تمر النفس الإنسانية بحالات شديدة التباين خلال مسيرتها في الحياة؛ فالثبات الدائم ليس هو السمة الغالبة، قد ترتقي النفس أحيانًا إلى أعلى درجات السعادة والسلام، وقد تهبط إلى أدنى مراتب الحزن والشقاء؛ هذه هي الحياة.
لا يوجد أقسى من الشعور بانكسار الذات. وخاصة إن كانت تلك الانكسارات متتالية دون توقف، وكأنك تعيش في غرف الإنذار ذات الإضاءة الحمراء، دائمًا تأزف الآزفة وتتجدد المعاناة، ومع الوقت يترسخ شعور الإحباط وينزف القلب ألمًا ويتمزق معنويًا، ويظل صاحبه في عذاب وآسى وحزن لا يتشافى منه سريعًا.
بل يفكر وكأن هناك مؤامرة عليه أو سوء حظ قد انتابه، وينتهي الأمر به بالإحساس بأن هناك غضب وسخط من الله تعالى عليه، والعلاج الأمثل لذلك هو المسارعة للاستغفار وطلب العفو لذنب أو ظلم ربما قد ارتكبه دون أن يدرك.
على الإنسان أن يراجع ويحاسب نفسه، وينظر ويتفكر في أحوال من حوله؛ ليرى هل قام بواجبه على أكمل وجه أم قصر في المهمة؟، هل بر والديه كما يجب مثلًا؟، وهل هناك شعورًا منهما بعدم الرضا أو الاكتفاء بما يقدمه لهما، وكذلك وهو يسعى في طلب الرزق بكل ما أوتي من قوة وجهد وإخلاص في عمله، قد يكون العائد لا يتساوى بقدر ما يقدمه من عمل، ساعتها عليه مراجعة أوجه القصور في عمله ومسارات حياته.
وعندما يحاول أن يسعد أبنائه ويعطيهم بكل ما يملك وهم لا ينظرون إليه إلا بنظرة أن ذلك مفروضًا عليه وواجبه تجاههم، وعند تقصيره يقولون له بكل بساطة: لماذا انجبتمونا وجئتم بنا لهذه الدنيا؟.
بل الكارثة عندما يكون لديك إرث أو بيع عقار ويأتي التأخير منك أو من غيرك لإكمال الإجراءات الرسمية، وتنتظر بالسنوات ويخذلك التقدير؛ هل أنت السبب أم الظروف التي وضعتك رغمًا عنك في سنوات عجاف بالنسبة اليك. فالأمور قد اختلطت عليك ولا تعرف من أين تبدأ وإلى أين تنتهي.
من الطبيعي عند تعاملاتنا مع الآخرين وجود الاختلاف وعدم الاتفاق في بعض الأحيان ومن أقرب الناس. والسؤال كيف يمكننا ان نتعايش مع تلك الاختلافات؟، والحل بسيط جدًا هو فن إدارة الخلاف، لكن للأسف ينسى البعض أن أجمل ما في الاختلاف هو كيف نراعي مشاعر الآخرين!
ومن الطبيعي أيضًا أن لكل أزمة ومشكلة حلول أهداها الله لنا للخروج من الأزمات وعلاج الانكسار النفسي:
أولها : رفع الروح المعنوية، فقال سبحانه وتعالى(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
ثانيًا : إبراز الجوانب الإيجابية في المشكلة نفسها، فالله عز وجل يخبرنا أنه لعل حدوثها خيرًا دون أن نعلم (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).
ثالثًا: على الإنسان تذكر أن التجارب الفاشلة تمضي ولكنها تخلق منه إنسانًا أفضل أكثر ثباتًا وقوة وإدراكًا.
رابعًا: عدم الخجل من مشاعرك المنكسرة واحترامها حتى لو كانت تعتصرك ألما وحزنًا؛ تعايش معها حتى تنقضي.
ومضة
لا تحاول إيقاظ قلب خذلك، وحاول أن تجعل من حالة الانكسار بداية حلم جديد، ولا تقف كثيرًا على الأطلال، وأبحث عن صوت عصفور يتسلل وراء الأفق، مع ضوء صباح جديد.
جميل جدا سطور بماء الذهب