بقلم: د. رائد بن أمين كردي
علم الهندسة في عمومه هو علم التخطيط القائم بداية على الإلمام بكل التفاصيل وجمع المعطيات وتحليلها، وتكوين فكرة شاملة عن كل صغيرة وكبيرة داخل المحتوى، ومن ثم ترتيب خطوات التعامل حسب هذه التفاصيل، والتي منها المساحات والكميات والأدوات المستخدمة وتفاصيل ما يعرف بعامل المقاومة والاستناد وغير ذلك، وهذه العمليات الدقيقة للغاية يلجأ لها المهندس عادة ليصل إلى نسبة خطأ تكاد لا تتجاوز الصفر، فالهندسة هي علم الإتقان الذي يستبعد منهجية التجربة ويعزز منهجية الحقائق .
الأسرة هي ذلك المكون الأساسي للمجتمع، والذي بدوره يبني كل شيء يخص الحياة، من الدين والاقتصاد والسياسة والعاطفة، وهذا المكون بداية يتم تأسيسه من قطبين أساسيين وهما الرجل والمرأة، ولذا عندما نتحدث عن مفهوم الهندسة الأسرية لا بد لنا من التوقف برهة من الزمن لجمع المعلومات والبيانات والتفاصيل للمكونات التي ذكرناها في مطلع هذا المقال، وبما أننا تحدثنا عن عوامل أخرى يستوفيها المهندس عادة في عمله، والتي تمثل البيئة الخارجية للعمل حتى يتمكن من الوصول لنسبة الإتقان المطلوبة، فالبيئة الممطرة بشكل مستمر قد نتجنب فيها بعض الخامات التي لا تتناسب معها في البناء، وهنا يبدأ دور مهندس الأسرة، فالرجل والمرأة كونهما قطبي التأسيس لا يعني أن اتساقهما وانسجامها سيجعلنا نغفل العوامل البيئية الخارجية، والتي تتلخص في البعد الاجتماعي – الثقافي – المادي – الفكري – النفسي .
إن بناء حياة أسرية لا يختلف عن بناء بيت أو تصميم برنامج حاسوبي أو تطبيق على أحد الهواتف الذكية، لأن المسألة تتطلب منا مهارة عالية لتحديد المخرجات المتوقعة، وتحقيق الأهداف المطلوبة، ولكن الفارق ههنا أن ثمة معطيات خفية قد لا تظهر مسبقا، لذا وجب التعامل معها بسرعة التدخل لتصحيح مسارها وتقويم منتجها .
الهندسة الأسرية ليست اختراعًا حديثًا ولا ابتكارًا من العدم، هي خبرات موجودة مسبقًا ومعلومات راسخة، لكنها لم تجد عادة من يتقن التعامل معها .
فمن خلال معطيات الدين الإسلامي الحنيف تم ترسيخ قواعد كثيرة كلها تعنى بالهندسة الأسرية:
( هُن لباس لكم وأنتم لباس لهن )
( وجعل منها زوجها ليسكن إليها )
( تخيروا لنطفكم )
( تنكح المرأة لأربع .. )
( إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته )
كلها قواعد هندسية لبناء حياة آمنة، ولكن الهندسة لا تتوقف عادة عند مرحلة البناء والتأسيس، بل هي تمتد لتكون عامل الصيانة والسلامة، والذي يعزز عامل الوقاية، ويقوم بشكل تلقائي باستبعاد المشكلات من حياة الناس، ثم يأتي دور الإصلاح، والتغيير أحيانًا لبعض القطع التالفة، أو بعض الجزئيات التي لم تعد تتواءم مع هذا الكيان، كذلك عامل التطوير والتحديث والذي يشمل التحديث باتجاه المنظومة نفسها، والتحديث المواكب للبيئات الخارجية .
كتبت هذا المقال ليكون تمهيدًا لوجود مدرسة الهندسة الأسرية، والتي تعتمد التخطيط الفعّال في بناء الحياة الأسرية، والعمل الدؤوب من أجل إصلاح الشروخات فيها، وكذلك وضع أصول حرفية لاتخاذ القرار المناسب حيال هذه الحياة، وسأحاول بمشيئة الله التعامل مع كافة المشكلات التي تعرض علي من خلال هذه النافذة، وأسأل الله التوفيق والسداد .