المشاهير

محمد سرور الصبان أول من أدار وزارتين قبل الدمج

بقلم– رانيا الوجيه
محمد بن سرور الصبان، صاحب مسيرة زاخرة في تاريخ العمل الوطني في المملكة؛ اقتصاديًا وإداريًا وأدبيًا ومؤسساتيًا وتنمويًا. وزير المالية والاقتصاد الوطني الأسبق، ومن رواد النهضة الأدبية والثقافية والعمل المؤسسي المدني بالحجاز والمملكة، وأول ناشر في الجزيرة العربية، إنه رجل الدولة القوي بكل ما تحمله الكلمات من دلالات، وهو صاحب الوسامة والأناقة في ملبسه ومظهره، وقد كتب الكثير من الأدباء والشعراء والسياسيين والصحافيين عن الشيخ الصبان وعن سيرته الطيبة. ولذلك نضيف ونؤكد على ما قالوه عنه وتناولوه في مسيرة الوزير والاقتصادي والرائد في العديد من المجالات ورجل العطاء الشيخ محمد بن سرور الصبان.
الميلاد والنشأة

ولد الشيخ محمد الصبان في القنفذة عام 1316 هـ / 1898م، ثم انتقلت أسرته إلى جدة عام 1320 هـ ، وتلقى في كتاتيبها الدروس العربية والشرعية، وعندما اندلعت الحرب العثمانية – الإيطالية انتقل مع أسرته إلى مكة، وهناك دخل مدرسة الخياط القديمة ثم اشتغل مع والده في التجارة.
أولى الخطوات العملية
عين الشيخ محمد سرور الصبان مبكرًا كاتب يومية بإدارة بلدية مكة في عام 1336 هـ، ثم رقي إلى وظيفة محاسب فرئيس كتاب، وعندما تولى حكم البلاد الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، عينه رئيس كتاب بلدية مكة المكرمة في عام 1343هـ ثم سكرتيرًا للمجلس الأهلي، وترقى في الوظائف الحكومية حتى عين وزيرًا للمالية بعد وفاة الملك عبدالعزيز، وهي الوزارة التي أسس فيها مبادئ الليبرالية الاقتصادية تأثرًا بالفكر الليبرالي المصري، وفي عهد الملك فيصل بن عبد العزيز، عينه أمينًا عامًا لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عام 1382 هـ / 1962، كما أنشأ مكتبة ثقافية عامة في كل من مكة المكرمة وجدة.
التعيين بوزارة المالية

أولى خطواته العملية تعيينه كاتب يومية بإدارة بلدية مكة
مضى الرائد محمد سرور الصبان بعيدًا في طموحاته، وأثبت كفاءة كبرى عندما عين في وزارة المالية، وأصبح رمزًا مجتمعيًا ورجل دولة. حيث عين الشيخ الصبان في شهر صفر من عام 1350هـ ، رئيسًا لقلم التحرير بوازرة المالية؛ لأنه كان يتمتع بثقة وتقدير جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله، لما قام به من إنجازات خلال أعمال المؤتمر الوطني، وعندها كانت وزارة المالية في طور التكوين، وتحولت إلى مديرية للمالية ثم إلى وكالة، وكانت هيكلتها الإدارية تتمثل في مالية مكة وأمانة الأحوال في جدة، ووقتها رفعت هيئة المؤتمر الوطني وخاصة اللجنة الاقتصادية، التي أسندت إدارتها للشيخ الصبان، عدة توصيات مهمة تتعلق بتنظيم»المالية»، ولما كانت تلك التنظيمات المالية قد كتبت بشكل مالي منظم وبأسلوب راق؛ رأى الملك عبدالعزيز بثاقب فكره تكليف وتعيين الشيخ الصبان ضمن إدارة الجهاز المالي، وتكليفه بتطبيق ما جاء في تقرير المؤتمر الوطني.
دور قيادي

عين الشيخ محمد الصبان مديرًا لإدارة الوزارة، وكان يحتل المركز القيادي الثاني بعد وزير المالية، الأمر الذي مكنه من لعب دورًا أكبر في تنظيم الإجراءات المالية، حيث أصدرت الوزارة في تلك الفترة قرارات متلاحقة أحدثت كثيرًا من التغييرات على أجهزة الوزارة؛ استهدفت تحسين موارد الدخل بعد اكتشاف البترول. وفي شهر شوال عام 1372هـ صدر مرسوم ملكي يقضي بإنشاء وزارة للاقتصاد، وأسندت مهام الوزارة الجديدة للشيخ عبدالله السليمان إلى جانب وزارة المالية، وبقي الشيخ محمد سرور الصبان يدير الوزارتين حتى أدمجتا في أول تشكيل وزاري في عهد الملك سعود عام 1373هـ ، لتصبحا وزارة واحدة بمسماها الجديد « وزارة المالية والاقتصاد الوطني»، وأصبح الشيخ الصبان أول وزير لها بموجب المرسوم الملكي في عام 1374هـ.
مهام أخرى

من رواد النهضة الأدبية والثقافية وأول ناشر في الجزيرة العربية
يعتبر الصبّان من رواد وواضعي النوى الأولى لمؤسسات المجتمع المدني كمظهر مدني حديث مثل: «جمعية الإسعاف الخيري»، التي تأسست عام 1934م، والتي تعد نواة المؤسسات الثقافية والأدبية في المملكة، فضلًا عن دورها الصحي والاجتماعي، و»جمعية قرش فلسطين»، التي تأسست عام 1935م، و»لجنة الدفاع عن فلسطين»، التي تأسست عام 1937م.
كما أنه مؤسس شركة الفلاح للسيارات، والشركة العربية للتوفير والاقتصاد، والشركة العربية للصادرات، وشركة ملح وكهرباء جازان، وشركة الزهراء للعمارة، وشركة مصحف مكة.
المجال الإعلامي والثقافي

ويعد الشيخ محمد الصبان من رواد النهضة الأدبية والعمل الإعلامي والثقافي ، فقد أسس الشركة العربية للطبع والنشر، فاشترت الشركة إمتياز جريدة صوت الحجاز في عام 1354هـ، وكان هذا التأسيس نقطة إضافية وجديدة في حياة الصبان؛ إذ بهذا التأسيس دخل المجال الإعلامي، الذي كان في سنواته الأولى. وقد أنشأ مكتبة تعتبر من أفضل المكتبات الخاصة في مكة المكرمة، وتحتوي على كثير من أمهات الكتب المطبوعة والمخطوطة، وقدمها أبناؤه كإهداء إلى جامعة الملك عبدالعزيز، واحتوت على ما يزيد عن 5000 كتاب ومخطوطة.
قصر الصبان

يقع القصر المعروف بقصر محمد سرور الصبان في حي قروى بالطائف، وهو القصر الوحيد المبني بشكل شبه كامل من صفائح الحديد وألواح الزجاج, ويعود بناؤه إلى عام 1345هـ .وقد سكنه محمد سرور الصبان ثم هجر، ويتميز بنمطه المعماري الفريد الذي يجمع بين الطراز المحلي والغربي، وتحيط به الحدائق المثمرة من جوانبه المختلفة. وفي الجهة الشرقية من القصر البركة الرئيسية وأشجار الرمان . أما النافورة فتقع في وسط الجهة الجنوبية. ويلاحظ ارتفاعه إلى أكثر من طابقين، وتتميز الشرفات في جهات القصر الأربع بزخارفها الهندسية الجميلة.
وفاته
بعد مسيرة حافلة وعطاء جم ورسالة سامية، استطاع تحقيقها وأورثها الأجيال من بعده، لا سيما وأنه من أسرة عُرفت بجليل الأعمال وصادق الأفعال ، توفي محمد بن سرور الصبان -رحمه الله- بالقاهرة في الثاني من ذي الحجة 1391هـ ، إثر نوبة قلبية داهمته، وتم نقله جثمانه عبر طائرة خاصة من القاهرة، وصلي عليه في المسجد الحرام، ودفن بمقبرة المعلاة بمكة المكرمة في الثالث من ذي الحجة 1391هـ، رحمه الله رحمة واسعة، مات محبًا للجميع، وشهدوا له بالخير والبر والإحسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *