من جيل الأوائل إن لم تكن رائدة في مجالها؛ بدأت عندما لم يكن الطريق ممهدًا، قبل 55 عامًا انطلق صوتها عبر أثير إذاعة الرياض ليدخل قلوب وبيوت السعوديين؛ تلك هي نوال بخش الإعلامية والإذاعية، التي كرمها أمير منطقة مكة المكرمة خلال فعاليات معرض جدة الدولي للكتاب على مشوارها الإعلامي الطويل.
تحمل المسؤولية
نوال بخش التي لمع صوتها خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، عبر برنامجها “البيت السعيد”؛ البرنامج الأكثر شهرة عبر إذاعة الرياض؛ التي انتقلت إليها بنت الحجاز وهي لا تزال طفلة صغيرة في ظروف عائلية صعبة مع والد مقعد وأم أنهكها العمل على ماكينة الخياطة؛ لتوفر لقمة عيش كريم لأبنائها الخمسة تقول بخش عن تلك الأيام :”تسلمت مسؤولية المنزل وقمت بأعمال المنزل من التنظيف والطهي، وأنا لا أزال طفلة لم أتجاوز العاشرة؛ فيما تفرغت الأم للعمل وتوفير المال لسد رمق العائلة، وعلاج والدي المقعد”.
وعمل مبكر
في عام 1964، انطلقت إذاعة الرياض في أول بث لها، ودخلت العمل الإعلامي وهي بعمر 12 عامًا، لتبدأ رحلة إعلامية؛ متنقلة عبر برامج متنوعة منها البرنامج الحواي بين البنت وأبيها عن شهر رمضان، والذي توافق مع افتتاح الإذاعة في تلك السنة.
بدأت العمل الإذاعي وعمرها 12 عامًا.. لتبدأ رحلة إعلامية عبر برامج متنوعة
فيما يظل أشهر برامجها “البيت السعيد” و”سلامات”، على الرغم من أن أجور العاملين في الإذاعة حينها لم تتجاوز 15 ريالًا للبرنامج الواحد، ليتم رفعها إلى 50
ريالًا بعد التماس قُدم للملك فيصل في تلك الفترة، لتؤكد نوال أن :”تلك الأجور كانت مقبولة في تلك الفترة بسبب بساطة الحياة وعدم تعقيدها”. وهي التي بكت يوم تقاعدها واصفة تلك المرحلة بأنها مرت كـ “لمح البصر” قائلة :”فقدت شيئًا ثمينًا لا يعوض”.
الانتقال للتلفزيون
العديد من المواقف لنوال بخش جمعتها بشخصيات فاعلة في المجتمع السعودي؛ أبرزها تلك القصة التي أوصلتها للمغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز، تقول بخش: “بعد مسيرتي في الإذاعة قدمت برامج في التلفزيون، وبدأت ضجة بوجود بنت سعودية تقدم في التلفزيون مع بداية ظهوره بالسعودية بين عام ١٣٨٥ هجرية حتى بداية التسعينيات الهجرية”.
طرد من جميع المدارس
وأضافت :”كنت أكمل دراستي في معهد المعلمات، وكان هناك تشدد في تلك الفترة، وحينما ظهرت في التلفزيون بدأ الناس يتكلمون عني. حينها ورد خطاب لمديرة المعهد في تلك الفترة وكانت من الجنسية العراقية ونص الخطاب (تفصل نوال بخش من المعهد وتقفل جميع مدارس رئاسة تعليم البنات أمامها)، فكان خطابا صادمًا”.
وأوضحت بخش أنها أخذت ملفها من المعهد، وتوجهت إلى والدتها وأسرتها، تقول: “كنت حزينة مكسورة. فذنبي الوحيد أني أقدم برامج في تلفزيون بلادي”، حينها علم مدير التلفزيون فوزان الفوزان فاقترح عليها عرض مشكلتها على الملك فيصل وولي عهده الأمير خالد بن عبد العزيز، وبالفعل توجهت لمقابلة الملك، وجلست بانتظار دخولها على الملك فيصل حتى تم الإذن لها.
طالبة بـ”قرار ملكي”
وتصف نوال بخش دخولها المرتبك على الملك فيصل في غرفة شعبية صغيرة جدًا في منزل شقيقته الأميرة العنود بالقول: “كنت أقترب حتى توقفت بالقرب من الملك فيصل، لم أنطق بكلمة. عندها سألني الملك وأخبرته بقصتي. وقال لي: “سأتوسط لك عند الشيخ ناصر الراشد وانتي راجعي المعهد بعد 3 أيام”.
وأشارت نوال إلى أنها شعرت بالخوف والارتباك الكبير من شخصية الملك فيصل الحازمة، ليلتفت إليها الأمير خالد ولي العهد مبتسمًا، ويقول لها: “انتي اللي طلعتي بالتلفزيون”. لتنسحب من المجلس الملكي البسيط، والذي يتكئ فيه الملك وولي عهده إلى جوار شقيقتهما، وهي تعدّ لهما القهوة والشاي بنفسها، في صورة قالت إنها بقيت محفورة في ذاكرتها.
وعادت “نوال” إلى المعهد، حيث وصل خطاب إعادتها مع تعهد بعدم الظهور في التلفزيون، تقول: “عدت للدراسة إلا أني لم أكمل، توقفت وذهبت مع زوجي للدراسة كمبتعثين”.
زوجة طموحة
تزوجت الإذاعية نوال بخش في سن الـ 15 من ابن الجيران “صالح المليك”، تقول بخش:”ذهبت مع زوجي للدراسة في الخارج، ودرست اللغة والأدب في جامعة كامبريدج، وبقينا 10 سنوات ولم أنقطع عن الإذاعة، حيث كنت أتوجه لها لتسجيل بعض البرامج بين فترة وأخرى، حتى عدت مرة أخرى وأكملت تعليمي في معهد المعلمات، ومن بعدها أكملت الجامعة”.
وتتذكر نوال بخش عودتها من بريطانيا للرياض بعد 10 سنوات مع بداية عام 1396هـ، تقول: “هنا كونت أسرتي حيث رزقت بعبد العزيز وهو الآن طبيب يكمل تعليمه في كندا، ويتخصص في طب الطوارئ والحالات الحرجة، ونوف طبيبة متخصصة في صعوبة النطق والبلع، ونجود وفيصل”.
