المشاهير

صاحب أشهر توقيع على العملة السعودية

محمد أبا الخيل

بقلم- آمال رتيب
هو شخصية اقتصادية استثنائية – كما وصفه أحد الكتاب يومًا-٬ مسيرة حافلة على مدى 42 عامًا، تقلد في أكثر من 20 عامًا منها منصب وزير المالية٬ يعتبر من الجيل الثاني الذين أسسوا معادلة التأصيل والتطوير في عالم الاقتصاد والمال، من الأشخاص الذين لم تغيرهم الشهرة أو المناصب، بل ثبتوا على المبادئ والقيم الأصيلة، وميزانهم للأمور لم تخدشه الألقاب والحظوات؛ إنهم كانوا مدارس قيادة، تخرّجت فيها نخب وخبرات وطنية مالية واقتصادية وإدارية وتعليمية ودبلوماسية رائدة؛ هو محمد بن علي بن عبد الله أبا الخيل.
عمل شاق 42 عامًا

ولد محمد أبا الخيل في مدينة بريدة بمنطقة القصيم عام 1351هـ الموافق 1932م، وزير المالية السعودي السابق٬ رجل خدم الدولة ملكًا ووطنًا زهاء (42) عامًا في مواقع لها من الحساسية والأهمية ما يجعل من يتبوؤها يجب أن يتحلى بصفات وسمات وكفايات ودراية وسياسة استثنائية.
أم الوزارات
يعتبر كثير من المؤرخين للتاريخ السعودي الحديث محمد أبا الخيل رائدًا من روّاد ورجالات الدولة، الذين قادوا ملحمة التوحيد والتأسيس، وفي وقت كانت وزارة المالية والاقتصاد الوطني السعودية «أم الوزارات»، كما كانت تُدعى منذ إنشائها بعد وزارتي الخارجية والداخلية عام توحيد المملكة 1932 وحتى نهاية فترته، جهازًا محوريًا ضخمًا يحتضن قطاعي المالية والاقتصاد، وقنوات الإيرادات والمصروفات والميزانيات، وصناديق التنمية والجمارك والإحصاء ومعاشات التقاعد ومعهد الإدارة العامة، ويمثل الحكومة في صندوق النقد والبنك الدوليين، وفي لجان التعاون الاقتصادي مع دول العالم، ويتعاون مع مؤسسة النقد في تنفيذ السياسة النقدية، وله أذرع تمثيل في معظم اللجان ومجالس إدارات الهيئات والمؤسسات الحكوميّ؛ بمعنى أن جميع خيوط التمويل تجتمع فيه، وكل مفاصل الإنفاق الحكومي وطرقه تمرّ من خلاله.
توقيع أبا الخيل

«كيف قدم أبا الخيل شهادة لصالح رؤية 2030 قبلها بسنوات؟»
حملت العملة السعودية (الريال) توقيع أبا الخيل، وهو على هرم وزارة المالية والاقتصاد الوطني، التي انتقل إليها بعد بضع سنوات قضاها مع الأمير سلطان في وزارة المواصلات، ثم رافق وزير المالية والاقتصاد الوطني الأمير مساعد بن عبد الرحمن، ويدين أبا الخيل للرجلين بالفضل ويعترف لهما بالأستاذية، وأصبح عام 1961 مديرًا عامًا مؤسسًا لمعهد الإدارة العامة الجديد آنذاك، فوكيل وزارة، ثم وزير دولة للشؤون المالية والاقتصاد الوطني عضوًا في مجلس الوزراء، فوزيرًا لها من عام 1975 حتى 1996، معاصرًا في وزارتي المواصلات والمالية حكم الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد، ومسجلًا في منصبه وزيرًا للمالية أطول مدة قضاها وزير في هذا المنصب “قرابة ربع قرن”، لم يقاربه في رقمه هذا إلا عبد الله السليمان الحمدان ود. إبراهيم العساف، وقد عمل خلال توليه الوزارة على توسيع أهداف صناديق التنمية العقارية والصناعية والزراعية والتسليف، وعلى متابعة برامج الميزانيات والإصلاح الإداري وتنظيم الأجهزة الحكومية وتوثيق العلاقات الاقتصادية الدولية.

حروب وسياسة
وقف أبا الخيل على أسرار بالغة الحساسية لوظيفته، في وقت كان يضج بالأزمات والتقلبات الاقتصادية والسياسية؛ الإقليمية والدولية٬ قيادة وسط مدارس اقتصادية متعددة، ووسط أزمات مالية عالمية ومحلية، بحاجة إلى عقليات متطورة ومتعددة المواهب والقدرات، حتى ترسو السفينة، أو يترجل منها ربانها، فخلال فترة وزارته، مرت المملكة والمنطقة بالعديد من المراحل، كان بعضها حلوًا والآخر شديد المرارة، مر بما أطلق عليه الطفرة النفطية الأولى التي أطلقت العنان إلى تنمية غير مسبوقة في البلاد، كما أنه شهد فترة الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، وما صاحبها من حروب وأزمات اقتصادية عصفت بالمنطقة؛ حرب أكتوبر 1973وحربا الخليج والأزمات المالية٬ فما تفوّه بتصريح غير مسؤول، بل كان نموذجًا لمسؤولين كثيرين يؤثرون الصمت، ولا يتكلمون إلا في حدود ما تقتضيه المصلحة العامة.
شهادة لرؤية 2030

«يدين بالفضل والأستاذية للأميرين سلطان ومساعد بن عبد الرحمن»
محمد أبا الخيل الخبير الاقتصادي في دلالات الأرقام، له رؤية أثقلتها التجربة، يرى أن الأزمة العالمية التي حدثت في عام 2007 مثلًا، نموذجًا للأزمات التي تتكرر في الاقتصاد، وأن الآثار التي تتركها على المملكة تتمثل في انخفاض أسعار النفط، وهي الرؤية التي قامت عليها رؤية المملكة 2030، في التخلص من الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل الوطني.
الاستفادة من الأزمات

كما أنه يرى أن قيمة الأزمات التي تمر بها الدول تتمثل في مقدار الاستفادة من دروسها، إذ يعتقد أن الأزمات أكسبت دول الخليج توجهات إيجابية بعد أن جعلتها أكثر تحفظًا في معاملاتها المالية، وأصبح الرأي العام مدركًا لأهمية الرقابة على المؤسسات المالية، كما أنه يرسم صورة أجمل للعالم من خلال المعالجة الصحيحة لجوانب النمو الاقتصادي والنظام المالي والرقابة ودعم الدول النامية، الذي يرى أنه سيضع العالم في وضع أفضل وسيجعل ممارسات اقتصاد السوق أكثر أمنًا.
ويؤكد أبا الخيل أن معالجة الاختلال في الاقتصاد العالمي بشكل صحيح سيبني علاقات اقتصادية سليمة ومتوازنة بين دول العالم، ويرى أن تأثر دول الخليج بالأزمات الأخيرة كان الأقل، لأن الدروس المستفادة لما حدث في العالم جعلها أكثر وعيًا وحذرًا، وأثبتت أنها تستطيع تجاوز أزماتها في فترات محدودة.
أعلام بلا إعلام

«صاحب أطول مدة قضاها وزير في وزارة المالية»
وصفه المقربون بأنه الحافظ لعهوده، المحافظ في طباعه، والمتحفّظ في سمته وسماته، المنظم في وقته وغذائه ورياضته، والواصل لرحمه في محيط أقاربه، والوفي مع من عرفه، والمتوازن في حياته الأسرية مع ابنة عمه، وابنيه وبنتيه وأحفاده، فكان بيته خيمة العائلة، ومرآة لشخصيته؛ لا صخب فيه ولا تباهٍ، ولا شيء من شطحات البطر والإسراف، أو نزعة من التوتر ونقل الكلام بين المعارف، وفي صالون ندوته الأحديّة الذي يرتاده عارفوه، لا يطير الوقت فيه بأجنحة من سقط القول وترديده، بل ملتقى فكري ودودٌ راقٍ، وهو محوري في نقاشه، كما في المنتديات الرسمية والإعلامية، ينتقي العبارة، ويتقن الشرح والتحليل بروية واقتدار، في حديث هادئ، لا يرفع فيه صوتًا، ولا يستعجل فيه ردًا، ولا يتلعثم فيه تعبيرًا، ولا مكان فيه لضمير المتكلم إلا ما ندر. وفي ذلك يقول الدكتور عبد الرحمن الشبيلي في كتابه (أعلام بلا إعلام) ويقصد محمد أبا الخيل :«إن الرجل هو نموذج لا يحب أن يتحدث عن نفسه، ولا يرغب من معارفه أن يتحدثوا عنه، فضلًا عن أن يسمع من أحد إطراءً أو تبجيلًا، وهو ما يفسر خلو الصحافة – عبر عمره الإداري – من أي مادة تصب في هذا السياق».
إلمام بالأنظمة

وتميز محمد أبا الخيل بذهنية حاضرة وذاكرة وقّادة وإلمام بالأنظمة والقرارات الملكية والوزارية السابقة لعهده بوزارة المالية، حتى أن كثيرًا ممن عمل معه يذكر ذلك بإعجاب، ويعزو بعضهم ذلك لطبيعته الحذرة من الوقوع في الخطأ والحرص على المال العام، فهو يدرك أن وزارة المالية هي نهاية المطاف لكثير من معاملات الدولة، وبالتالي هي البوابة الأخيرة للتدقيق وحماية أموال الدولة، وهذا الأمر جعل لوزارة المالية هيبة وحسابًا، فبات كل من يتعامل مع الوزارة يتأكد ويدقق في معاملاته قبل أن تصل وزارة المالية، استدراكًا لما يمكن أن يكشف من سهو أو خطأ.
مذكرات مؤجلة
جرّب النشر من خلال مجلة متخصصة، وخاض غمار “البستنة” الخاصة، وخرج منهما مقتنعًا بأن عشقه للاقتصاد والإدارة، هو المستحكم بميوله.
يُلح عليه محبوه لكتابة سيرته الحياتية والوظيفية، واستخراج مكنون ذكرياته ومذكراته، ولتدوين تجربة نجاحات الكرسي وإخفاقاته، لما يرجونه من وراء نشرها من فوائد ودروس للأجيال الحالية والقادمة، ولدارسي الإدارة والاقتصاد، ولكي يستفيد التنفيذيون القائمون على مرحلة التحول الوطني من خبراته المتراكمة.
كان أصدقائه وتلامذته ومحبوه يشيرون إلى نماذج لسير ذاتية كتبها سابقوه ممن هم في مثل وضعه، ترفع فيها أصحابها عن حديث مباشر عن الذات، أو بوح بالخصوصيات، وعن سرد معلومات لا تضيف للقارئ قيمة، ولا للمعرفة نفعًا، يستحثونه السير على خطاهم، لكنه، بعدما أفرغ فصولًا منها، ما زال متحفظًا مترددًا، خشية أن يزلّ القلم بسر لا يَجب البوح به، أو أن يستطرد فيما ليس فيه نفع للقارئ، أو أن يأتي بما لا يرتفع إلى قِيَم ضميره وتوقعات قارئيه، وفي هذه المواقف، يتجلّى مرة أخرى سدادُ الرأي ورجحانُ العقل، في غمرة اندفاع الكثيرين في كتابة سيرهم الذاتية، ولا نجد أنسب من هذه المساحة؛ كي نبثَّه رغبة ملحة في تحقيق هذا المطلب العزيز على النفوس، ومن حوله إخوة يشدون بشغف من أزره، ويُمِدونه بما قد يكون غاب عن ذاكرته من تفاصيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *