الفنان حسن دردير الشهير بـ” مشقاص” الشخصية الفنية صاحية الأعمال الخالدة ، حين يتردد الاسم سرعان ما تسترجع الذاكرة “مشقاص في كفر البلاص والأصيل ومحلات مشقاص للخدمات العامة”، وغيرها من الاعمال الفنية البديعة، اليوم يعاني الفنان القدير من المرض ، لكن تبقى روحه العذبة، وابتسامته تملأ وجهه البشوش، رغم ما ناله من عقوق الساحة الفنية السعودية ، وما قدمه من أعمال خلدته في وجدان السعوديين.
• الميلاد والشغف بالفن
ولد الفنان السعودي حسن دردير في 1 نوفمبر عام 1938، شارك وهو طالب في المدرسة عام 1947 في المسرح المدرسي، وبعد إنتهائه من الدراسة التحق بالعمل موظف في الجمارك بمدينة جدة، لعبت الصدفة دوراً في دخوله المجال الفني ، وشارك في عدد من الأعمال ، لكن كانت نقطة إنطلاقته الحقيقية حين أدى شخصية (مشقاص) بمسلسل (محلات مشقاص للخدمات العامة)، من أبرز أعماله أيضاً (الأصيل و نقطة ضعف).
• العمل بـ 3ريالات و6أرغفة
يقول حسن درديرعن حياته: نشأت في بيئة فقيرة، وبدأت حياة الكفاح والمسؤولية منذ الخامسة من عمري ، بعدما توفي والدي يرحمه الله ، وتركني أنا وأمي و5 إخوة ؛ ولدان وثلاث بنات ، كانت والدتي تعمل حتى ربتنا أحسن تربية، عملت “صبياً” عند نجار ، وبعدها عند صايغ ، ثم عند صاحب “عقل”، وكانت أجرتي 3ريالات يومياً، بعد ذلك عملت عند صاحب فرن يبيع “عيشاً” في سوق”الحبابه”، كنت أبيع العيش وآكل منه ويغلبني النعاس وأنام، وعندما يأتي الزبائن وأنا نائم يأخذون ما يريدون من العيش ويتركون قيمته في الصندوق ، وفي آخر اليوم يأتي صاحب الفرن ويعطيني أجرتي ؛ 3ريالات و6 أرغفة، ومن ثم التحقت بالكتاب حيث كنت أدرس في الصباح وأعمل عصراً، وعندما بلغت الـ 6 التحقت بالمدرسة الصناعية بجدة ، بعدما أقنعت الوالدة التي لا تريد أن أفارقها وأترك المدينة، واطمأنت بعض الشيء ، عندما أخبرتها أن السكن سيكون في المدرسة نفسها، وفي مدرستي”مجمع مدارس الملك سعود التعليمية”، كانت هناك أنشطة منها الأنشطة المسرحية.
• التمثيل والوظيفة
يواصل مشقاص سرد ذكرياته الجميلة ، وبداية ولوجه عالم التمثيل قائلاً: عام 1947م وفي مسرح المدرسة شاركت في مسرحية اسمها “حب المال”، وعندما لم يجدوا من يقوم بباقي أدوار المسرحية ، قمت بالأدوار الـ 4، بدعم الأستاذ سليمان مسؤول النشاط ؛ وهي أدوار البخيل والشحات والحرامي والعالم، والحمد لله توفقت في أداء الأدوار، وتخرجت في المدرسة عام 1955وتوظفت في المالية ، وانتقلت إلى الرياض، بعد موافقة والدتي بصعوبة ، وكان راتبي 420ريالاً.
• ورطة سببها الشغف بالموسيقى
عشق ” مشقاص” آلة القانون بعدما استمع أحد زملاءه في العمل يعزف عليها أغنية” يا ظالمني” لأم كلثوم، وبالفعل اشترى آلة قانون ليتعلم عليها العزف بـ 500 ريال وتعلم على يد زميله العازف ” مصطفى حموده” مقابل 200 ريال في الشهر، وبعد التشجيع قرر شراء عدة موسيقى كاملة، في وقت كان اقتناء أو شراء الآلات الموسيقية ممنوع، وكانت الكارثة عندما استلف قيمة الآلة الموسيقية ، على أمل أن يجلبها له صديق “عربي” من بلده، وبعد فترة ذهب ليسأل عنه في مقر عمله ، وليعطيه باقي المبلغ ، فعلم أنه سافر نهائيا دون عودة ، وكانت مصيبة بالنسبة لمشقاص؛ حيث استدان المبلغ من والدته واخوته الذين كانوا في انتظار ان يرسل لهم مصاريفهم، وبالتالي اضطر الى بيع القانون، واعتقد أن قيمته ستصل إلى 1500 ريال ، واعطاه لأحد الأصدقاء ليبيعه ، لكنه باعه بـ 300 ريال فقط.
• البداية بـ “العربية الفصحى”
بعد ان استقر دردير في مدينة جده وتوظف في الجمارك بقسم الاحصاء ، كان القسم قريباً من مبنى الإذاعة، وكان مغرماً بشخصية أبو عرام، وبالتالي التقى عام 1960″خالد زارع” في إحدى المناسبات ، وذهب معه إلى الإذاعة ، والتقى عباس فائق غزاوي مدير البرامج ، وكان معه توصية لـ”حسن الطوخي” كبير المذيعين للاشتراك في التمثيل، وبالفعل شارك في أعمال عديدة مع عدد من الممثلين منهم الأخوة يغمور ؛ عبدالرحمن وفؤاد ومحمد وغيرهم، وبدأ بتجسيد أدوار صغيره باللغة العربية الفصحى ، كما شارك في برامج للأطفال لـ”عزيز ضياء وماما أسماء “، وانسجم في حكاية مسلسل الأقزام والعمالقة، وشارك في “برنامج دنيا” من إخراج عباس فائق غزاوي وتأليف محمد طلق، ومسرحية بعنوان “عزومة لرحيمي” ، ومونولوج “العازب” وعرض على مسرح في الهواء الطلق .
• مشقاص والشهرة ولبنان ومصر
لكن تبقى شخصية “مشقاص وتحفه “علامتان فارقتان في مسيرته ، يشير دردير إلى أنهما منحتاه الشهرة ومحبة الناس، ولا يظن أن هناك فرصة لتكرار مثل هاتين الشخصيتين : ليس مدحاً ، لكن لما قمنا به ، ولتكاتفنا حتى حققنا بتوفيق الله شيئاً جميلاً ، وقدمت أنا وأخي لطفي زيني الذي كان في ذلك الوقت أعظم سيناريست سواءً في المملكة أو على مستوى الوطن العربي أعمال كثيرة منها اسكتش “عبارة طبيب”، وبعد ذلك أسسنا مسرح التلفزيون وكان معنا المخرج بشير مارديني وطارق ريري وعبدالعزيز أبو النجا وعبدالله باجسير وسعد الفريح، وكان أول مسلسل قدمنا للتلفزيون السعودي مسلسل”محلات مشقاص للخدمات العامة” تأليف لطفي زيني وجلال أبوزيد وبشير مارديني”،
كنت أنا مشقاص وسبأ باهبري “شقص” ، بعد ذلك انتقلنا إلى لبنان وأسسنا مؤسسة النهضة العربية للإنتاج الفني، وهي أول مؤسسة إنتاج في المملكة، ومن الأعمال التي قدمناها “فندق المفاجآت” بمشاركة المرحوم محمد بن علي سلطان، ثم “عمارة العجائب في تونس” من 34حلقة وهو عمل سياسي فكاهي اجتماعي من إخراج طارق ريري ، وشاركت في هذا العمل زوجتي الدكتورة سميرة سنبل، وكانت أول مشاركة لها في التمثيل ، وبعدها تركت التمثيل للدراسة وحصلت على الدكتوراه في التاريخ السعودي، بعد ذلك انتقلنا إلى مصر وانتجنا أعمالاً غنائية منها؛ “أغاني في بحر الأماني” بمشاركة محمد عبده ومشقاص وتحفة، وعمل آخر غنائي بمشاركة المرحوم طلال مداح هو “الأصيل” وأعمال أخرى شارك معنا فيها عمالقة الفن في مصر منهم محمود المليجي ومحسن سرحان وغيرهما.
• حكاية اللقب الأشهر
يكشف دردير سر شخصية ” مشقاص” قائلاً: في عام 1382هـ ، بدأ مدیر عام مدیریة الإذاعة الشیخ (جمیل الحجیلان) والشیخ (عبد الله أبالخیل) تنفيذ مسرح الإذاعة على الهواء ، ومن ضمن البرنامج اسكتش فكاهي اجتماعي بعنوان (عزومة لرحیمي) ، یحتوي على دور “خادم” ساذج وطيب القلب ، كلما اراد عمل خير ينقلب شرا، ،
وتم اسناد الدور لي، واقترح المخرج الاذاعي ” عادل جلال” أن يكون اسم الشخصية مختلفا ، وحينها تذكر ” الفنان لطفي زيني” صبيا صغيرا في الطائف يشبه تلك الشخصية ، كان اسمه ” مشقاص”، وتم اختيار الاسم ومن يومها اشتهرت بلقب ” مشقاص” الى هذه اللحظة ، أما من حيث معنى الاسم فهو العود الذي تعلق عليه قربة الماء في البادية ، والخشبة التي يدق بها الباب أيضا تسمى ” مشقاص”، وكانت تستخدم في الزمن القديم عند بناء الأحجار الصغيرة لسد ثغرات بين الحجر ، وأيضا وصلة “الزردة” أي الحديدة الصغيرة التي تظهر في رأس البندقية لتحديد الهدف تدعى ” مشقاص”.
• بشاشة رغم المرض والعقوق
اليوم يعاني الفنان القدير ” حسن دردير” من المرض، لكن تبقى روحه الحلوه بألف عافية وحيوية، وابتسامته تملأ وجهه البشوش، هو فنان جميل ناله العقوق من الساحة الفنية السعودية، رغم ما قدم لهم من أعمال خلدته في وجدان السعوديين.