رغم أن السعودي خليل الرواف صاحب أول ظهور عربي في السينما الأمريكية؛ من خلال مشاركته في فيلم “كنت مراسلًا حربيًا” مع الممثل الشهير جون واين؛ إلا أن قصة حياته مليئة بالإثارة أكثر من أكبر أفلام هوليوود غرابة؛ رحلة حافلة بقصص الحب والزواج والاختلاف والبحث عن الابن المختفي في بلاد العم سام، ومسيرة رجل يبحث عن تحقيق الذات بين السينما وتدريس اللغة العربية وافتتاح مدارس لتعليمها، ثم عودة للوطن لبدء حياة وأسرة جديدة، ورغم ذلك لم ينس ابنه الغائب؛ الذي يلتقيه في نهاية رحلة الحياة؛ لتكون الخاتمة السعيدة.. كنهايات الأفلام.. إنها قصة حياة رجل عاش السينما بل إثارتها ومفاجآتها على منصة الحياة.
بداية الرحلة
كأي شاب في مقتبل حياته يبحث عن تحقيق الذات ومستقبل أفضل؛ بدأت رحلة خليل الرواف من القصيم السعودية في أوائل القرن الماضي، وحملته الأقدار إلى الشام ومنها لبغداد، حيث كانت الصدفة التي جمعته مع من ستصبح زوجته لاحقًا السيدة الأمريكية فرانسيس اليسون، والدكتور خيرالله، وهو من أوائل المهاجرين العرب لأمريكا، والذي زود خليل الرواف بمعلومات وافرة عن أمريكا، وكانت فرانسيس تود معرفة المزيد عن العرب فتوطدت الصداقة بينهما، ورافق الرواف المرأة الشقراء من بغداد لدمشق ومنها إلى بيروت، ومن بيروت ركب باخرة إلى نيويورك.
حب في البحر.. وطلاق بأمريكا
على متن الباخرة التي حملت الرواف برفقة فرانسيس، يبدو أن مشاعر جميلة تفجرت في قلب الرواف طوال الرحلة للأمريكية الشقراء؛ الأمر الذي لم يكتمه الرواف عنها ليجدها تبادله المشاعر نفسها، وتعده بالعودة لدمشق لتعتنق الإسلام ويتزوجا، ومن ثم يصل الرواف لأمريكا في عام 1935. وفي أمريكا طافت فرانسيس بالرواف في جولة طويلة بأنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، وفي تلك الجولة تعرف الرواف على حياة أخرى بعيدة كل البعد عن تلك التي تعيشها المرأة العربية، الأمر الذي لم يستسيغه خليل لزوجته وبدأت الخلافات؛ لم يستطع الصبر فقرر خليل الطلاق، الذي إعاد فرانسيس للشام لانهاء إجراءات الانفصال حسب الشريعة الإسلامية.
وزواج جديد
قبل أن تكون لخليل مشاركة في فيلم “كنت مراسلًا حربيًا” مع الممثل الشهير جون واين؛ الذي قدّم فيه الرواف دور حارس بدوي لشيخ قبيلة في صحراء العراق، كان خليل قد تفرغ لإصدار كتب لتعليم اللغة العربية وافتتح مدرسة لتعليمها، أثناء ذلك تعرف على شابة أمريكية تدعى كونستانس ويلمان؛ والتي زارت أوروبا وتعرفت على الحضارة العربية، باعتبارها أساس الحضارة الغربية، وبدأت كونستانس تحضر لمدرسة خليل وتتعلم اللغة العربية؛ فأعجب بها وتزوجها، وفي عام 1946رزق منها بصبي أسماه نواف، وللمرة الثانية صعب على خليل استمرار الزواج بسبب الخلافات الثقافية؛ وتم الطلاق ولم يتجاوز عمر نواف حينها 8 شهور، لكن هذه المرة اضطر الرواف لتصفية كافة أعماله ومدارسه؛ وعاد عصفور الشرق يرفرف تحت الشمس.
البحث عن “نواف”
بعد عودته للسعودية تزوج خليل من امراة مصرية من الإسكندرية؛ ورزق منها بابنتين أحدهما تعمل طبية والأخرى مدرسة، ولم ينس يومًا الابن الذي لا يعلم عنه شيئًا؛ ولم يألوا جهدًا في الاستعانة بكل الطرق لاحتضان ابنه مجددًا؛ فغادر المملكة إلى أمريكا بصحبة الأمير طلال بن عبدالعزيز، حيث حاول سموه مع كونستانس أن تعطي حضانة الولد لأبيه ولكنها رفضت. وكرر خليل المحاولة مرة أخرى عام 1962؛ حين عاد لأمريكا مع زوجته وبنتيه، لكن هذه المرة لم يجد أي أثر لنواف أو أمه، وكرر الزيارة عام 1987 أيضًا، لكن دون جدوى .
كلايف أبو شادي!
كانت كونستانس بعد سفر خليل قد تعرفت على الشاعر المصري أحمد زكي أبوشادي، أحد مؤسسي “جماعة أبولو” الشعرية في المهجر، وتزوجته بعد عام من طلاقها من خليل، وقد تبنى أبوشادي نواف وعامله كأحد أبنائه، خاصة أنه يعرف أبيه، وكان أبو شادي قد انضم للوفد السعودي المشارك في هيئة الامم المتحدة، إلا أنه توفي بعدما غير اسم نواف إلى “كلايف أبوشادي”، ولم يكن قد أعطى معلومات عن نواف لأبناءه من زوجته الأولى .
في هذه الأثناء كان خليل الرواف يبحث عن ابنه دون جدوى، لكن الظروف منحته أملًا؛ عندما تم ابتعاث ابن اخيه عثمان ياسين الرواف لاستكمال الدراسة العليا في أمريكا، حيث أوصى الرواف ابن أخيه بمواصلة البحث عن نواف، ورغم أن البحث استمر لأعوام دون نتيجة؛ حيث كانت والدة نواف بعد وفاة زوجها أبوشادي قد تزوجت من رجل آخر واختفت، لكن لأن الأقدار كانت رحيمة في نهاية الأمر، وبعد بحث مضني وعن طريق محقق خاص؛ تم العثور على نواف خليل الرواف، والذي أصبح اسمه كلايف ويلمان، وأعطى المحقق الخاص معلومات كاملة عنه؛ حينها تم الاتصال به من قبل الأب وابن أخيه عثمان .
الأب والابن
عندما اتصل عثمان بمنزل نواف”كلايف” ردت عليه ابنته قال لها : أنا ابن عمه.. ونادت أمها.. فقالت لها: ليس لأبيك عم حتى يكون له ابن عم.. لكن نواف رد على الهاتف وسمع صوت أبيه، احس أن أبيه قد شرق بدمعه وتهدج صوته وتغير، قال نواف: كنت أقلب أوراق أبي ووجدت شهادة ميلادي وقد تغير اسمي من نواف إلى كلايف.. فسألت والدتي، فقالت نعم أبوشادي ليس والدك.. والدك طلقني وذهب إلى السعودية، وكانت والدتي قد تزوجت من شخص بريطاني وانتقلنا لبريطانيا. ثم عدنا لأمريكا واشتركت في حرب فيتنام، سألت والدتي بعفوية عن والدي فقالت: اطلب من السفارة السعودية معلومات عنه.. فكتبت للسفارة 4 خطابات ولم أحظى بأي رد.
تقول كونستانس ويلمان والدة نواف: كان والدي محاميًا شهيرًا في نيويورك ويشجعنا على البحث والدارسة، وبعد عودتي من أوروبا قابلت الدكتور خير الله، والذي نصحني بتعلم اللغة العربية، وأن التحق بأحد مدارس الرواف، وهو ما تم فعلًا وكان يقوم بتعلمي، وأحب كل منا الآخر وتزوجنا ورزقنا بطفل. وحدثت خلافات بيننا، وبدأت تظهر منه آراء جديدة عن المرأة وعملها، حتى اعترض على فستان كنت ارتديه في مناسبة اجتماعية، كما أنه لم يخبرني بزوجته الأولى .
وتضيف: حصلت على حكم محكمة بحضانة ابني، وهي آخر مرة رأيت فيها خليل الرواف، وقد ذرف كل منا دمعه، ولم يكن نواف موجودًا ليودعه، فقد علمت أن خليل يخطط لاصطحابه معه للسعودية؛ لذلك منعته من الحضور، وقمت بتغير اسمه من نواف إلى كلايف، عندما كان عمره 3 أعوام؛ لأن أسئلة الناس حول الاسم تضايقني؛ كما أن كلايف اسم جدي، ثم تعرفت على أبو شادي عندما جاء لمكتبنا التجاري يطلب عملًا.
وتواصل كونستانس ويلمان: لم يقل أحد لنواف عن أباه الحقيقي؛ لا أنا ولا أبو شادي أو أبنائه من زوجته الأولى. وعندما أخبرني كلايف أنه وجد أباه الحقيقي وتحدث معي خليل بالهاتف..قلت له: خليل إنني لا أصدق هذا.. أنا سعيدة أن أسمع صوتك مرة أخرى، فقال: وأنا سعيد كذلك.. لقد كبرت.. عمري الآن 95 عامًا.. فقلت: لا أصدق.. صوتك لا يزال شابًا.. فقال : مضت سنين كثيرة.. أود أن نلتقي لكنني أخشى ألا تريدين ذلك.. فقلت: إنني لا أكاد أنتظر حتى نتقابل. وتوفي خليل الرواف عام 2000.