وقال عزيز محمد: إنني لا أتفق تماما مع القول بأن هناك حالة تأثر بأدب فرانز كافكا، نعم هناك بطل الرواية الذي يحبه، لكن الحب لا يعنى التأثر.
ورأى عزيز محمد أن الميول الشخصية أو التفضيلات في بحر القراءة لا تنعكس بالضرورة على نبرة الكتابة، مضيفا “وقد تجد نفسك تكتب على نمط كاتب لم تحبه كما ذكر البعض أن أسلوب المدعو ك قريب من بعض روايات مورا كامى الذي لا يستظرفه، إلا إذا افترضنا بنفس المنطق أن “كافكا على الشاطئ” هي رواية كافكوية لمجرد أن اسمه مذكور في العنوان مثلاً.
وعلى عكس المتوقع، وفقا لما جاء من إشادات كثيرة حول إعجاب القراء برواية “الحالة الحركة للمدعو ك”، وقدرة عزيز محمد على الإلمام بتفاصيل مرض السرطان، فاجئ الجميع حول كيفية تمكنه من هذه التفاصيل قائلا: أحد مرضى السرطان أخبرني أن الرواية كانت شحيحة في عرضها لتفاصيل العلاج، كأنى تجنبت أن أفضح عدم درايتي به، وممرضة متخصصة في العناية المركزة نبهتني إلى تفاصيل من الرواية لا تتفق مع خبرتها العملية؛ هذه مجرد أمثلة توضح لك مدى نسبية الحكم على تلك التفاصيل. لكنى أعتقد أن المسألة يجب أن تتجاوز كم التفاصيل والجهد البحثي وحتى الاتكاء على التجربة الشخصية، فحتى تفاصيل التجربة الشخصية تفشل في أن تبدو صادقة أو مؤثرة إذا لم تظهر من الزوايا الأشد شفافية والأكثر اتساقاً مع طبيعة النص؛ هنا يكمن الفرق الدقيق بين الكتابة الأدبية والتوثيق السردي.
والتي يقول في جزء منها: «بضع لحظات صامتة مرّت، فيما راح الباب ينغلق على مهله. أخبرني بعدها أن عليَّ التفكير بجدية في العلاج الكيميائي، بنفس النبرة التي يخبرني بها أحدهم أنه حان الوقت لشراء حذاء جديد. كنت هادئاً، والطبيب هادئ، والغرفة هادئة، ودرجة الحرارة فيها مناسبة، وكان ثمة بخار يتصاعد من أكواب الشاي الورقية أمامنا. حملت الكوب إلى حجري وأطرقت إليه بسكون. عبر الشق السفلي للباب، كانت تصلني من الممر أصوات خافتة؛ نداءات لمرضى، وممرضات يتحركن بخفة في أزواج أحذية بيضاء، تلتصق خطواتها في البلاط. ومن منطقة أبعد قليلاً، أخذ يتردَّد بكاء صاخب لرضيع، حُقن بإبرة على الأرجح. حين عاد الطبيب يتحدث، كنت لا أزال ممسكاً بالكوب وقد ازداد سخونة بين يديّ. استغرقت في التحديق إلى داخل الكوب باهتمام، كما لو كان صوت الطبيب يصدر من هنا.»
وعلى الرغم من أن البعض رأى في نهاية رواية “الحالة الحرجة للمدعو ك” بعضا من الأمل، فإن عزيز محمد كان له رأى آخر، ألا وهو أنها نهاية “مادية بحتة”، مضيفًا: طبعاً بإمكان قراءة شاعرية أن تقرن رحيله بفكرة المكان الآخر التي توافق ما ذكره عن “صورة الفنان في شبابه” لجويس مثلاً، أو بإمكان قراءة متعاطفة أن تنسب التغيير الذى حصل له إلى نضجه بعد تجربة العناية المركزة والندم ونوبات البكاء إلخ، لكنى لا أملك شكوكاً بخصوص قدرة المال وحده على أن يجعلنا أكثر انفتاحاً وتفاؤلاً ورغبة في الحياة. إنه يوفر لنا رفاهية أن نكون متسامحين تجاه الآخرين وتجاه أنفسنا ويقلص أهمية فشل تجاربنا ويعوض طموحاتنا المحبطة، لذا لا يبدو أثر المادية سيئاً على شخصية المدعو ك في النهاية. إن قبوله بحياة الرفاهية الجديدة تلك هو تتويج لشعوره المتراكم بفقدان الأدب قدرته على التأثير ولتخليه أخيراً عن الكتابة