلك لتعليم الأطفال من عمر ٦ حتى ١٣ عامًا٬ قسم للأولاد وآخر للبنات٬ وتهدف الأكاديمية تعليم قواعد وأسس الموسيقى الكلاسيكية العالمية٬ ودراسة النظريات الموسيقية وتعليم الطفل علي آلة موسيقية محددة طوال فترة دراسته في الأكاديمية٬ والمتوقع من مخرجات هذه الأكاديمية أن يتم الارتقاء بالذوق الفني العام لدى الطفل، واكتسابه مهارات تكنيكية علميه تساعد علي تنميه الابتكار والتوازن الفكري، وتؤثر إيجابيًا فيما بعد بحياته العملية، وفقًا للعديد من الدراسات العالمية الخاصة بفوائد تعليم الموسيقى للأطفال.
وتقدم الأكاديمية عدة تخصصات منها: البيانو، الوتريات (الكمان والتشيلو والكونترباص والجيتار) وآلات النفخ (الفلوت والأبوا والترومبيت والكلارنيت)، هذا بالإضافة إلى مادة الصولفيج، التي تعتبر مادة مشتركة للجميع، وتشمل قراءة النوتة وتدوين الموسيقى وتعليم النظريات الموسيقية الكلاسيكية العالمية، ومعها يمكن تكوين كورال للأطفال لتنمية الأذن الموسيقية والحس السمعي.
هواة ومحترفين
ولا تتوقف أمنيات الخالدي عند إنشاء أكاديمية خاصة مثيلة للمعاهد العالمية٬ ولكنها أيضًا تتمنى تقنين تراخيص المعاهد الموسيقية٬ وتقول: أتمنى عند بداية تشريع وإعطاء رخص للمعاهد الفنية لتدريس الموسيقى، أن يكونً هناك فرق بين المعهد المتخصص ومخرجاته تكون للمحترفين المؤهلين عالميًا٬ والمعاهد الخاصة التي تساعد في تنميه المواهب٬ وصاحب هذا المعهد المتخصص للمحترفين لابد أن يكون مؤهل علميًا وأكاديميًا، وليس فقط هاو، وهذا ما سيفرق بين الهواة والمحترفين
3 استراتيجيات
وتوضح : نظرتي وتوجهي الشخصي لنشر الوعي الموسيقي ببعد استراتيجي بحت، تتركز على تطبيق 3 استراتيجيات؛ أولًا؛ إنشاء أكاديمية لتعليم فن الموسيقى لفئة الأطفال بعمر بين 6 إلى 13 عامًا، بمعدل يومين بالأسبوع سيتم من خلالها تعليم الأطفال النوتات والعزف ودمجهم في الكورال، لتعليمهم أساسيات العزف ومنحهم شهادات معتمدة، وثانيًا؛ إدخال قسم التربية الموسيقية في الجامعات ليتخرج منها معلمين ومعلمات يدرسون الموسيقى للطلبة والطالبات بالمدارس، وثالثًا؛ دعم المحتوى الإعلامي للموسيقى من خلال برامج التلفزيون والإذاعة وتنظيم حفلات موسيقية، تُعنى بتقديم فن الموسيقى الراقي، الذي يهدف لتذوق الموسيقى وزيادة الثقافة الموسيقية وليس الترفيه، هذه الاستراتيجيات الثلاث كفيلة بالنهوض بالثقافة الموسيقية بالمملكة خلال 5 أو 7 أعوام.