المشاهير

حمد الجاسر.. موسوعة ثقافية لا تزال تمشي على قدمين

بقلم – رانيا الوجيه
حمد الجاسر عالم وباحث وإعلامي سعودي مهتم باللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والأنساب، كان عضواً عاملاً في عدة مجمعات للغة العربية بعدة دول، عمل في قطاعات التعليم والقضاء والصحافة والنشر، أنشأ مؤسسة اليمامة الصحفية التي أصدرت مجلة اليمامة، كما أصدر جريدة الرياض ومجلة العرب، ودشن أول دار للطباعة في نجد عام 1955، كما أنشأ دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر.
أسهم الجاسر في الثقافة السعودية والعربية، وتميز بتنوع إنتاجه وعطاءه المعرفي والثقافي، ويمكن وصفه بالعالم الموسوعي، وتوزعت مؤلفاته بين مجالات عديدة؛ اللغة العربية والجغرافيا والتاريخ والرحلات والأنساب والتراجم والخيل، كما حقق الكثير من الكتب المهمة.
طفولة صعبة وبينية ضعيفة
ولد العلامة والإعلامي السعودي حمد الجاسر عام 1328 هجرية 1910 ميلادية، هو حمد بن محمد بن جاسر، من أسرة آل جاسر المنتمية إلى الكتمة من بني علي من قبيلة حرب، في قرية البرود من إقليم السر في منطقة نجد من أب فقير فلاح و له 3 اخوان، وقد نشأ العلامة والمؤرخ العظيم حمد الجاسر ضعيف البنية عليلاً، لم يستطع مساعدة أبيه في العمل بالفلاحة ، في وقت كان يعمل فيه سكان القرية جميعهم في زراعة الأرض، وبالتالي أدخله والده “كتّاب القرية”، حيث تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن ، ثم ذهب به أبوه إلى مدينة الرياض عام 1340 هـ ، فبقي عند قريب له من طلبة العلم يدعى عبد العزيز بن فايز، وتعلم قليلا من مبادئ العلوم الدينية والفقه والتوحيد، وعاد من الرياض بعد موت الرجل الذي كان يعيش في كنفه سنة 1342هـ، ولم يلبث أبوه أن توفي فكفله جده لأمه علي بن عبد الله بن سالم بعدما أصبح الجاسر يتيم الاب والام، وكان جده إمام المسجد في القرية، وصار يساعد جده في الإمامة ثم اشتغل معلما لصبيان القرية حتى سنة 1346 هـ.
مسيرته التعليمية
في عام 1346 هـ ذهب الجاسر إلى الرياض ، حيث استقر بها لطلب العلم على يد مشايخها، ، ثم جاءت المرحلة الزمنية المهمة في حياته، حيث ترك الرياض قاصداً مكة المكرمة حين ذهب لتأدية الحج سنة 1348 هجرية، وحينها أردا الاستقرار بمكة ليتخصص في دراسة القضاء الشرعي ، ناويًا ان يعمل في قطاع التعليم وليس القضاء، وبالفعل التحق بالمعهد العلمي السعودي؛ أول مدرسة نظامية تنشأ في العهد السعود، وبعدما ا انقطع عن العمل في المجال التعليمي ، أبدى رغبته في اكمال دراسته بالقاهرة، وبالفعل ابتعث الى هناك وكان اول طالب يلتحق بكلية الآداب التي كان عميدها الدكتور “طه حسين” رحمه الله قسم تاريخ وجغرافيا ، في وقت كان أغلب الطلاب السعوديين يبتعثون للالتحاق بالأزهر أو كلية العلوم فقط، لكن الظروف العامة ؛ بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية ، عجلت بعودة البعثة إلى السعودية
تفضيله التعليم عن القضاء
دخل العلامة ” حمد الجاسر” الى عالم الوظيفة ، مدرساً في منطقة ضبا وينبع وبين جدة والمدينة المنورة ، في ينبع تحسنت أحوال الجاسر ؛كان مديرا للمدرسة يتقاضى راتبا جيدا في ذلك الوقت 60 ريالا، وبينما كان يفكر في الاستقرار بينبع ، جاءه خطاباً ينص على أنه :”صدرت الإرادة الملكية بتعينكم قاضيا في مدينة ضبا وضواحيها”، في وقت لم يكن لديه الرغبة في ممارسة مهنة القضاء ، حيث كان يشعر أنه لا يصلح قاضيا لطباع شخصية يدركها في نفسه، وأنه يميل إلى العمل في قطاع التعليم ، أكثر من ميله إلى أي وظيفة أخرى، لكن بعد محاولات من التملص ، اضطر لاستلام عمله قاضيا في ضبا ، ومن ثم لم يجيد في عمله كقاض متعمدا ذلك لفصله من العمل، ليعود الى التعليم في إحدى المدارس الابتدائية في مدينة جدة ، ثم درَس في مناطق عديدة في المملكة العربية السعودية ، وشغل مناصب تربوية مختلفة، منها رئيس مراقبة التعليم في الظهران، ثم مديرا للتعليم في نجد عام 1369هـ.
دوره الثقافي و العلمي
كان الجاسر أول مدير لكليتي الشريعة واللغة العربية في الرياض اللتين كانتا النواة لإنشاء (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كما أنشأ أثناء إدارته للتعليم في نجد مكتبة لبيع الكتب هي مكتبة العرب التي كانت أول مكتبة عنيت بعرض المؤلفات الحديثة تحت إشرافه، نشر مقالات عديدة في الجرائد والمجلات العربية في موضوعات مختلفة أبرزها النواحي التاريخية والجغرافية ووصف الكتب المخطوطة ونقد المؤلفات والمطبوعات الحديثة، وكان عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في عمان ،وعضواً مراسلاً في مجمع اللغة العربية بدمشق ومجمع اللغة العربية في عمان والمجمع العراقي في بغداد والمجمع العلمي في الهند، كما كان قوة دافعه وراء النهضة التعليمية الحديثة في المملكة العربية السعودية ، حيث عمل أيضا في الصحافة والنشر وأنشأ “اليمامة” أول صحيفة في الرياض عام 1952 ، وتبعتها جريدة الرياض في عام 1976 ، وتلتها مجلة العرب وهي فصلية متخصصة في تاريخ وآداب شبه الجزيرة العربية، كما أنشأ حمد الجاسر أول دار للطباعة في نجد عام 1955 وفي عام 1966 أنشأ دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، كما قد أسهم بعمق في تحديد استراتيجيات مؤسسة الفرقان للتراث الاسلامي لصاحبها أحمد زكي يماني ،والتي كان عضوا مؤسسا للمجلس الاستشاري الدولي للمؤسسة.
أنواع مؤلفاته
تفرد حمد الجاسر بتنوع إنتاجه وعطاءه المعرفي والثقافي، ويمكن وصفه بالعالم الموسوعي، وتوزعت اهتماماته بين مجالات شتى؛ اللغة العربية و الجغرافيا والتاريخ والرحلات والأنساب والتراجم والخيل، كما حقق الكثير من الكتب المهمة، نعرض أهم أنواع الكتب التي ألفها، وبعضها الآخر التي حققها.
– كتب في المباحث اللغوية
أبرزها “نظرات في كتاب تاج العروس” و “ملاحظات على المعجم الكبير” بالاشتراك مع آخرين.
– وأخرى في الجغرافيا
أجزاء من “المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية” (مقدمة المعجم) جزآن، (قسم شمال المملكة) 3 أجزاء، (قسم المنطقة الشرقية) 4 أجزاء، (المعجم المختصر) 3 أجزاء.
– وثالثة في التاريخ
مثل “بلاد ينبع” و “مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ”.
– ورابعة في الرحلات
أبرزها “رحلات حمد الجاسر للبحث عن التراث” و “في الوطن العربي” و “إطلالة على العالم الفسيح” و “في سراة غامد وزهران” و “في شمال غرب الجزيرة” .
– وخامسة في الأنساب
أهمها “معجم قبائل المملكة العربية السعودية” جزءان، وكتاب “البرود” و”جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد” جزءان، و”باهلة القبيلة المفتري عليها”.
– سادسة في التراجم: “مع الشعراء “وتراجم لبعض الشعراء المجهولين، و”ابن عربي موطد الحكم الأموي في نجد”، وترجمة إبراهيم بن إسحاق الحربي في مقدمة كتاب “المناسك” الطبعة الأولى.
– وسابعة عن الخيل
نذكر منها “معجم أسماء خيل العرب وفرسانها” و “أصول الخيل العربية الحديثة”.
– ثامنا تحقيق العديد من الكتب
حقق حمد الجاسر العديد من أمهات وروائع الكتب؛ للحازمي ونصر الإسكندري وقطب الدين النهروالي والهجري والحسن بن أحمد الهمداني والوزير المغربي وابن فهد، وآخرين من إعلام المعرفة والثقافة
جوائز و تكريمات في حياته:
مُنح حمد الجاسر جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1404 هـ؛ لإسهامه وعطائه الزاخر من إثراء ميادين الفكر والأدب، كما نال وسام التكريم من مجلس التعاون الخليجي عام 1410 هـ، ووسام الملك عبد العزيز عندما اختير الشخصية السعودية المكرمة في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) عام 1415 هـ.
منحته جامعة الملك سعود الدكتوراه الفخرية عام 1416 هـ؛ لما قدّمه للساحة الثقافية السعودية من عطاء وافر متواصل، وما قدّمه للمكتبة العربية والإسلامية من إثراء تاريخي وجغرافي وأدبي ولغوي.
نال جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي عام 1416 هـ / 1996م.
وفاز بجائزة سلطان العويس الأدبية في الإمارات العربية المتحدة في مجال الإنجاز الثقافي والعلمي، عام 1416هـ،
نوال جائزة الكويت للتقدم العلمي عن كتاب “أصول الخيل العربية الحديثة”، عام 1416هـ.
•وفاته
انتقل الشيخ حمد الجاسر الى رحمة الله في يوم 16-6-1421هـ / 14-9-2000 م بعد حياة حافلة بالعطاء وقد عمت مشاعر الحزن كل محبيه على جميع المستويات داخل المملكة وخارجها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *