عمر كدرس اسم يكاد يكون منسياً في عالم الأغنية السعودية؛ إلا من ندرة من القامات الغنائية او المشتغلين بالوتر اللحني؛ ولأن كدرس لم يكن مجرد عابر طريق في مسار الأغنية السعودية؛ بل هو كما أطلق عليه «كدرس» موسيقي لا يمكن لك عبوره بسهولة؛ إلا ويجبرك على التوقف عنده لتستمع لترنيماته اللحنية الخارجة من عمق التراث الحجازي بكل خصوصيته والتراث العريق للموسيقى السعودية.
من هو عمر كدرس؟
عمر نوح الطالب الذي وقف امام السبورة؛ وسأله المعلم لماذا تقف كالدرس؟ لتلتصق الكلمة بموسيقار من الطراز الرفيع، عمر كدرس سائق الشاحنة اللذي عاش حياة بسيطة منذ ولادته بمكة المكرمة ونشأته بمدينة الرسول؛ ولم يكن يدور في حسبانه انه سيصبح احدى العلامات الفارقة في تاريخ الأغنية السعودية؛ بدأ كدرس مشواره الفني مع اللحن والوتر؛ من خلال احدى الأمسيات في بيت احد الوجهاء في مدينة البحر جدة؛ في احدى الصالونات الثقافية والفنية؛ وهو العازف للعود والكمان المولع بالغناء والدندنة لكبار مطربي ذلك الزمن من سيد درويش وعبد الوهاب والسنباطي وام كلثوم وغيرهم كثير؛ وهو الأمر الذي فتح له الباب واسعاً ليحصل على وظيفة بالفرقة الموسيقية لإذاعة جدة ليبدأ منها مشوار الإحتراف.
صوت كدرس!
بعيداً عن الأنامل الذهبية التي كان يعزف بها كدرس ويصيغ جمله اللحنية الرشيقة والعميقة؛ لتضرب على أوتار قلوب من يسمعها؛ كان الكدرس من الأصوات الشجيّة جداً؛ حينما يصدح بالغناء؛ إلا أن ذكاء الكدرس وحدسه أخبراه سلفاً أن الطريق ربما يكون الأسهل هو التلحين؛ بعيداً عن دخول حلبة منافسة مع صوت الأرض طلال مداح وان يكتفي بأن يكون طرفاً في صياغة حرب تنافسية لألحانه التي يتم تقاذفها بين المداح ومحمد عبده؛ لتنتهي تلك الحرب خفيفة الظل بالتعادل بين قمتي الغناء السعودي،
ويظل في النهاية توقيع عمر كدرس اللحني ظاهراً لا غبار عليه في تاريخ الأغنية السعودية مسجلاً بصوت قيثارة الشرق المداح وفنان العرب محمد عبده؛ إلا أن ذلك لم يمنع محبي الكدرس من الإستمتاع بصوته الرخيم؛ من خلال اداءه لبعض الأغنيات منها «ليلة خميس» لمحمد عبده التي قام بتلحينها؛ واغنية يا سارية خبريني، وفيما يظل فنان العرب صاحب النصيب الأكبر لألحان الكدرس حيث قام الأخير بتلحين مجموعة من أجمل أغاني عبده منها «العقد» و»ردي سلامي» واغنية «البعد طال والنوى» و «لي ثلاثة أيام»،
إلا أن ذلك لم يمنع المداح من توقيع ثلاثة الحان بصوته منها أغنية من الفلكلور السعودي يا سارية خبريني و «زل الطرب» و»يا موقد النار» والأغنية الأشهر التي كان السعوديون يبدأون صباحهم بها «وردك يا زارع الورد». ورغم أن الكدس لم يُكتب له ان يشتهر عربياً؛ بعد أن واتته الفرصة ليقوم بالتلحين لكوكب الشرق ام كلثوم في قصيدة «أقبل الليل»؛ بسبب تأخر السنباطي في تقديم اللحن؛ إلا أن الأخير استقبل السيدة ام كلثوم بعد عودتها من جدة إلى القاهرة ليضع اللحن بين يديها جاهزاً لتتغنى به؛ ما فوت على الكدرس الفرصة؛
لكن ذلك لم يوقف عمر كدرس عن صياغة ألحانه؛ وتسجيلها بالصوت العربي الوحيد صوت الجبل ويع الصافي في اغنية تم تسجيلها للإذاعة السعودية «ما شفت ابهى من طلت يا أبها».
لماذا غُيّب الكدرس عن ساحة الغناء السعودي؟
تغييّب الكدرس بدأ على يديه هو شخصياً؛ عندما كان يقوم ببيع ألحانه لأنه فقط على حد قوله كما ورد في أحد اللقاءات التلفزيونية التي تحدث فيها الملحن جميل محمود عن الكدرس بقوله «بدي أعيش»؛ الأمر الذي لعب دوراً كبيراً في ضياع كثير من ألحانه في ذاكرة الأغنية السعودية؛ وظل اقل القليل من تلك الأعمال اللحنية حاضرة بحضور من تغنى بها أكثر من حضور الكدرس نفسه؛ إلا في ذاكرة معارفه ومحبيه؛ لتظل سارية الكدرس تتساءل لعل من يخبرها عن سر التغييّب!