من واجب المجتمع الاحتفاء برموز الإنجاز، والإشادة بقيمة الإخلاص، والتنويه بأثر الإتقان في خدمة العمل والوطن؛ لذلك نستعرض مسيرة د. أحمد محمد علي، الاسم الوطني الكبير، والقامة رفيعة الأداء التي خدمت الوطن والعلم والمنهج الاقتصادي الإسلامي؛ إنسانًا ومسيرة، علمًا وعملًا، ومعرفة قيادة ومنصبًا.
وتأتي السطور التالية تقديرًا لما حققه في مسيرته العلمية والمهنية، فهو من النماذج القليلة التي جمعت بين «ضوابط الإنجاز ودقته وقيم الإنسانية ومرونتها»، فحظي بإجماع ومحبة وتقدير من تعامل معه واقترب من حياته، لتواضعه واحترامه لإنسانية الإنسان».
مولده ومسيرته العلمية
ولد د.أحمد محمد علي في المدينة المنورة بتاريخ 27/12/1352هـ، الموافق: 13/4/1934م، ودرس الإبتدائية والمتوسطة والثانوية في المدينة المنورة، ثم انتقل إلى مصر ليستكمل دراسته الجامعية في كلية التجارة بجامعة القاهرة عام 1376هـ (1957م)، كما حصل على ليسانس حقوق من كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1378هـ (1959م). كما استكمل رحلته العلمية للحصول على درجة الماجستير في الإدارة العامة من جامعة ميتشجان آن آربر بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1382هـ (1962م)، ومن ثم الدكتوراة في الإدارة العامة (الإدارة المالية) من جامعة ولاية نيويورك (ألباني) عام 1387هـ (1967م). بعنوان: الرقابة المالية قبل الصرف.. دراسة مقارنة لنظام الرقابة المالية بالمملكة العربية السعودية وحكومة ولاية نيويورك. ود. محمد أحمد علي متزوج وله 5 أولاد.
رحلته المهنية
بدأ د. أحمد محمد علي حياته المهنية في مجال التعليم وتنمية القوى البشرية في (1958/1959م) كمدير في المعهد العلمي والإسلامي، في محافظة عدن باليمن. واختير ليكون نائبًا لوزير التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية لمدة 3 سنوات. وفي عام 1975 تم اختياره ليصبح أول رئيس للبنك الإسلامي للتنمية، فقد ساعده تعليمه وخلفيته، وخبرته السابقة على تأسيس قاعدةٍ قويةٍ لمهمّة البنك الإسلامي للتنمية، وللتعامل مع التحديات التي واجهت إدارته، وتوسيع نطاق عمله من خلال معالجة مختلف القضايا. كما قاد عمليات تأسيس مؤسساتٍ أخرى للتخفيف من حدة الفقر، والقضاء على الأمية وغيرها من المشاكل، مثل صندوق التضامن الإسلامي للتنمية.
كما ساهم في تطور قطاعي التعليم والتنمية من خلال خدماته لمجالس التعليم العالي للجامعات، وكذلك عضويته في مجلس إدارة الصندوق السعودي للتنمية.
أبرز المناصب
عمل د.أحمد محمد علي في مناصب متعددة بوزارة المعارف بالمملكة العربية السعودية منذ عام 1377هـ، كما تولى العديد من المناصب، وأبرزها:
-رئيس جامعة الملك عبد العزيز بالنيابة 1387 – 1392هـ
-وكيل وزارة المعارف للشؤون الفنية 1392 – 1395هـ
-رئيس البنك الإسلامي للتنمية من 1395 – 1414هـ
-أمين عام رابطة العالم الإسلامي 1414- 1416هـ
-رئيس البنك الإسلامي للتنمية من 1416- 1438
آراؤه في التنمية والاقتصاد الإسلامي
عبّر د. أحمد محمد علي عن آرائه في التنمية، من خلال العديد من المقالات والخطب والمحاضرات وأوراق العمل التي تناولت الاقتصاد الإسلامي، والخدمات المصرفية، والتعليم. فهو من أشد المؤمنين بأن مبادئ الشريعة الإسلامية وتطبيقاتها في الاقتصاد والعلوم المصرفية لديها الكثير مما يمكن أن تقدمه للعالم، كي تسهم إيجابًا في حل الأزمات الاقتصادية.
جائزة الملك فيصل العالمية
مُنِح د. أحمد محمد علي جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1425هـ، تقديرًا لإنجازاته الكبيرة، المتمثلة في إدارة البنك وفقًا لأحكام الشريعة، ودأبه على تنمية العلاقات الاقتصادية بين الدول الإسلامية، وإنشائه محفظة البنوك الإسلامية، وحصص الاستثمار، وجائزة البنك لبحوث الاقتصاد الإسلامي، ما نقل انطباعًا مشرقًا عن العمل البنكي الإسلامي في العصر الحديث.
طالب بتبني المسلمون نموذجًا إنمائيًا يؤمن الإنسان من الخوف و الجـوع وفقًا لمنهج القرآن
استقالته من رئاسة البنك
بعد 4 عقودٍ من العطاء المميز والنجاح الاستثنائي، تحاشى خلالها رئيس البنك الإسلامي للتنمية د. أحمد محمد علي المدني الأضواء والضوضاء، أعلن استقالته من منصبه، بعدما ترك بصمات متميزة نقلت البنك إلى نموذجًا للنجاح والتفوق، كما قدم وثيقة رؤية 1440هـ، الهادفة إلى تخفيف وطأة الفقر، ومحو الأمية، وتوفير حياةٍ أفضل للمجتمعات الإسلامية.
خلَّفَ د. أحمد محمد علي إرثًا هائلًا من الإنجازات، تعكس مسيرة نجاح رجلٍ عصامي، تصدى لمهماته بجدٍّ واجتهاد، فتحققت النتائج المميزة، ما حقق فرص شراكةٍ مع الحكومات والقطاع الخاص، بددت شبح الخمول والجمود الذي هدد البنك سنواتٍ طويلة.
فقد ثمَّنَ الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي إياد أمين مدني، الجهود المشهودة التي بذلها د.أحمد محمد علي منذ تأسيس البنك الإسلامي للتنمية عام 1975 وترؤسه له، إلى أن أصبح من أكبر المجموعات التمويلية على مستوى العالم في مجال التنمية الدولية، وحصوله على التصنيف الائتماني (AAA).
رؤية استشرافية
تولى د. أحمد محمد علي الرجل المتواضع عدة مناصب، أداها بمنتهى الانضباط في مواعيده ووعوده، فكان الرجل المناسب في المكان اللائق به، تحمل مسؤولية إدارة البنك الإسلامي للتنمية منذ كان «مؤسسة صغيرة»، فكان صاحب رؤية استشرافية طموحة، وأداره بحكمته وإخلاصه وحرصه على الإتقان والتفاني في العمل، وإيمانه برسالة هذه المؤسسة المالية الهادفة إلى تحسين واقع المسلمين، وتمكن بروحه وإخلاصه من أن يضع من الأنظمة، ويبني من الشراكات، ويؤسس من التفاهمات مع الدول الأعضاء والشركاء الدوليين؛ ما سهّل مهمته وجعله وجهًا مقبولًا عند الجميع، كما استطاع أن يجمع حوله المساعدين والمعاونين الأكفاء؛ مما خلق بيئة حاضنة للنجاح مكنته من نقل «المؤسسة الصغيرة» إلى مجموعة مالية تضم عددًا من المؤسسات والصناديق تحظى بأعلى درجات التصنيف الائتماني.
مُنح جائزة الملك فيصل العالمية تقديرًا لإنجازاته الكبيرة
الإنجاز والإنسانية
د.أحمد محمد علي من النماذج القليلة التي جمعت بين «ضوابط الإنجاز ودقته وقيم الإنسانية ومرونتها»، فحظي بإجماع ومحبة وتقدير من تعامل معه واقترب من حياته، لتواضعه واحترامه لإنسانية الإنسان، قرّب منه الناس وحببه إليهم، وأزال من طريقهم الحواجز التي يبنيها بعض المسؤولين من حولهم، وحزمه في تنفيذ الواجبات وانضباطه في كل حياته صد عنه الذين لا تجذبهم إلا المصالح.
سيرة هذا الرجل جديرة بالتأمل، مليئة بالدروس، ملهمة للطموحين، ومن صورها الجميلة المحفزة للضمائر والمؤكدة على الشعور بالمسؤولية، أن الرجل وهو يغادر الصرح الذي بناه بجهده وإخلاصه وسهره راضيًا مرضيًا، لم ينسَ أن يقول: «إن المنظمة بحاجة إلى إقامة آلية مؤاخاة اقتصادية تنموية، لتعزيز الدعم الفني بين الدول الأعضاء».
هذه الروح المليئة بالعطاء، والمفطورة على الإخلاص والضمير الحي، الذي لا يفارق صاحبه ودفعه إلى بذل كل ما يستطيع، هي التي أملت كلمات د. أحمد علي في حفلة تكريمه بنيل جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، إذ قال: «حين أناشد علماء الأمة ومفكريها من أجل أن يمعنوا النظر في أحوال الأمة بما يقتضي التعرف على الذات، وتحديد ما يمكن أن تسهم به في الحضارة المعاصرة، من خلال نشر المبادئ الإسلامية القائمة على العدل والمساواة وتقدير قيمة الإنسان وحريته، وترسية القواعد الثابتة للتعاون مع الأمم الأخرى كافة».
الشهود الحضاري
وناشد د.أحمد محمد علي قادة العالم الإسلامي أن يتصدوا للتحديات التي تقف في وجه «تحقيق هذا الشهود الحضاري بين الأمم». وأهدته نظرته وتأمله وتجربته ومعايشته للواقع إلى أن «هذا الشهود» يواجه تحديات داخل المجتمعات المسلمة، ومؤثرات خارجية دولية، أبرزها «الحملات التي تثيرها بعض الأوساط المشبوهة حول قيم الإسلام ومبادئه السمحة، حتى اعتبرت الإسلام – ظلمًا وعدوانًا – مقترنًا بالإرهاب».
وعلم د. أحمد محمد علي لم يقف عند «التوصيف» للمشكلات، بل سعى إلى تقديم ما يرى أنه السبب الرئيس في معالجة المشكلات. «شروط التنمية لأي أمة: الإيمان برسالتها وقيمها ومبادئها وإخلاص العمل وإتقانه وتنمية الشعور بالانتماء». وانطلاقًا من هذه القيم طالب بأن يتبنى المسلمون «نموذجًا إنمائيًا يركز على الإنسان ويسعى إلى تأمينه من شبح الخوف ووطأة الجوع، وفقًا لمـنهج القرآن الكريم».