سليمان العيسى من أبرز الوجوه الإعلامية في السعودية ، انتظره السعوديون مع كل بيان هام للدولة ، وعرف بأوساطهم بـ “المذيع الملكي” و”صوت البشائر”؛ لأن إعلان أغلبية المراسم الملكية والأحداث المهمة كانت تنقل بصوته ، كما أنه كان مرافقاً في السنوات الأخيرة للبعثات الرسمية،
عشق العيسى العمل الإعلامي منذ الصغر، واعتذر في سبيل ذلك عن الابتعاث للسوربون ، وعن وظائف مرموقة وقتها ، بدأ بالعمل في جريدة الرياض ، ثم البلاد ، والجزيرة والدعوة، ، وبدأ مشواره مع التلفزيون مطلع التسعينات الهجرية 1391هـ ، كأول مذيع ومعلق رياضي في المنطقة الوسطى ؛ ثم عمل مذيعاً لنشرة الأخبار،
وناقل لأهم الأحداث والاحتفالات الرسمية ، شغل العديد من المناصب في التلفزيون، وفي سنواته الأخيرة عين مستشارا إعلاميا في وزارة الثقافة والإعلام ، ومستشارا بالديوان الملكي ، ثم رقي إلى درجة وزير دولة، تعود شهرة العيسى في بداية مشواره إلى برنامج (مع الناس) ، الذي كان يواجه فيه المسؤولين مع المواطنين بكل صراحة، وكان البرنامج الذي كان يعرض مساء يوم الأحد ،
حديث مجلس الوزراء في اليوم التالي، عمله المتفرغ في الديوان الملكي حال بينه وبين الاستمرار في ( مع الناس) ، انتقل العيسى إلى رحمة الله يوم الجمعة 19 ذو القعدة 1433هـ ، بعد معاناة مع المرض ، ومسيرة حافلة بالإنجازات ، نعرض في السطور التالية أهم محطاتها وذكرياتها.
عشق الإعلام منذ الصغر
كان العيسى عاشقاً للعمل الإعلامي منذ الصغر، وفي ذلك يقول في حوار منشور: ” رغبتي وعشقي للإعلام منذ المرحلة الإعدادية ، هو ما قادني إلى مهنة البحث عن المتاعب ، بدأت خيوط الموهبة وأنا على مقاعد الدراسة المتوسطة والثانوية ، لم أعان من رهبة الكاميرا في البداية، لأنني احترمتها منذ بداية ظهوري ، وأسعد لحظات حياتي حين أنجز عملاً ناجحاً، ، وتستمر سعادتي حتى في محيطي الأسري بين أفراد عائلتي”، وعن رفاق دربه الذين رحلوا يقول العيسى :” أحمل لهم في قلبي الحب، والدعاء أن يغفر الله لهم وأن يسكنهم في نعيم جناته، البعض لقوا تكريما يستحقونه، والبعض الآخر يستحقون فعلا مثل هذا التكريم”، كما يقر العيسى بفضل معلميه وأساتذته ، ويتذكر المربي الشيخ عثمان الصالح – يرحمه الله – إبان دراسته في معهد الأنجال آنذاك معهد العاصمة حالياً ، مؤكداً أنه : ” استفاد منه كثيرا”.
اعتذارات عن وظائف مرموقة
وأشار العيسى إلى أنه قدم اعتذاره للشيخ سعد الحصين لعدم ابتعاثه لدراسة القانون في جامعة السوربون بباريس ، بعد تخرجه من المرحلة الثانوية ، والتحق بكلية الآداب في جامعة الرياض آنذاك جامعة الملك سعود حالياً ، كما اعتذر عن العمل فيها بوظيفة معيد ، ويرجع ذلك إلى رغبته العمل في مجال الإعلام ، وأيضا اعتذر العيسى لوزير المعارف حسن آل الشيخ عن العمل في التدريس بعد تخرجه في الجامعة،
ويقول:”طلب مني العمل في الوزارة والاستفادة من نشاطي الإعلامي ، وصدر قرار بتعييني مشرفاً فنياً في رعاية الشباب ووزارة المعارف ، كنت أعمل صباحاً في الوزارة ، ومتعاوناً في الصحافة والإذاعة والتلفزيون في الفترة المسائية ، واستمررت في الوظيفة لمدة تزيد عن 4 سنوات ، بعد ذلك استدعاني وزير الإعلام إبراهيم العنقري – رحمه الله – حيث أكد أن الحاجة تستدعي تفرغي للإعلام ، وجرى نقلي من وزارة المعارف إلى الإعلام مديراً لقسم التنفيذ ، مما أتاح زيادة نشاطي في التلفزيون وقراءة نشرة الأخبار والمشاركة في مناسبات النقل الخارجي الحية والاحتفالات الرسمية”.
من الصحافة للتلفزيون
العيسى من مواليد 1365 هـ 1946م ، تلقى تعليمه الابتدائي حتى الثانوي بمدينة الرياض ، ثم حصل على بكالوريوس آداب قسم تاريخ من جامعة الملك سعود عام 1388هـ 1965م، بدأ عمله الإعلامي في جريدة الرياض ، ثم انتقل الى جريدة البلاد ، واكمل مشواره الإعلامي كاتباً ومحرراً في جريدة الجزيرة ومقدم صفحة «الجزيرة معهم» لمدة 8 أشهر، قدم بعدها زاوية «على الهامش» أيضا في الصحيفة نفسها، كما ترأس القسم الرياضي في جريدة الدعوة، بدأ مشواره مع التلفزيون منذ مطلع التسعينات الهجرية 1391هـ ، كأول مذيع ومعلق رياضي في المنطقة الوسطى ؛ حيث تخصص في إعداد وتقديم البرامج الرياضية في تلفزيون الرياض قبل أن يعمل بشكل رسمي في التلفزيون السعودي.
مذيع الأخبار المهمة
ويعد العيسى أحد أبرز الأعضاء الفاعلين في تأسيس لجان المعلقين الرياضيين في المملكة، تدرج في التلفزيون من معلق على مباريات كرة القدم إلى مقدم للبرامج، ثم مذيعاً لنشرة الأخبار، كما شارك في النقل الخارجي لأهم الأحداث والاحتفالات الرسمية كالجنادرية وغيرها، وشغل العديد من المناصب في التلفزيون؛ كان مديراً لمحطة تلفزيون الرياض ، ومستشاراً إعلامياً للبرامج ، ومديراً عاماً للتنفيذ ومشرفاً على المذيعين بالتلفزيون السعودي، وفي سنواته الأخيرة عين العيسى مستشارا إعلاميا في وزارة الثقافة والإعلام ، وأخيرا مستشارا بالديوان الملكي ، ثم رقي إلى درجة وزير دولة، وارتبط اسمه بالأخبار والأوامر الملكية، وقبل تقاعده تخصص في تقديم الأخبار البالغة الأهمية ، وكان ظهوره على الشاشة يعني أن هناك خبرا مهما سيذاع.
“مع الناس” بداية الشهرة
تعود شهرة العيسى في بداية مشواره إلى برنامج (مع الناس) ، الذي كان يواجه فيه مسؤولي بعض القطاعات الحكومية مع المواطنين بكل صراحة، قال عنه العيسى :” مع الناس عشت معه وعاش معي أحلى سنوات عمري، وقد عايشت هموم الناس وقضاياهم، وحقق البرنامج شهرة واسعة على مدى 25 عاماً ، وكان يلقى تشجيعاً ودعماً من ولاة الأمر و المسؤولين على كل المستويات ، بالإضافة إلى أنه حقق كثيراً مما طالب به المشاركون فيه ؛ نتيجة لتجاوب المسؤولين مع ما يطرحه المشاركون ، على اعتبار أنه نافذة صادقة وصريحة لنقل هموم الناس وقضاياهم داخل الجهات الحكومية ، ويتواجه من خلاله المسؤول مع قضايا المواطنين.
البرنامج حديث مجلس الوزراء
وأوضح العيسى أن عمله الإعلامي المتفرغ في الديوان الملكي حال بينه وبين الاستمرار في برنامج ( مع الناس) ، ويقول في هذا الصدد: “إن برنامج «مع الناس» الذي كان يعرض مساء يوم الأحد ، كان يتحدث عنه الوزراء في مجلس الوزراء في اليوم الذي يلي عرضه في التلفزيون”.
الصواريخ العراقية
ويتذكر العيسى ، ظهوره إبان أزمة الخليج لتحذير المواطنين من الصواريخ العراقية ، يقول : “كانت هناك لجنة طوارئ مكونة من الدفاع المدني وأنا أحد أعضائها ، وتم الاتفاق على وضع خطة متكاملة في توعية المشاهدين ، لكن مع وصول أول صاروخ عراقي لم نسر على تلك الخطة ، وحدث الارتباك وطُلب مني التواجد في الاستوديو بسرعة ، وحدث ما حدث من تحذيرات ، ربما أصابت البعض بالخوف، لكن الدافع كان الحرص على سلامة المواطنين”.
المذيع الملكي
انتظره السعوديون مع كل بيان هام للدولة ، وعرف بأوساط السعوديين باسم “” المذيع الملكي”” ، وصوت البشائر؛ ذلك أن إعلان أغلبية المراسم الملكية وإعلانات الميزانية العامة للدولة، والأحداث والاحتفالات الرسمية كانت بصوته الذي ترك بصمة في أذن كل سعودي.
مقالات وكتب
إبداعات العيسى متعددة ، بجانب العمل التلفزيوني له العديد من المقالات المهمة في الصحف المحلية، وأصدر كتابا بعنوان «من مدائن العقل»،وكان له كتابان تحت الطبع؛ الأول بعنوان «خالدون بدموع الحزن»، والثاني «نسمات تحت وسائد الليل»، وحرم العيسى هي مي بنت عبدالعزيز بن إبراهيم العيسى أستاذ التاريخ بجامعة الملك سعود.
العلاج بـ”الكي” في الطفولة
ويرجع العيسى الفضل في نجاحه إلى والده ؛ حيث رباه تربية فاضلة وغمره بحنان دافق ونصح رائع ، مما شكل شخصيته ودفعه للنجاح ، لذلك يعترف أنه بكى كثيراً في حياته ، إلا أنه شعر أن الدمع الذي تساقط من عينيه عند وفاة والده ، ما زال يتحجر حزناً في كيانه كله حتى الآن لفقد والده ، ويتذكر العيسى معاناته مع المرض صغيراً، وسهر والديه عليه ، وحمله من طبيب شعبي لآخر بحثاً عن العافية، حتى لو كان العلاج بالكي، الذي تذوق مرارته في أحيان كثيرة ، ويقول : ” رغم المرض الذي لازمني ، إلا أن والديّ لم يفقدا الأمل بالله ، حتى تجاوزت المرض بفضل الله ثم بدعوات والدي”.
خاتمة المسيرة
انتقل سليمان العيسى المذيع الملكي رجل الأخبار المهمة إلى رحمة الله مساء يوم الجمعة 19 ذو القعدة 1433هـ 5 أكتوبر 2012م، بعد معاناة مع المرض في مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة ، وكان العيسى أُدخل إلى العناية المركزة في المستشفى إثر جلطة في الرئة ، تعرض لها قبيل سفره للمغرب ضمن الوفد المرافق لخادم الحرمين الشريفين، ودفن في مقبرة العدل بمكة.