بقلم: السعد المنهالي
بحكم تعدد القراءات والتجربة العملية، يحدث كثيراً أن أحضر في مؤسسات مختلفة التخصصات محلية أو عربية أو غربية، وهذا وفر لي بشكل أو بآخر – مع تراكم التجربة – فرصاً للمقارنة والتقييم. وحسب الواقع الذي يبدو مخالفاً جداً لتوقعات وتصورات القيميين على تلك المؤسسات، هناك سوء إدراك كبير للهدف المرجو تحقيقه من مجمل الجهود الإنسانية المبذولة، وهذا يذهب بالتأكيد إلى نتائج بعيدة قد تخالف الدوافع السابقة أساساً.
الاجتهاد في توفير بيئات عمل محفزة للإبداع أصبح هوس الجميع، سواء كان ذلك لغرض حقيقي في حث المنتمين لهذا الوسط على الإبداع وإنتاج المتميز، أو بغرض التباهي بامتلاك قدرات إنشاء بنية تحتية لبيئة محفزة، والحصول على تقدير وإشادة الآخرين. قد يبدو للأغلب أن الأمرين يصبان في مصلحة واحدة، غير أنهما في الحقيقة متباينان جداً، وعلى المدى الطويل ستظهر كل نتيجة في موقف التضاد من الأخرى.
في البداية يجب أن نقر جميعاً، أن التحدي الذي نواجهه نحن البشر في هذه الألفية لا ينصب في الحصول على المعلومات أو الوجود في بيئة محفزة للإنتاج، إنما في الطريقة التي نتعاطى بها مع هذا الكم من المعلومات المتوافر، والاستفادة المنهجية من البيئات المحفزة المحيطة بنا.
ولأن ما سبق حقيقة يعاني منها الجميع وإنْ كانوا لا يدركونها، انشغل الأغلبية بالتركيز على البيئة التحتية المحفزة للإبداع، فأصبحت الهم الرئيس للكثير من المعنيين في المؤسسات، دون النظر لمنظومة القيم التي تحرك الفرد نفسه، وتجعله يستفيد من هذه البيئة أو يهجرها.
والتاريخ الإنساني يقدم نماذج، قدمت بيئات محفزة للإبداع، أنتجت نوابغ لا تزال البشرية تستفيد من إنتاجهم، غير أننا لا يمكن أن ننظر لهذه النماذج بمعزل عن الظروف الاجتماعية والثقافية التي كانت فيها، والأهم من ذلك المحرك الشخصي لكل عالم أو عبقري أو مبدع في ذلك العصر، وهو الأهم.
عند النظر في كل المعطيات المحيطة، والتي تتوافر لنا الآن في هذا العصر، لن تجد قصوراً يعيق إنتاج المميز، ولكنك لن تجد المميز، خصوصاً عندما تقارنه بالمميز الآخر على المستوى العالمي! هذه حقيقة يجب أن نواجه أنفسنا بها بلا مواربة، لكون المواجهة ستجعلنا نعيد ترتيب بعض أولوياتنا، وهذا الترتيب سيدفع إلى نتائج مختلفة لا محالة.