“بابا عباس” الذي ذاعت شهرته أواسط الستينات؛ بعد أن بدأ حياته الإذاعية وهو لايزال يدرس في المرحلة الثانوية؛ عندما اكتشف قدرته على كتابة القصص القصية؛ ليتسنى له تقديمها عبر فرصة اتاحتها له الإذاعة السعودية؛ في العام 1950م؛ مع رفيق دربه الأستاذ جميل الحجيلان.
عباس فائق غزاوي الديبلوماسي الذي صقله العمل الإذاعي؛ عبر سلسلة برامج ربما كان اشهرها برنامجه الذي قدّمه للطفل بالتزامن مع برنامج “بابا طاهر” ليتبعه بسلسلة برامج لا زالت تحفظها ذاكرة الإذاعة منها البرنامج الإجتماعي الذي ناقش خلاله قضايا اجتماعية من خلال حوارات تمثيلية؛ فيما اطل على المشاهدين عبر الشاشة الصغيرة ببرنامج يتيم “ندوة التلفزيون”.
وعلى مدى عقدين من الزمان تدرج فيها الغزاوي في العمل الإعلامي مقدماً للبرامج وتارة ادراياً بارعاً ؛ حيث كان له قصب السبق عندما انتقل مبنى الإذاعة من مكة المكرمة إلى جدة ؛ ليتمكن من إحداث قفزة نوعية لللإذاعة في عصر الإنفتاح والإصلاح الداخلي في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله؛ بعد أن تم اقرار تعليم المرأة وفتحت المدارس أبوبها لإستقبال الطالبات؛
ليجدها الغزاوي فرصة؛ ينطلق معها صوت المرأة عبر أثير الإذاعة؛ من خلال بصمات صوتية نسائية من أمثال فاتنة شاكر ونجوى مؤمنة وشيرين شحاته ونجاة حسن عواد وأسماء زعزوع التي هندّس آلية دخول المرأة للإذاعة حينها الحجيلان ونفذها الغزاوي. في العام 1962م.
مبنى الإذاعة السعودية في جدة أو حسب ما ذكر الدكتور عبد الرحمن الشبيلي الذي أعدّ كتاباً حاول من خلاله أن ينصف رائد من رواد العمل الإعلامي الإذاعي منه بشكل خاص “بابا عباس” ابن مكة البار المولد في حارة الفلق في العام 1932م، والذي درس أسوة بباقي أبناء البلد الحرام المرحلة الإبتدائية في المدرسة السعودية؛
ومنها انتقل للثانوية لتحضير البعثات؛ قبل أن تحمله الأقدار لأم الدنيا “مصر” ويبدأ دراسة الحقوق في جامعة القاهرة حينها؛ ويعود أدراجه للعروس ليبدأ العمل الإعلامي عبر بوابة اذاعة جدة؛ التي فتحت له أفاقاً واسعة؛ من خلال “البرجين الصغيرين” كما وصفهما الشبيلي في كتابه والتي لم يكونا سوى عمارتين تم تقسيم شققها بين المديرية العامة للإذاعة والمبنى الإداري والمحطة؛
فيما ضمت قاعتين احداهما كانت مكتبة الإذاعة والأخرى كانت شاهدة على ولادة أول مسرح للإذاعة وقف على خشبته عمالقة الفن السعودي في ذلك الوقت من أمثال محمد علي سندي وعمر باعشن وحسن عشي وطارق عبد الحكيم وعبد الله محمد”، كما أبان الشبيلي؛ فيما تدرب عليها فنانين مبتدئين أصبحوا قامات فنية سعودية منهم طلال مداح ومحمد عبده وغازي علي وأبو بكر بلفقيه وعمر كدرس وسراج عمر بالإضافة إلى لطفي زيني وحسن دردير.
عباس غزاوي الذي عرفه كثيرين من الأجيال الجديدة؛ سفيراً لبلاده في محافل وعواصم أوروبية؛ منها محطته الأخيرة ألمانيا؛ كان دخوله السلك الدبلوماسي رغم اختياره له في ديوان الوزارة متدرجاً في عمل يتصل بعمله الإعلامي؛ قبل أن يتم تعيينه وزيراً مفوضاً فيروما؛ لتبدأ بعدها سلسلة تنقلاته كسفير بين عواصم العالم؛ لكن ظل العمل الإعلامي هاجساً يسكن الغزاوي خلال كل الفترة التي قضاها في العمل الدبلوماسي؛ وهي ضعف الفترة التي عمل فيها اعلامياً.
الغزاوي الذي بدأ مراقب عام البرامج بالإذاعة؛ قبل أن يصبح مديرها العام؛ يصف تأثر الإذاعة السعودية؛ في إحدى أهم لقاءاته الصحفية التي اجراها قبل أن يرحل عن عالمنا مع صحيفة عكاظ “تأثرت الإذاعة بالمدرسة المصرية اولاً حيث كان لإستقطاب اعلام مصرية الأثر الكبير من بين تلك الأسماء حسن الطوخي؛ ويأتي ذلك بسبب تتلمذ كثير من اعلام العمل الإذاعي السعوديين في معهد الإذاعة بالقاهر الذي اثرى العمل الإذاعي السعودي حينها عبر نقل انماط البرامج المصرية.
اما المدرستين الفلسطينية واللبنانية فجاءت على أنقاض الخلاف السياسي؛ الذي كما وصف الغزاوي “سحب الخبرات المصرية لتحل محلها أسماء لامعة اخرى من أمثال احمد شعث وغانم الدجاني؛ وهو الأمر الذي ساهم في تشكيل هوية محلية سعودية للإذاعة عبر تراكم الخبرات التي تم استقطابها”.
عباس غزاوي الذي طرق باب الإعلام مصادفة لتظل هوايته ويظل عاشقها الأول، تنفسها حتى الرمق الأخير، لتخرج مع آخر نفس في العام 2005م عام الرحيل لبابا عباس الذي ترك بصمة في الإعلام السعودي لا تمحى في زمن الكبار.