تحقيق

هل ذهبتِ إلى البقالة اليوم؟

البقالة
جدة- أميمة الفردان

 

قديمًا كان “الدّكان” وبمرور الوقت تطور ليصبح “البقالة”؛ المحل الصغير الذي لا تخلو منه حارة أو حي، جميعنا مشينا إليها في صغرنا، دون أن يكون هناك أدنى حرج أو شبهة في دخولنا لها، نتجول في ممراتها الضيقة، وتعلو وجوهنا فرحة لا يتقاسمها معنا أحد، مأخوذين بقراطيس البطاطس الملونة، وأعواد الحلوى الخشبية المصفوفة على طاولة البائع، وأكواب الآيس كريم التي تملأ الثلاجة، ناهيك عن أنواع الشوكولاتات، التي يزدان بها “دكان عم بُنية” الرجل الطاعن في السن صاحب اللحية البيضاء وعصاه التي تتصدر مقعده في الدكان، والجاهزة للاستخدام في حال حاول أحدنا إساءة الأدب برمي شيئ من المفرحات المصفوفة في دكانه؛ تلك هي الصورة التي لا زالت تسكن ذاكرة هالة يماني في طفولتها عندما كانت لا تتجاوز الـ 7 أعوام.

نزهة يومية

تحكي هالة قصة عن أيام الدكان قائلة:”مشوار الدكان كان النزهة اليومية لنا عندما كنا صغارًا، في العصرية فترة ما بعد الظهر، في الحارة القديمة، كنا نخرج وكأننا ذاهبين لأرض الأحلام ونحن نحمل في قبضة يدنا ريالًا واحدًا؛ كان يكفل لنا التمتع بمفرحات عم بُنية، رغم صوته العالي وغضبه الحاضر مع عصاه، إلا أن ذلك لم يمنعنا من الشراء، عندما كان الآيس كريم بنصف ريال وقالب الشوكولاتة بالنصف الآخر، ونخرج نمشي على مهل في الطريق دون خوف؛ لأنه لم يكن في خارطتنا الذهنية حينها ما يسمى بالتحرش أو الخطف أو غيرها من كلمات الرعب اليوم”.

هالة يماني: مشوار الدكان كان النزهة اليومية دون خوف

حنين للطفولة

البقالة التي عادة ما تزدحم بالرجال، إلا أنها تشكل علامة فارقة عند السيدات، بل هي قصة غرام ومكان أثير لا يكاد يمر يوم دون التبضع منها، رغم وجود السائقين والتوصيل الإلكتروني، بالإضافة لخدمة التوصيل من قبل العاملين فيها؛ إلا أن دخول البقالة يشكل حدثًا مختلفًا لدى الفتيات والسيدات وهو الأمر الذي وصفته سوسن أحمد بأن: “البقالة ببساطة مكان يجذبني إليه الحنين لأيام الطفولة وبراءتها، لذلك أحب الذهاب إليها والشراء منها؛ أحيانًا لا تكون لدي حاجة حقيقية سوى عيش ذلك الشعور”.
من جهتها آلاء مصطفى تجد أن موضوع الذهاب للبقالة وبعيدًا عن شعور متعة تبضع المفرحات منها، هناك واقع أن “صغر مساحة البقالة الذي يساعد على عدم إضاعة وقت طويل في تحديد الاحتياجات، الأمر الذي يساعد على شد الحزام عوضًا عن التبضع من السوبرماركت بمساحته الكبيرة، والإغراء الذي تشكله الخيارات الكبيرة داخله وتشجع الرغبة في الصرف والشراء”.

آلاء مصطفى: صغر المساحة يساعد على عدم إضاعة الوقت

البقالة و جمعة البنات!

لا تأتي نهاية الأسبوع دون أن يلتم عقد البنات، في واحدة من تلك الجمعات، ليس مهمًا أن تكون النميمة حاضرة أم لا، لأن كل واحدة منهن مشكلة بحد ذاتها فيأتي الحديث عنها من باب الفضفضة، التي يتوازى حضورها مع مفرحات البقالة برفقة القهوة وفناجين الشاهي، ولهذه الجمعات قصص كثيرة تختلف في التفاصيل وتجتمع في المضمون؛ إحداها ما ذكرته كوثر باقطيان عن عشقها للبقالة؛ التي ربطتها بها وبالعاملين فيها على مدى أعوام علاقة وطيدة، لدرجة جعلت منها واسطة قوية لأفراد عائلتها؛ في حال تمنع أحدهم عن الدفع لأي سبب.

سوسن أحمد: مكان يجذبني إليه الحنين للطفولة وبراءتها

“تطبيق سليم للتوصيل”

وتضيف:”عادة أقوم بجمع صديقاتي في نهاية الأسبوع، ولأن جمعاتنا تتسم بعدم الكلفة والبساطة في كل شيئ؛ وقبل وجود تطبيقات التوصيل؛ وفي ظل عدم وجود سائق حينها، كان عامل البقالة “سليم” هو الوسيلة الوحيدة لتلبية طلباتنا مقابل 5 ريالات عن كل طلبية أجرة المشوار من البقالة إلى منزلي حاملًا الأكياس”؛ وتضيف ضاحكة :”كنّا نستخدم تطبيق سليم لتوصيل البقالة”.
مشروع فعلي وتستطرد كوثر باقطيان قائلة :”في ذلك الوقت قبل ان ينتشر الوعي بالمشاريع الصغيرة والبزنس، كنت من باب الضحك والسخرية مع الصديقات أقول لهم إنني يومًا ما سأكون صاحبة بقالة، واليوم أنا فعليًا أعمل على هذا المشروع لأخدم سكان الحي الذي أسكن فيه؛ لأنني أعرف أهمية وجودها، وأتمنى أن أتمكن ليس فقط من إدارتها؛ بل الوقوف بها وإدارة عملية البيع والشراء”.

كوثر باقطيان: فعليًا أعمل على المشروع لخدمة سكان الحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *