الفن

طارق عبدالحكيم .. مؤسس الموسيقى العسكرية والحالم بـالسيمفونيات العربية

جدة – رانيا الوجيه
تصوير – وجدان زعوري
طارق عبدالحكيم مؤلف السيمفونية الموسيقية السعودية، من الرعيل الأول للموسيقيين السعوديين في منطقة الحجاز في العصر الحديث، عاش ومات عزيزا ، لم يترك إرثاً من المال ، لكن ترك إرثاً فنياً تستند عليه الأجيال الفنية اللاحقة وحتى الآن ، أسس الموسيقى العسكرية في المملكة ، وكان يحلم بـ”سيمفونيات عربية” تناظر العالمية ، وبالفعل ألف 3 منها ؛ أطلق على الأولى ” مكة المكرمة”، والثانية ” “المدينة المنورة” والثالثة ” القدس”.
ولد طارق عبد الحكيم عام 1918 في مدينة الطائف، وتوفي في القاهرة بتاريخ 21فبراير 2012، بعد مرض عضال
زيارة «جاوه»..وولعه بالفن
كان طارق عبدالحكيم يبلغ الـ 14 عاماً من عمره ، حين أُعلن عن حفل غنائي في مدينة الطائف بحضور الفنان “حسن جاوه”، اثار استغرابه حفاوة الاستقبال لـ”جاوه”، وجلوسه في صدارة المجلس واهتمام الحضور به ، وتساءل وقتها : من هذا الشخص الذي يحظى بكل هذا الاهتمام والتقدير ؟، فأجابوه بأنه” فنان “ومن وقتها أصابته حالة ولع بالفن، قرر أن يكون له مكان في الساحة الفنية السعودية والعربية تاركاً بصمه لا تنسى.
العسكرية والموسيقى
التحق عبد الحكيم بالخدمة العسكرية سنة 1939، وحصل على مرتبة ملازم ، وتدرج في المناصب العسكرية ، ثم انتقل من الطائف التي كانت مركزاً للجيش السعودي آنذاك إلى الرياض برتبة “عميد”.
ساهم عبد الحكيم بموقعه داخل المؤسسة العسكرية، في تأليف “مارشات” عسكرية وتطوير وتوزيع لحن السلام الوطني السعودي، كما أسس فرقة موسيقية “لتسلية ضباط الجيش” ، كان راعياً للفنون الشعبية ، نظم أول حفل في في ميدان الرماية بالجنادرية سنة 1976، وهو أول من وحد زي المجرور ورقصة الخطوة ، وأضاف الموسيقى على العرضة النجدية ومثلها في انحاء العالم، اختاره الملك سعود – رحمه الله- ليعزف النشيد الترحيبي بالملك وبزواره القادمين من مختلف أنحاء العالم ، وفي عام 1983 انتخب رئيساً للمجمع العربي للموسيقى ، وأسس متحف الموسيقى العسكري في الرياض، ثم انتخب رئيساً للمجمع مرة أخرى عام1987.
الهوس بـ»مؤلفاته»
الموسيقار السعودي طارق عبد الحكيم كان مصاب بالهوس بألحانه ومؤلفاته الموسيقية ، ويقول نجله سلطان: كان والدي يعشق الموسيقى بجميع فنونها ، ساعياً دوما لتجسيد سيمفونيات عربية حجازيه تبقى في ذاكرة التاريخ وتضاهي السيمفونيات العالمية لبيتهوفن ، وأنتونين ليوبولد وغيرهم ، وبالفعل ألف 3 مقطوعات موسيقية ؛ أطلق على الأولى ” مكة المكرمة”، والثانية ” “المدينة المنورة” والثالثة ” القدس” ، وكان يردد أن : هذه المقطوعات لن يفهمها الناس الآن ، لكن حين يأتي اليوم الذي تصل فيه تلك السيمفونيات للعالمية ، أريدها أن تصل بأسمائها العربية مثل السيمفونيات الإنجليزية “بحيرة البجع وكليوبترا”.
جمع سلطان بعد وفاة والده ، أثمن الممتلكات الشخصية لوالده ، منها ثيابه وبدلاته العسكرية وشهادات التكريم المحلية والعالمية، وحفظها داخل متحف طارق عبدالكريم تخليدا لمسيرته العسكرية والفنية.
كتب للتعريف بالفن السعودي
حين ابتعث الى القاهرة لدراسة الموسيقى عام 52 19، زار مكتبة “مدبولي” الشهيرة بوسط البلد ليبحث عن أي كتاب يتحدث عن الفن السعودي بأي شكل من الاشكال ، ولم يجد ما يبحث عنه، لذلك قرر أن يكون همه الشاغل ان يترك مجموعة من الكتب تعرف العرب والعالم بالفن السعودي ، وقد كان من أهمها؛ ( تاريخ الموسيقى العسكرية ، ودليل العازفين للموسيقيين، وموسوعة لفلكورات الفن السعودي ، ومشاهير الفن السعودي ، كما جمع الأناشيد الوطنية للدول العربية في كتاب واحد.
الدكاترة العباقرة!
كانت أبوابه مفتوحة لجميع الناس ؛ فنانون وشعراء ومبتدئون، ودعم الكثيرين لدخول عالم الفن دون تمييز إلا بمدى الموهبة ، كان أكثر مجالسيه الفنانيين؛ حسن إسكندراني و أبو سراج وعبدالمجيد عبدالله الذي حرص على التواصل الدائم مع أستاذه، كان عبدالحكيم حين يجلس في خلوته يعشق سماع الفنان محمد عبدالوهاب والسيدة ام كلثوم وأسمهان، وكان يحب حفظ الشعر حتى في أواخر سنوات عمره، كانت ذاكرته مليئة بالشعر الحجازي ،
وكان من المعترضين على من يطلقون على أنفسهم حاملين دكتوراه في الموسيقى قائلا: اذن ماذا نقول على رياض السنباطي وبليغ حمدي ومحمد عبدالوهاب وغيرهم من عمالقة الموسيقى في الوطن العربي ، إن كانوا هم دكاترة الموسيقى فهؤلاء هم فلاسفة وعباقرة الموسيقى العربية.
الصدام مع محمد عبدالوهاب
سنة 1981 في “هنغاريا” ، رُشح طارق عبدالحكيم للحصول على جائزة “اليونيسكو” للموسيقى ، مما أثار اعتراض الموسيقار محمد عبدالوهاب قائلا : من هو طارق عبدالحكيم ، وماذا قدم في بلد لا تعترف بالموسيقى؟، وحين علم أنه تلقى علوم الموسيقى بالقاهرة وأدخل الموسيقى العسكرية في بلده ، وتعرف على إنجازاته ، اقتنع وقتها بأنه يستحق جائزة اليونسكو العالمية للموسيقى ، ومن جانب آخر تسلم طارق عبد الحكيم هدايا عديدة من زعماء الدول العربية وملوك المملكة العربية السعودية ؛ منها ساعات قيمه وخواتم من أحجار كريمة لأنه كان مترفع عن الماديات.
رحلاته الفنية
– رحلة البحرين 1939؛ حيث سجل بعض الأعمال القديمة كـ(المجرور والمجالسي) إضافة إلى بعض ألحانه.
– رحلة مصر 1952؛ وكانت بعثة حكومية من وزير الدفاع “منصور بن عبدالعزيز” ليدرس الموسيقى في القاهرة، من أجل تأسيس “مدرسة موسيقات” الجيش السعودي وسجل هناك ( يا ريم وادي ثقيف ومعبد الحب ولك عرش وسط قلبي )، ثم تعاون في نهاية خمسينات القرن الماضي مع نجاة الصغيرة في أغنية “يالي في هواك هيمان “، ومع “فايزة أحمد” في أغنيتي “أسمر عبر” و “ربيع العمر” ، وتم تكليفه حينها من إذاعة صوت العرب بتلحين أغنيات تحفظ في أرشيفها للغناء السعودي.
لنا الله
-رحلة لبنان 1968؛ تعاون فيها مع “وديع الصافي “في أغنية “لا وعينيك”، كما تعاون مع المطرب السوري “فهد بلان” في أغنية “محبوب قلبي” والأردنية “سميرة توفيق” في أغنيتي ” أشقر وشعره ذهب”، ومع “طلال مداح” في الأوبريت الوطني “أفديك يا وطني” و”عاش من شافك” , ومع محمد عبده في “سكة التايهين” و”لنا الله” و”لاتناظرني بعين” و”رحت يم الطبيب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *