الحوار

«النغيمشي»: لا أؤمن بالموهبة لكن الشغف و الممارسة يـوصلان للاحتراف

حوار- آمال رتيب
“النغيمشي” فنان برؤية وهوية متفردة٬ إيقاع الخط العربي يأخذه إلى آفاق أبعد من مجرد لوحة صماء٬ فخلال الرسم يستشعر متابعيه في اللقاءات الحية التي يقدم فيها عروضًا فنية٬ ليست تشكيلية فحسب إنما إيقاع يملأ الأرجاء حيوية وبهجة، ولعل أكثر ما يلفت النظر لـ “النغيمشي” في البداية ” قبل اكتشاف قدراته وإبداعه الكبير” هي “المكنسة” التي يرسم بها٬ ويضطر أحيانًا إلى تهذيبها ليصل بها إلى الشكل الذي يريده٬ ويرجع استخدامه لها بأنها؛ تساعده في سرعة الإنجاز في الرسم على المساحات الكبيرة.
إبداع وتمرد
فإذا كان الخط العربي يعتمد جماليًا على قواعد خاصة تنطلق من التناسب بين الخط والنقطة والدائرة، وتستخدم في أدائه فنيًا العناصر نفسها التي تعتمدها الفنون التشكيلية الأخرى، كالفراغ والكتلة، ليس بمعناها المتحرك ماديًا فحسب بل وبمعناها الجمالي والروحي٬ الذي ينتج حركة ذاتية تجعل الخط يتهادى في رونق جمالي مستقل عن مضامينه ومرتبط معها في آن واحد، لكن هذا لا يمنع تفرد كل فنان وتميزه رغم تخليه عن ذاته في التماهي مع تعبيرات الخط، وهو ما أكده الفنان “النغيمشي” الذي يبدع ويتمرد في آن ليحيي مدرسة الابتكار ويكسر “تابو” التقليد من خلال حرف وربما كلمة.
بدايات
“النغيمشي” فنان خط عربي من مواليد العام 1982، ومصمم جرافيكس متخصص بالهوية وفنان جرافيتي، يقول في تعريفه عن نفسه: «أبحث عن روح الحرف العربي بالتجربة»، وبداياتي في عالم الخط العربي كانت من المراحل التعليمية متأثرًا بمعلمي للخط العربي ناصر الحربي.
معارض
شارك في عدد من المعارض المحلية في مدن المملكة، وأخرى في الدول العربية٬ ثم كانت الانطلاقة عبر مبادرة “جسور” التي نظمها مركز ” إثراء”٬ في 10 معارض في عدد من الولايات الأمريكية٬ منها هيوستن ونيويورك وواشنط٬ وسان فرانسيسك٬ وكولورادو٬ وكلها كانت عروض مباشرة أمام جمهور الحضور٬ وليست فقط مجرد لوحات٬ وتم اقتناء لوحة للمعرض الدائم في ” إثراء”.
موهبة

ورغم أن كل المتابعين للنغيمشي يؤكدون على موهبته المتفردة٬ إلا أنه لا يعترف بالموهبة٬ ويقول: «لا أؤمن بما يسمى موهبة»! ٬ ولكن هناك ممارسة وشغف أتتبعه٬ فحب العمل وكثرة ممارسته يصل إلى الاحتراف٬ أما الكسالى والفاشلين فقط هم من يقولون أن الموهبة تستغرقهم وتبتعد بهم عن الاحتراف٬ ولكن هذا الطريق يتطلب جهدًا كبيرًا لمن لديه شغف٬ يكرر ويثابر حتى يصل.
الرسم الإيقاعي
أكد النغيمشي أنه بالفعل يتعمد الأداء الحركي أثناء رسم لوحاته٬ كما يعمد إلى الرسم المباشر أمام الجمهور٬ ويقول: هذا الأسلوب من التحديات التي أعبر بها عن فني٬ والعرض الأدائي مهم بالنسبة لي٬ ويختلف من معرض لآخر٬ وكل أسلوب بما يكون مناسبا للعمل٬ ولكن في مجملها تكون حركات تلقائية دون أي إعداد مسبق٬ فهي ” الفوضى الخلاقة” التي تفسح المجال للإبداع.
مكنسة ودهان
من التحديات ومميزات أسلوب النغيمشي في الوقت نفسه؛ تلك “المكنسة” التي يرسم بها٬ وأوضح أنها ليست فرشاة دهان٬ ولكنها مكنسة يضطر أحيانًا إلى تهذيبها ليصل بها إلى الشكل الذي يريده٬ حيث تساعده في الإنجاز السريع خاصة في الرسم على مساحات كبيرة.
” هي” المفضلة

حروف كلمة “هي” كانت مسيطرة على كثير من لوحات النغيمشي، ويفسرها بقوله: أعني بها “أمي” وما مرت به من معاناة، كنت قريبًا جدًا منها وأشعر بمعاناتها، وكلما كتبت كلمة” هي” مرت بخيالي ذكرياتي معها٬ فأترجمه إلى تشكيل أو لون بحسب الموقف، وكذلك كلمة فن وحب، وأحيانا أكتب على صور وأعيد تشكيلها بشكل جمالي، وأستخدم الأبيض والأسود كثيرًا خاصة الخلفية السوداء والكتابة بيضاء، ولي فلسفة خاصة في البحث عن روح الحرف العربي بالتجربة٬ تمامًا مثل أشعة اكس، وكذلك استخدام الألوان الذهبية والفضية لكن لا أفضل استخدام الألوان بكثرة لأني اعتقد أن فيها خدعة بصرية للمتلقي.
الخط المسند
ويضيف: في مرحلة سابقة كنت أعمل على تطوير الحرف العربي٬ ولكن الآن أريد الوصول بالحرف العربي إلى الهوية٬ فعندما نرى الحروف الصينية على سبيل المثال تتداعى إلى أذهاننا الثقافة الصينية٬ والحرف العربي كذلك لابد أن يشكل رسمه الهوية والحضارة العربية٬ فأصبح أحد اهتماماتي “الخط المسند” وهو الحرف الأول للكتابة العربية.
وهج البدايات
ويتفق النغيمشي مع الرأي القائل بأن الاهتمام بمعارض وفناني الخط العربي تراجع خلال السنوات العشر الماضية٬ ويفسر ذلك بأنه تراجعًا جماهيريًا٬ من حيث المعارض واقتناء اللوحات٬ وذلك لأن فناني الخط العربي الكلاسيكيين قبعوا عند مرحلة معينة ولم يحاولوا تطويره٬ في حين أن الخط العربي له أدواته ٬ والفنان ” وسام شوكت” يقدم تجارب مبتكرة٬ وكذلك الفنان العراقي” حسن مسعودي”٬ ونحن لم نعد نحتاج إلى كتابة واضحة أو تشكيل فني٬ إنما نحتاج إلى استخدام الخط كأداة تعبيرية للفن.
أسلوب خاص

ويؤكد أنه يحسب نفسه ضمن الفنانين المجددين للخط العربي٬ وله أسلوبه الخاص٬ ويقول: «أنا مؤمن أن كل فنان لابد أن يقدم رؤيته الخاصة٬ حتى يكون هناك تجديد٬ ولا نقف جميعا عند النقطة نفسها ».
ويضيف: أعتقد أننا حتى نحافظ على جماليات الحرف العربي في ظل استبداد التكنولوجيا٬ بأن كل فنان يطور من نفسه وأدواته وابتداع وسائل جديدة٬ وهناك تجارب لفنانين أحدهم يستنطق الحرف٬ كأن له صوت ومن ثم يكون ميله أو استقامته٬ وهذه تجربة عظيمة أن تسمع موسيقى الحرف٬ وليس أن تراه فقط.
فك الارتباط
ومن جملة التغييرات التي طرأت على الخط العربي الذي ظل مرتبطًا بتكوين الآيات القرآنية بصورة جمالية٬ أنه أصبح حروفًا حرة ٬ ربما لا تكون تشكيلًا ولا جملة٬ ويوضح ذلك قائلًا: هناك تغيير على هذا النمط منذ قرابة 50 عامًا٬ وزاد فك الارتباط مع ظهور الكمبيوتر والتايبو جرافيك آرت.
معرض أثري
ويضع النغيمشي حاليًا اللمسات النهائية على مشروعه الضخم – كما وصفه – الذي سيعرض في بقعة تراثية أثرية يصل عمرها لأكثر من 4000 عام٬ وسيكون مفاجأة بكل المقاييس.
أما المستقبل وطموحه؛ فيتمثل بأن يكون مصدر إلهام مثل الطبيعة وبمستواها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *