يحل يوم 15 مايو حاملًا معه ذكرى مولد إمام الحرم المكي الشريف الشيخ عبد الله بن محمد الخليفي، المولود في عام 1915في مدينة البكيرية بمنطقة القصيم٬ والذي رحل عن عالمنا في أغسطس 1993.
نشأ الشيخ الخليفي نشأة دينية، حيث كان والده حريصًا على تربيته على أسس قويمة، فأتم حفظ القرآن وهو في الخامسة عشرة من عمره على يد والده، وتلقى منه كذلك مبادئ التوحيد والحديث.
تعليم وتعلم
حصل الخليفي على شهادة كفاءة المعلمين من المعارف، كما أنه حاصل على شهادة التجويد في القراءات، ولديه إجازة التدريس في المسجد الحرام.
ساهم الخليفي في مجالات دعوية شتى منها الخطابة والتدريس في المسجد الحرام، وقد سبق ذلك بالتدريس في مدارس وزارة المعارف، حيث عين عام 1372 هـ مدرسًا للعلوم الدينية في الثانوية العزيزية في مكة المكرمة، ثم مديرًا للمدرسة العزيزية الابتدائية، ثم عين مديرًا لمدرسة القرارة الابتدائية، ثم انشئت مدرسة حراء الابتدائية بحي المعابدة فانتقل مديرًا لها، كما عين ملاحظًا على المدرسين في المسجد الحرام.
القدوة
كان الشيخ عبدالله الخليفي شيخًا وقورًا عليه سمة الصالحين، تعلوه المهابة وتحفه السكينة، متواضعًا كريمًا محبوبًا، دمث الأخلاق، جميل الألفاظ، رقيق الإحساس، بكاء بالقرآن تغلبه العبرة، شديد التأثر والتأثير يَبكي ويُبكي، تشهد له جنبات وأروقة المسجد الحرام، كم بكى وكم أبكى فيها من أنفس مؤمنة وأرواح طاهرة.
وعُرف الخليفي بدماثة الخلق وحسن التعامل مع الجميع ومع الجيران بالخصوص ومع أبنائه، كانت علاقته مع الناس أكثر من رائعة، كان يبني العلاقة على الحديث النبوي: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، كما كان الشيخ يولي شباب الأمة اهتمامًا كبيرًا، ويخصهم بمزيد العناية والرعاية داخل المملكة وخارجها، وكان كثير الدعاء لهم، خاصةً في شهر رمضان؛ بأن يحميهم الله من الانحراف.
ويذكر بعض المعلمين ممن درسوا على يد الشيخ الخليفي، وصاروا معلمين، أن الشيخ كان مثالًا للمعلم القدوة، حيث كان يعطف عليهم، ويستقبل الطلاب صغار السن بالبسكويت يوزعه عليهم، كما كان يعامل المعلمين والطلاب كأبناء له.
وكان الشيخ عبدالله الخليفي يحصر الأيتام والفقراء مرتين في العام، مرة في شهر رمضان، والأخرى في بداية العام الدراسي، ويقدم لهم معونات مالية، يسلمها للطلاب، وكذلك يمنحهم الملابس الثقيلة في الشتاء وكسوة العيدين ويقضى حوائجهم، وكان يعتبر المدرسة بيته الثاني.
الإمامة
بدأت علاقة الخليفي بالإمامة في المسجد التحتي بالبكيرية، وهو أول مسجد في المدينة في ذلك الوقت٬ ثم أصبح إمامًا للتراويح والقيام في مسجد المدينة، وهو مسجد يقع في إحدى المزارع، وبعدما انتهى من طلب العلم على يد المشايخ، ذاع صيته بين أبناء المنطقة، فذكر ذلك بعض المقربين للملك فيصل – الأمير فيصل وقتها- .
ويروي ابن عم الشيخ الخليفي، ويدعى إبراهيم، والذي رافقه في الرحلة إلى الحجاز لمقابلة الملك فيصل – وكان أميرًا حينها-، أنه عندما طلب الأمير فيصل الشيخ الخليفي عنده، سافر معه في «لوري»، وكان الشيخ هو من قاد السيارة لمدة 3 أيام حتى وصلوا مكة المكرمة، وأديا العمرة، ثم توجها للطائف، حيث تم استقبالهما بشكل جيد، من قبل المسؤولين، وأسكنوهما في أحد البيوت، وبعد يومين جلسا مع الأمير فيصل -رحمه الله-، وكان ذلك عام 1363هـ٬ واستمر إمامًا عنده لمدة سنتين.
المسجد الحرام
أعجب بصوته وعلمه مفتي المملكة في ذاك الوقت عبد الله بن حسن آل الشيخ، فطلبه ليكون إمامًا مساعدًا للشيخ عبد الظاهر أبو السمح في المسجد الحرام، فأنتقل الخليفي إلى المسجد الحرام إمامًا مساعدًا للشيخ عبد الظاهر أبو السمح، واستمر في ذلك إلى أن توفى الشيخ أبو السمح٬ وأصبح الخليفي إمامًا رسميًا للمسجد الحرام عام 1373 هـ ٬ حيث كان يصلي بالناس الفروض الخمسة والجمعة والتراويح، طوال السنوات العشر التي تلت وفاة أبو السمح٬ وعندما جاء بعض الأئمة للمسجد الحرام أصبح يؤم الناس في صلاتي العصر والمغرب، ثم أصبح يؤم الناس في صلاة المغرب فقط إلى أن توفى٬ وهكذا قضى في إمامة المسجد الحرام ما يربوا على 40 عامًا، وعرف أثنائها بـ «الإمام البَكّاء».
ويحسب له أنه أول من جمع المصلين على صلاة التهجد خلفه في العشر الأواخر من رمضان ٬ بعدما كانت تصلى فرادى أو في جماعات صغيرة في الحرم المكي، وقد بدأها بعدد يسير من المصلين في حصوة باب السلام٬ فتزايد عدد المصلين يومًا بعد يوم، وازدادت الصفوف حتى بلغت أطراف المسجد الحرام.
مع الملوك
كان الشيخ عبدالله الخليفي إمام الحرم على صلة بالعلماء وولاة الأمر، يجلونه ويعرفون قدره، وكان له السبق في أن أمَّ الناس وبينهم 5 ملوك، فقد ذكر الشيخ لابنه أنه أمَّ الناس في عهد الملك عبدالعزيز في موسم الحج، وكان الملك عبدالعزيز حاضرًا، ثم أمَّ الناس في عهد الملك سعود وكان حاضرًا، والملك فيصل وكان إمامًا عنده في قصره، كما أمَّ الناس مع الملك خالد والملك فهد -رحمهم الله جميعًا-.
مؤلفاته ومشاركاته
وكانت علاقة الخليفي بالإعلام متميزة، فكان يعلم وينصح ويوجه ويعظ، وكان ممن يؤمنون بأن الإعلام له تأثير قوي وفعال في إثارة القضايا وحلها، كما كان له مشاركات فاعلة في العديد من وسائل الإعلام، كالمقال الأسبوعي في جريدة «عكاظ»، فكان يتناول الجوانب الاجتماعية، كما كانت له مقالات في «المجلة العربية» أثنى عليها الكثيرون ثناءً عطرًا وكانت له مشاركات إذاعية وعلى الأخص في إذاعة نداء الإسلام٬ من خلال برنامج دروس في الفقه الإسلامي، وله مصحفًا مرتلًا بصوته يذاع من خلال إذاعة القرآن الكريم حتى يومنا هذا، كما أنه أثرى المكتبة الإسلامية بمجموعة من الكتب منها: إرشاد المسترشد في مذهب الإمام أحمد٬ القول المبين في رد بدع المبتدعين٬ المسائل النافعة٬ فضل الإسلام٬ الثقافة العامة٬ خطب الجمع في المسجد الحرام٬ دواء القلوب والأبدان من وساوس الشيطان٬ المعاملات الربوية٬ مناسك الحج.