تعتبر صناعة الأفلام على اختلاف أشكالها، إحدى الأدوات التي يستخدمها الصُنّاع لتوثيق لحظات تاريخية معينة من وجهة نظرهم، أو تسليط الضوء على إيجابيات وسلبيات معينة ؛ وفقا لرؤى سياسية أو مجتمعية، أو محاولة الوصول لمقاربة للواقع كما يراه الصانع.
ومنذ بداية فن السينما ، تسعى حكومات العالم والعديد من الأجهزة لإبراز صورتها الحسنة على الشاشة، وتزييف أو تجاهل أمور ، حتى تضمحل وتختفي عبر الزمن، ذلك إما بأدواتها التمويلية أو الرقابية أو الإعلامية أو بعرقلة تنفيذ بعض الأعمال الإبداعية ٬ وبهذا تُستخدم السينما والإعلام بشكل عام لإيصال أفكار وتكوين صورة ذهنية معينة عند المشاهد أو لدحض اتهامات والترويج لأفكار ورؤى مغايرة.
المملكة بمرمى الاتهامات
ولم تكن المملكة بعيدة بأي شكل من الأشكال عن مرمى الاتهامات في عدد من الأفلام والوثائقيات٬ فمن أفلام تبالغ في إظهار جوانب من المملكة كأنها الصفحة الوحيدة في كتاب كبير، مثلاً ؛ لا تتناول إلا الحديث عن المرأة وإلزام كل من يعيش على أرض المملكة بعدد من التعليمات.
2012 عام التحول
اعتبارا من 2012 ، بدأ مؤشر الأفلام التي تتناول المملكة بشكل أو بأخر ، يأخذ منحنى جديد بظهور فيلم “المملكة في عيونهم”٬ الذي تناول نقطة مميزة لم يتم عرضها من قبل، وهي حياة غير السعوديين بالمملكة؛ هؤلاء الذين جاؤوا من أوروبا وأمريكا وآسيا لأغراض العمل، منهم من أعلن إسلامه بعد فترة ، ومنهم من ظل على قناعاته، يستعرض الفيلم بنظرة موضوعية كيف تحولت حياة هؤلاء الأشخاص، وكيف عانوا في البداية كي يندمجوا مع المجتمع السعودي ، وفق ما يرونه من قيود جديدة مفروضة عليهم، وكيف انصاع بعضهم للأوامر جبرا حتى لا يتعرض للعقاب أو الطرد من المملكة، وكيف استغنى بعضهم عن حريات شخصية من أجل تسيير الأمور.
السعودية بعيون 5 أجانب
يعرض فيلم “المملكة في عيونهم”٬ حياة 5أجانب من جنسيات وثقافات متعددة، يستقر بهم الحال على أرض المملكة٬ ما الذي أعجبهم؟ وما الذي صدمهم؟ وكيف يلخّصون تجاربهم ويحكونها بأنفسهم، عن بلد ظروف الحياة فيه مختلفة تماماً عما اعتادوا عليه في بلادهم؟.
هؤلاء الـ 5 منهم مَنْ اعتنق الإسلام ومنهم من بقي على دينه٬ هم مجموعة من الأسر والعائلات الأجنبية من أوروبا وأمريكا وآسيا٬ ممن عاشوا في المملكة منذ مدة طويلة٬ يسلط الضوء على حكاياتهم ومحاولتهم الاندماج في المجتمع السعودي، وتكوين علاقات وصداقات مع مختلف الجنسيات والثقافات في كل من جدة والرياض والظهران، كما يُسلِط الفيلم الضوء على حياتهم العملية والأسرية والمشاكل التي قد تواجههم٬ والإيجابيات التي حصلوا عليها بجانب رؤيتهم لمستقبل حياتهم وأولادهم، ورؤى مختلفة حول بعض الأمور الاجتماعية في العصر الحديث.
الأفلام تروج صور ذهنية للدول والشعوب
واقع البلاد يعيد الفيلم للذاكرة
إن كان هذا ملخص الوثائقي “المملكة في عيونهم”٬ إلا أن ما تشهده المملكة من طفرات ونزع فتيل التشدد الذي كان٬ يعيد هذا الفيلم الذي تم انتاجه قبل 6 سنوات إلى ذاكرة الشعوب٬ خاصة مع ما يبذله سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من إعادة تعريف العالم بالمملكة٬ وما يحمله الإسلام من إيمان بالتعددية وقبول للآخر.
تمت صناعة الفيلم دون تعليق صوتي، فضيوف الفيلم هم خير من يتحدث عنهم٬ اختير الفيلم للعرض الأول في مهرجان الخليج السينمائي في مدينة دبي 2012 ، وتم اختياره كذلك في مهرجان “هوبوكن” السينمائي الدولي في ولاية نيوجرسي بالولايات المتحدة الامريكية عام 2012.
وثائقي الـ “12 طالباً”
وبالعنوان نفسه”المملكة في عيونهم”٬ صنع 12طالبا من قسم التسويق بكلية الإدارة بجامعة الملك فهد للبترول٬ فيلماً وثائقياً أظهر تجارب واقعية بصورة صادقة وصريحة لأجانب عاشوا في المملكة، وعبروا خلاله عن رؤيتهم للمجتمع السعودي من الداخل ، في مقاربة مع الصورة الذهنية المسوقة عن المملكة والسعوديين في الإعلام والسينما بالدول الغربية وبلدانهم الأصلية.
الفيلم أظهر المملكة بشكل جديد في أعين الآخرين، اختصر تجارب المغتربين من عدة جنسيات مختلفة في السعودية ، كانت تحمل أفكار ذات طابع جمالي لم يتحدث عنه الإعلام الغربي٬ واعتمد الفيلم على تجارب وافدين من دول عدة عاشوا لسنوات في السعودية٬ فالأفكار المغلوطة عن المجتمع السعودي في الخارج٬ دفعت 12 طالباً في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لعمل حملة تسويقية لإنتاج فيلم وثائقي عكس نظرة الآخرين عن حقيقة ما يشاع عن السعودية.
الواقع يتغير بسرعة
ويعتقد صنَاع الوثائقيات أنها ترصد واقع معين في وقت انتاجها٬ إلا أن الواقع نفسه يتغير ، في ظل حركة وتطور الدول والشعوب ؛ فالمملكة في عيونهم قبل 6 سنوات ، بالتأكيد أنها تغيرت عن المملكة في عيونهم الآن٬ وستتغير في عيونهم بعد تحقق رؤية 2030 على أرض الواقع.