تحقيق

العزاء تحول من مواساة إلى خدمة خمسة نجوم

جده – رانيا الوجيه
تحول الموت من عظة وعبرة وحزن إلى احتفاليات للتظاهر والتباهي واستعراض الثراء ، وتحولت مراسم العزاء من موقف للمواساة والدعم والتكافل بين الأهل والجيران والأصدقاء والمعارف إلى مناسبة اجتماعية لها طقوس غريبة ؛ تحرص النساء خلالها على ارتداء فساتين جديدة والتزين بمكياج خاص للعزاء والتحلي بأفخر المجوهرات ،
والحال لم يختلف كثيراً بالنسبة للرجال ؛ حيث جلب أفخم المقاعد والسجاد وتوزيع الشاي والقهوة والتمر وتقديم وجبات غذاء وعشاء من فنادق فاخرة ، وفي المجمل تحول العزاء إلى ” خدمة خمسة نجوم “،
مما يعد خروجاً على الشرع والعادات والتقاليد وفقدان للإحساس واستهانة بالحدث الجلل ، وهو ما يؤكده الشيخ سعود الفنيسان الأستاذ في جامعه الإمام وعميد كليه الشريعة بالرياض سابقا . مجلة “اقرأ ” تعرض مراسم العزاء في الماضي والحاضر، وتقدم تجارب شخصية للبعض عن غرائب تحدث في مناسبات العزاء ، وتستعرض التحليل الاجتماعي للظاهرة ورأي الشرع فيها في السطور التالية.
احساس مفقود
تقول خديجه مالك مستشارة العلاقات العامة إن العزاء تحول إلى مظهر من المظاهر الاجتماعية المكلفة ، يعد له العدة من ؛ تفصيل ملابس وعباءات خاصة بالعزاء على مدار أيام العزاء الـ 3، هذا ما نشاهده في مناسبات العزاء ، وتضيف مالك أن عائلة تعرفها توفي الوالد ، وكانت سيدات العائلة يلومن بعضهن بسبب مظهرهن وأن فستانين العزاء لم تصل بعد ،
ولايمكن أن يخرجن لاستقبال المعزيين دون ارتداء الفساتين الجديدة، وتؤكد مالك أن هذا السلوك أو التفكير يعبر عن فقد الاحساس بما أصابهن من فقدان والدهن، حيث سابقا كانت السيدات في مثل تلك الظروف يرتدين العباءة ويحرصن أن تكون ساده خالية من أي تطريز او زينة، والتوجه الى بيت العزاء دون الاهتمام بالمظهر أو الشكل الخارجي كما يحدث اليوم.
حوارات وعروض زواج
وتقول هبه مدهش مدير تسويق في شركة خاصة، إن العزاء انحرف عن الهدف الاساسي وهو مواساة أهل الميت، وأصبح الغرض منه الالتقاء بالصديقات والمعارف والحوارات الجانبية والهمسات الضاحكة، وأيضا بعض السيدات يذهبن للعزاء لالتقاط عرائس لأبنائهن، وهناك من يذهب لتناول ولائم العزاء، ومن جهة أخرى محزنة ومخزية بعض الفتيات يخصصن مكياج للعزاء حتى لايظهرن أمام المعزيات بوجوههن الطبيعية،
إضافة الى “الداعيات” اللاتي يتم طلبهن في هذه المناسبات إما تطوعا أو بمقابل مادي لإلقاء الندوات الدينية ، والتي يفترض أن تكون ندوه عظة وعبره للحاضرات ، لكن في الواقع يتم تداول موضوعات غير مجدية في تلك المناسبات، لذلك لابد أن يكون هناك احترام للموقف المأساوي الإنساني .
العزاء بالماضي والحاضر
الناشطة الاجتماعية شاديه غزالي توضح الفرق بين العزاء في السابق والحاضر قائلة، إن العادات والتقاليد لدى العائلات اختلفت في كل شيء ومنها مناسبات العزاء، التي فقد بها الاحساس بالألم والعظة والعبرة من الموت، حيث كان العزاء زمان أكثر حزنا و ترابطا بين الأسر، وكان الأقارب والأصدقاء والجيران يدعمون بعضهم ،
ويقفون مع أهل الميت من وقت الغسل الى آخر لحظه، وكانت السيدات من أهل الفقيد أو المعزيات يرتدين الملابس البيضاء البسيطة جدا ، التي تعبر عن مظاهر الحزن وليس كما نرى اليوم، وأهل الميت من السنة لا يشعلون النار أو الجمر في البيت ، ويكلف بذلك الاقارب والأرحام، ومن طقوس العزاء أن يقوم الأبناء والبنات بمباشرة المعزيين عكس ماهو اليوم من استئجار الخادمات ليقمن بذلك الدور العائلي .
بوفيه من أفخم الفنادق
وتتعجب غزالي من تفنن بعض العائلات أثناء العزاء في تقديم المأكولات وتجهيز بوفيه كامل يحتوي على كل مالذ وطاب، بعكس السابق حيث كانت جميع العائلات بمختلف الطبقات يكتفون بالأرز والحمص والعيش الحب، وتعبر غزالي عن صدمتها عندما ذهبت في إحدى المرات لتقديم واجب العزاء ورأت بوفيه قادم من أفخم الفنادق بمكة،
وفتيات يرتدين أفخم الملبوسات من الماركات العالمية ومكياج الفتيات المراهقات والشابات الصارخ ، الذي يدل على فقدان توجيه وارشاد أمهاتهن ، وكانت الأجواء مؤسفة للغاية وكأنها مناسبه للتنافس في الأوساط النسائية على أفضل مظهر وأجمل بوفيه وتناسوا هيبة ورهبة العزاء .
مكياج خاص بالعزاء
وتفجر أخصائية “الميك اب” ميسون الرمال مفاجأة بأن مكياج العزاء متواجد في الصالونات ،دون رصد هذه الخدمة في قائمة أسعار الخدمات منعا للإحراج ،ولكنها خدمه مطلوبة بين السيدات والفتيات، وتبلغ قيمتها 200ريال، ويتضمن مكياج العزاء استخدام الألوان الترابية والهادئة، ورموش خفيفة ، ويعتبر تصحيح للبشرة أكثر من كونه مكياج كامل، وتضيف الرمال أنه بالفعل هناك بروتوكلات للعزاء ، وهناك من يتمسك بالعادات والتقاليد ، وهناك من خرج عنها ،
وتختلف من منطقة لأخرى ؛ في منطقة الحجاز يرتدي أهل الميت الزي الأبيض ليتم تميزهن عن المعزيات ، وكلا على حسب مدى القرابة، ولا تقتصر مظاهر العزاء الغريبة على المكياج فقط ، بل هناك الأكثر إزعاجا ؛ حيث تتعمد بعض السيدات ارتداء أغلب المجوهرات اللامعة في العزاء.
ومائدة رحمن للرجال
يرى المهندس وائل باداود أن تحول مراسم العزاء عند النساء إلى تخصيص مكياج للعزاء والاستعراض بالمجوهرات وارتداء الماركات العالمية صاحبه تحول أيضا بالنسبة للرجال ، حيث تحول العزاء من مواساة الى موائد ، مما يحمل أهل الميت أعباءً كبيرة ، فضلاً عن توزيع القهوة والشاي والتمر ، بل البعض يوزع المعجنات على المعزيين ، وبعد كل هذا يقدمون وجبة العشاء ، ويضيف باداود أن هذا السلوك يخالف ما كان عليه أسلافنا وما وصى به النبي ،
وهو أن الجيران وأصحاب أهل المتوفي هم من يقومون بواجب الإطعام لأهل الميت ، حيث قال عليه الصلاة والسلام حينما استشهد جعفر في القتال:( ابعثوا لأهل جعفر طعام فقد أتاهم ما شغلهم)؛ أي يكفيهم مصيبتهم فهم في حال لا يستطيعون أن يعدوا الطعام في بيتهم من حزنهم فقوموا أنتم بإرسال الطعام لهم ، وينوه باداود إلى أن بعض المعزيين ينتقدون أهل الميت إذا لم يقدموا طعام العشاء ، ويتساءل : أهي مواساة أم مائدة رحمن؟.
موت وخراب ديار
ويقول المستشار الإعلامي عمر جستنيه ، إن العزاء أخذ مظهر الاحتفالية ووضع اهل الميت في مأزق ما بين موت وحزن ومعازيم وشخصيات يجب أن يُرحب بهم الترحيب اللائق ويقدم لهم وجبتي الغداء والعشاء، ولا نستطيع أن نعمم على جميع العائلات الخروج عن العرف في مراسم العزاء ، لكن لا نستطيع ان نغفل أن نسبة كبيرة ركبوا الموجه في تغيير عادات وتقاليد العزاء في مجتمعنا ،
وأصبح هناك انتقاء في الكراسي والسجاجيد وجلبها من أفخم الأماكن والاضاءات المبالغ بها، وتنحي أبناء أهل العزاء عن مباشرة خدمة المعزيين واستقدموا عماله مستأجر أو شركات خاصة لتقوم بهذا الدور، وهناك عزاء تجهز فيه ولائم تكفي 200 شخص وأكثر ، وأغلب المعزيين لايراعون ازدحام المكان ويأتون للجلوس وانتظار العشاء ، مما يسبب تكدساً كبيراً بين المعزيين، ويشير جستنيه إلى أن الواجب أن يأتي المعزي لتقديم المواساة والانصراف بعد بضع دقائق وليس ساعات ؛ فالغرض هو التخفيف عن أهل الميت وليس زيادة العبء عليهم.
خروج عن الشرع
ويؤكد الشيخ سعود الفنيسان الأستاذ في جامعه الإمام وعميد كليه الشريعة بالرياض سابقا ، أن الغرض من العزاء في الشرع هو المواساة لأهل الميت وأقاربه والدعاء للميت ولا يحتاج إلى ما يفعله الكثير من الناس ، الذين خرجوا به إلى مخارج غير شرعية؛ من حيث ما يتعلق بنصب المخيمات والجلسات الفاخرة لفترات طويله جدا وإطعام المعزيين بجميع أنواع الأطعمة ، رغم أن السنة هي انشغال أهل الميت بحزنهم ، وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:« اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ» وبالتالي يستحب لأقرباء الميت وجيرانه أن يصلحوا لأهل الميت طعامهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *