بين “نعم” و”لا” تدور الحياة كلها؛ كل شيء في الحياة يتأرجح بينهما ويدور في فلكهما، صحيح أن كلمة “نعم” أسهل وأسرع وتقابل غالبًا بابتسامة ورضا ممن حولنا، لكن في كثير من الأحيان تكون سببًا في تعاستنا، ولو قلنا “لا” لسعدنا بها في حياتنا الأسرية والمهنية والاجتماعية و……؛ لو قلناها لتغيرت حياتنا للأفضل من الألف إلى الياء، ولوجدنا فيها الحل وراحة النفس، والقرار والاختيار الصحيح.
الخوف والإحراج والحياء والعادات والتقاليد والعلاقات الاجتماعية وروابط القربى والصداقة والعشرة وغيرها؛ أشياء تجعلنا نضغط مرارًا وتكرارًا على أنفسنا ولا نقول “لا”، والنتيجة التخلي عن أشياء كثيرة قد نستمتع بها، والحياة في ظل الإحباط واليأس والمرض والإرهاق والإجهاد بدنيًا ونفسيًا.
كنت شاهدة على عشرات القصص والمواقف لأشخاص كانت كلمة “لا” ستنجيهم لو قالوها، بينما تسببت كلمة “نعم” في شقائهم لسنوات طويلة، وربما لبقية العمر؛ صديقات خِفْن إرضاءً للأهل من قول “لا” عندما تقدم لهن خُطَبَاءُ غير مناسبين، وبالفعل فشلت هذه الزيجات، بعدما خلفت مآس وأحزانا لاتنتهي، وأناسًا عرضت عليهم وظائف يعلمون أنهم لن ينجحون أو يبدعون فيها،
ولم يَقُولُوا “لا” بسبب بعض الظروف، وكان الفشل مصيرهم، أو تحاملوا على أنفسهم وتسربت لأنفسهم الكآبة والملل والضجر، وآخرين لا يحوزون مالًا لكنهم معدودون من الأغنياء، ويأتيهم من يطلب مساعدة مالية أو قرضًا، ويضطرون للضغط على أنفسهم وربما الاقتراض؛ من أجل عدم قول “لا”، وهناك قصصًا أخرى كثيرة، تختلف في التفاصيل، لكنها تتفق في المضمون؛ عدم القدرة على قول “لا”.
علينا أن نتغير ونتطور ونتفهم ثقافة “لا” ونقولها في وقتها؛ حسب قناعاتنا ومصالحنا ومشاعرنا، حتى لو كلفنا ذلك خسارة أشخاص أو مكاسب في المدى القريب، لأننا بالتأكيد سنربح في المدى البعيد؛ فماذا ستكسب إذا ربحت العالم وخسرت نفسك، وقديمًا أوصى حكيمًا ابنه قائلًا:
يا بنيّ؛ إياك وسرعة الإجابة بـ”نعم”!.. فمدخلها سهل، ومخرجها وعر، واعلم أن “لا” وإن قبُحت؛ فربما أروحت.
ويحضرني من قصيدة المثقب العبدي”لاَ تَقولنّ نعم”:
لاَ تَقُولنَّ إِذَا ما لم تُرِدْ.. أَن تُتِمَّ الوَعْدَ في شَيءٍ نَعَمْ
والخلاصة أن من لم يعش السعادة لن يستطيع إسعاد الآخرين، وفاقد الشيء لا يعطيه، ومن لا يستطيع قول “لا” كما يقول “نعم” سيظل مفتقدًا حرية الإرادة والقرار وسلام النفس وراحة البال.