تحقيق

هل مهنة الصحافي في خطر؟ بين منافسة الإعلام الجديد والأزمات المالية

سارة-العتيبي
سارة العتيبي: الصحافي المواكب للتغيرات والتكنولوجيا يستطيع الاستمرار
ناهد باشطح
 د. ناهد باشطح: الصحافة تحولت لصناعة وتغيرت أدواتها التقليدية
الاعلامي-خالد-دراج
خالد دراج: وضع المؤسسات الصحفية كارثي.. بعضها «أجر» المقرات.. والبعض الآخر يؤخر المرتبات
دكتور-فهد-ال-عقران
د. فهد آل عقران: لن يحل مكان مهنة الصحافة أحد.. ومنشورات السوشيال ميديا ليست لها مصداقية
مها-عقيل
 مها عقيل: قد تنتهي الوسيلة الورقية.. لكن المهنة باقية وتحتاج تحقيق الأمان الوظيفي
بقلم– رانيا الوجيه
عرفت المجتمعات الإنسانيّة الأولى الإعلام وكانت لها وسائلها الإعلامية البدائية، منذُ وجود الإنسان على الأرض ومن أيام الكهوفِ والقبائل البدائية، حيث اهتدى الإنسان لذلك بفطرته لكونه كائنًا اجتماعيًا يحب تبادل الأخبار ضمنَ أُطر معرفته وظروفه، وازدادت حاجة الإنسان للإعلام بتقدم العصور، فكان ذا أثر بالغٍ في أماكن العبادة والتجمّعات. ومع مرور الأزمان و ظهور التلفاز ظن البعض أن دور الإذاعة سينتهي، ولكن بقيت الإذاعة في تطور مستمر، ثم ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات وأفلام وبرامج اليوتيوب، وظن البعض مجددًا أنها ستسحب البساط من التلفاز، ولكن لم يتم الاستغناء عن التلفاز إلى يومنا هذا..
والآن مع انتشار العديد من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وظهور”المواطن الصحافي” الذي يستطيع في لحظات كتابة خبر ونشره ليكون متاحًا للعالم، هل مهنة الصحافي على وشك الغيب؟ وهل دور الصحف خاصة الورقية منها على مشارف الانتهاء؟، استطلعنا آراء نخبة من الصحافيين والإعلاميين أصحاب الخبرة في المجال في المساحة التالية.
الصحافيون محبطون
في البداية تقول الدكتورة ناهد باشطح الصحافية السعودية والحاصلة على دكتوراة في الإعلام من جامعة سالفورد البريطانية، والرئيس التنفيذي لمؤسسة أبعاد لصناعة المحتوى الرقمي: لا يمكن لمهنة الصحافة أن تنتهي، كل ما في الأمر أنها تحولت إلى صناعة وتغيرت أدواتها التقليدية، فمن يهوى الصحافة لن يتركها في الوقت الذي تطورت أدواتها وباتت تحمل الجديد بشكل سريع. أما بالنسبة إلى الصحافيين الذين تركوا المهنة فيما يبدو أتوقع أنهم محبطون، لأن مهنة الصحافة في مجتمعنا صعبة، حيث انها غير منظمة وأحيانًا لا يوجد الأمان الوظيفي بها، وهناك بعض من زملائي يعملون في القطاعات الحكومية أو الأهلية وبالتالي، فهم يقتربون أكثر من مهنة العلاقات العامة، وبالتالي أعتقد أن قطاع الصحافة بحاجة إلى وقفة جادة من وزارة الإعلام.
ضرورة التطور
وترى سارة العتيبي مشرفة النشر الإلكتروني بصحيفة عكاظ وماجستير صحافة إلكترونية أنه: من المستحيل أن تنتهي مهنة الصحافة، وإلا كانت أغلقت أقسام الصحافة والإعلام في الجامعات، وبالعكس هناك إقبال كبير من الطلاب للالتحاق بأقسام الإعلام والصحافة، وبالتالي أصبح هناك ضخ كبير لسوق العمل في مجال الصحافة والإعلام، وما يحدث الآن ليس مؤشرات على انتهاء المهنة، بل على ضرورة التطور أوالتحول أو التكييف مع المستجدات الراهنة . ووضع المؤسسات الصحفية أثر بها عوامل اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية، أثرت على حجم سوق الصحافة والإعلام في العالم أجمع . وأيضا تأثير تلك العوامل امتد إلى جميع المجالات من بنوك وشركات ومصانع وغيرها من مجالات العمل. ويبقى التأثير الأكبر على مجال الصحافة مقارنة بغيرها من المجالات الأخرى.
الصحف الورقية
وتضيف العتيبي أن: تسرب الصحافيين من المهنة قد يعود السبب إلى اعتماد أغلب الصحافيين على مصدر دخلهم من الصحف الورقية اعتماد كلي، وحين جاءت الصحف الإلكترونية والنشر الإلكتروني بالإضافة إلى السوشيال ميديا أثرت تلك الوسائل على سرعة بث الخبر . وبالتالي أي صحافي كان يعمل وفق الطريقة التقليدية التي تعتمد على التصوير والتسجيل ومن ثم العودة إلى الصحيفة لكتابة الخبر ويمضي الخبر إلى مراحل النشر التقليدية قد صار في مأزق. وبالتالي باتت المهنة تحتاج إلى الصحافي الشامل الذي يجيد جميع المهارات الصحفية من تغطية الخبر وكتابته وصياغته، والتصوير للخبر في أسرع وقت. ولا ننكر أن هناك صحافيين تركوا مقاعدهم وانتقلوا إلى مجالات أخرى بسبب الأزمة التي تواجه المؤسسات الصحفية في الآونة الأخيرة، والتي تسببت في الاستغناء عن بعض الصحافيين، أو انتقال البعض الآخر إلى مجالات عمل أخرى أكثر أمانًا من الناحية الاقتصادية.
نصائح للاستمرار
وأتمت سارة العتيبي: لن يكون لمهنة الصحافي انتهاء، وبالتالي ليس هناك بديلًا عنها، وهي باختصار شديد عبارة عن تحولات وتطورات؛ فمن يجيد التحول ويستطيع مواكبة التغيرات واكتساب مهارات جديدة في التكنولوجيا وسرعة بث الخبر ذلك الصحافي الذي سيستمر. وأنصح الصحافيين لعدم خسارة وظائفهم وتكملة مسيرتهم المهنية أن يكون لديهم سرعة التعلم والتكيف وامتلاك مهارات جديدة واتقان التكنولوجيا ومحاكاة الأحداث بشكل سريع، وفي المقابل الحفاظ على المصداقية ورصد آراء الشارع والمواطن بدقة .
وضع المؤسسات كارثي
ويقول الإعلامي خالد دراج: بداية الصحافي لايتعلق كمسمى وظيفي بالصحافة الورقية فقط، فكل من يعمل في الحقل الإعلامي المرتبط بالحدث فهو صحافي، سواء كان صحافي تلفزيوني في قناة إخبارية أو صحيفة ورقية أو إلكترونية. وعلى الصعيد الشخصي فقد أعددت بحثًا منذ 5 سنوات ووضعت به مؤشرات حدوث أزمة قادمة للصحافة الورقية السعودية، ليس فقط بسبب تراجع الصحافة الورقية في العالم، بل لعلمي أن المؤسسات الصحفية السعودية لم تكن تسير بالشكل الأنسب والأمثل مقارنة بما يحدث في العالم، وكنت أعني هنا استشراف المستقبل، وللأسف غالبية الصحف السعودية إن لم تكن جميعها كانت تعمل على المدى القريب، ولم تكن تعمل بشكل ذو رؤية للمستقبل كما حدث مع العديد من الصحف في العالم، وذلك لا يقتصر على الصحافة السعودية فقط، بل أيضًا الصحافة الخليجية والعربية بشكل عام، فالصحف لم تكن تتوقع أن تصلها الازمة، وهذا خطأ جسيم من إدارات الصحف؛ لأنه يفترض أن تكون هي المسؤولة عن التخطيط الاستراتيجي لهذه المؤسسات وصناعة أذرع استثمارية داخل المؤسسات، وكذلك الاستعداد المبكر لصناعة العمل الصحافي الحديث، حيث أن الصحافة الإلكترونية لم تبدأ منذ 5 سنوات بل بدأت فعليا عام 2000، وما يحدث الآن في المؤسسات الصحفية هو وضع كارثي وأزمة حقيقية فعلية وهنا أتحدث عن المؤسسات الكبرى، وهذا يعني أن الوضع المالي أصبح حرجًا جدًا؛ مما اضطر بعض المؤسسات إلى اخلاء مبانيها الرئيسية وتأجيرها إلى جهات حكومية وشركات قطاع خاص، وأيضًا أزمة تأخير صرف المرتبات التي تجاوزت الـ 3 أشهر وربما أكثر.
ويتابع دراج: أما الشق الآخر وهو هجرة الصحافيين فذلك يعود لاستشعارهم بالخطر، والبحث عن مصادر رزق في وسائل إعلامية أخرى، وبعضهم اتجه إلى مؤسسات حكومية في الادارات الإعلامية بها، إلى جانب أن هناك حملة ضخمة للأسف تمت لإقصاء ما يقارب 50% من جهاز التحرير في مؤسسات كبرى .
تغيير وسائل وأساليب
ويؤكد دكتور فهد آل عقران رئيس تحرير جريدة المدينة أن: الصحافة ستتغير وسائلها، بسبب تنوع التقنيات واختلاف الأسلوب في التعاطي مع وسائل الإعلام، ولكن كمهنة ستكون باقية. وبالفعل هناك بعض الصحافيين الذين تركوا المؤسسات الصحفية وبأعداد كبيرة للأسف الشديد. ويعود ذلك لعدة أسباب منها؛ السيولة المادية لدى المؤسسات الصحفية أصبحت قليلة جدًا، وبعض الصحافيين لم يستطيعوا مجاراة التغييرات الحاصلة في المهنة، وأعتقد أنه في المرحلة القادمة مع تواجد وزير الإعلام الجديد ” تركي الشبانة” وتواجد رؤية إعلامية جديدة، نأمل أن تعود المهنة لوضعها الطبيعي بأسلوب حديث، وبالفعل هناك مؤسسات إعلامية وصحفية بدأت تغير من منهجها حتى تتواكب مع المعطيات الحديثة.
خسارة صحافيين مهنيين
ويضيف دكتور فهد آل عقران: أما بالنسبة للإعلاميين أو الصحافيين الذين تركوا أماكنهم في المؤسسات الصحفية، فقد توجهوا إلى أقسام العلاقات العامة في الوزارات والهيئات الحكومية، ولكن ذلك ليس حلًا . فهناك مجموعة من الصحافيين الموهوبين ولديهم إضافة كبيرة للإعلام والبلد، ومن المؤسف خسارتهم بتلك الطريقة حيث أن هناك نوعيات موهوبة وأقلامها رائعة، وحينما تتجه إلى العلاقات العامة لا تقوم بدورها الإعلامي الذي يثقل موهبتهم.
ويختتم رئيس تحرير جريدة المدينة قائلًا: لن يحل مكان مهنة الصحافة أحد، فما ينشر من أخبار على مواقع السوشيال ميديا هو ليس بخبر صحفي وليس هو عمل استقصائي حقيقي، ولكن مجرد نقل للخبر كتناول المعلومات والأخبار عبر المجالس الاجتماعية .
منافسة الإعلام الجديد
وبحسب الإعلامية والكاتبة مها عقيل: مهنة الصحافي لن تنتهي ولكن ستختلف طريقة العمل. فالصحافة هي توثيق ونقل ونشر الأحداث والأخبار، وستبقى الحاجة لدى الناس لمعرفة ما يجري حولها ولذلك ستبقى الحاجة للصحافي، ولكن الذي سيتغير هو الوسيلة التي يتم بها نقل ونشر الأخبار. أي أنه قد تنتهي الوسيلة الورقية ولكن لن تنتهي المهنة نفسها، لأن هناك وسائل حديثة أسرع وأكثر انتشارًا. وحتى لو أن هذه الوسيلة سمحت بأن يصبح أي شخص ناقل للمعلومة، ولكن يظل الصحافي المهني هو صاحب المصداقية والجدية في الصياغة والتحري عن المعلومات. لذلك على الصحافي أن يواكب التطورات في مجال الأعلام ويطور مهاراته وقدراته لكي لا يجد نفسه خارج السياق.
وتضيف مها عقيل: أما الذين يتركون مقاعدهم في المؤسسات الصحفية فهناك عدة أسباب. منها شخصية ربما لم يتمكنوا من تطوير أنفسهم، أو وجدوا فرصة عمل ومجال آخر بدخل أفضل وأكثر استقرارًا، فمن عيوب العمل الصحافي المردود المادي المتدني نوعًا ما وقلة الأمان الوظيفي، نظرًا لما تمر به المؤسسات الصحفية حاليًا من منافسة شرسة من الإعلام الجديد وعدم قدرتها على تطوير آليات العمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *