قديمًا كانت تسود المجتمع بأكمله ثقافة واحدة, وكان مفهوم الزواج يتجسد في خروج البنت من بيت العائلة إلى بيت الزوج الذي ستكمل فيه حياتها مع أطفالها, وكانت الحياة مستقرة وهادئة لأن هذا هو النمط الطبيعي للحياة في المجتمع. ولكن مع التغير الثقافي وبحث الفتيات عن الاستقلالية بالتعليم والتوظيف، وأعباء الحياة اليومية والمسؤوليات، والخوف من تزايد حالات الطلاق، والصورة السلبية التي يرسخها أحيانًا الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لصورة العلاقة الزوجية؛ اختلفت القناعات لدى كثير من الشابات، ولم يعد النمط الذي كانت تسلكه الأمهات والجدات يغريهن, وأصبح عزوف الشابات عن الزواج ظاهرة متزايدة في المجتمع السعودي.
نستعرض تجارب شخصية لفتيات، ونناقش أهم المحاور المتسببة في هذا العزوف مع بعض المختصين؛ سعيًا لاستجلاء أسباب الظاهرة، بما يساهم في استيضاح سبل بناء علاقات زوجية وأسرية سليمة.
تجارب شخصية
تقول “لمى عدنان” أن سبب عزوف الشابات عن الزواج هو غياب مفهوم المسؤولية عند الشباب؛ مما يولد اعتمادًا كليًا على الزوجة, وبطبيعة الحال سترفض الفتاة الارتباط بمن يزيد المسؤوليات عليها، بدلًا من أن يخففها.
غياب مفهوم المسؤولية عند الشباب سبب عزوف الشابات
فيما تعرب “دينا محمد” عن خوفها من فشل العلاقة الزوجية في ظل الثقافة السائدة لدى الشباب، وتتفق مع رأي “لمى عدنان” في أن تهرب الشباب من المسؤوليات يلعب دورًا كبيرًا في عزوف الشابات عن الزواج.
الثقافة السائدة مسؤولة عن فشل العلاقات الزوجية
وتعتقد “سارة ابراهيم” (لها تجربة سابقة) أن شريك الحياة إن لم يكن سيضيف لها في الجوانب الحياتية كافة، فلا قيمة لتكرار التجربة مرة أخرى.
وتؤكد “فاطمة أحمد” زهدها في الحياة الدنيا وأنها تفضّل الزواج في الآخرة.
الزواج في الآخرة أفضل من الحياة الدنيا
استطلاع
وفي استطلاع تم إجراؤه على مجموعة من الشباب لمعرفة أهم أسباب عزوف الشابات عن الزواج, انفرد سبب (عدم قدرة الشاب على تحمل المسؤولية) بنسبة 51%, وجاء (وضع المواصفات القياسية للشريك) بنسبة 20%, و (الشعور بعدم الحاجة للزواج) بنسبة 18%, وأخيرًا (الخوف من فشل التجربة) بنسبة 11%. وفيما يتعلق برأي الشباب حول السن الأمثل للزواج كان ما بين (26-30) عامًا.
التغير الثقافي
يقول د. نواف الحارثي – استشاري الطب النفسي – إن هناك عدة محاور تندرج لتحليل هذا الموضوع وقد يكون أولها: التغير الثقافي الناتج عن النزعة الاستقلالية لدى المرأة مما زاد حدة التنافس مع الزوج, وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع نسبة حالات الطلاق وأعطى انطباع للعازبات بأن الزواج علاقة غير ناجحة. وأيضًا التغير الثقافي من ناحية الدراسة والعمل؛ فطول الفترة الدراسية وبعدها ظروف العمل قد تؤثر على علاقة الزواج بشكل سلبي, أو تُولد خوفًا من عدم توفر شهادة أو وظيفة أو مرجعية مالية في المستقبل, فنجد الكثير من العازبات يفضّلن العزوف بدلًا من ضياع المستقبل الدراسي أو الوظيفي.
التغير الثقافي والنزعة الاستقلالية للمرأة زاد حدة التنافس مع الرجل
مشاركة
وتقول د. رغدة بو – معالجة نفسية إكلينيكية – إن مفهوم الزواج تغير كثيرًا عن السابق, فقد كان قديمًا مبنيًا على الاحتياج للطرف الآخر, أما اليوم مع الانفتاح واستقلالية المرأة ودخولها لسوق العمل انعدمت نظرية الاحتياج. في حين أن المجتمعات الأخرى التي تدعم استقلالية المرأة منذ زمن بعيد لازالت معدلات الزواج بها في تزايد, وفي هذا دليل على أن العلاقة الزوجية يجب أن تُبنى على الرغبة بمشاركة الحياة مع شخص آخر والعمل على إنجاح العلاقة.
طموح الزوجة
ويضيف د.نواف الحارثي أن الوضع المادي لبعض الأشخاص قد يحول دون زواجهم في وقت مبكر كما أن طموح الزوجة يؤدي أيضاً إلى عزوف الشابات عن الزواج لأنها بطبيعة الحال لن ترتبط بمن لا يشبع هذا الطموح.
مسؤولية
ويستطرد د. نواف أن بعض الفتيات يتخوفن من عبء المسؤولية، وأن الزواج وما يترتب عليه من مسؤولية البيت والأطفال لن تستطيع الفتاة القيام بها على أكمل وجه في حال كونها امرأة عاملة, وهذا ما يدفعها لتأجيل أو إلغاء فكرة الارتباط.
حقوق وواجبات
وفيما يخص اعتقاد بعض الشابات بتهرب الشباب من المسؤوليات تفيد د. رغدة بأننا لا نستطيع تعميم ذلك, ولا ننكر أن دور الرجل أساسيًا في البيت, كما أن على الطرفين العلم بمسؤوليات كل منهما والحقوق والواجبات تجاه بعضهما البعض.
الخوف من الفشل
وترى د. رغدة أن ردة الفعل من بعض الشابات في العزوف عن الزواج قد تبدو طبيعية بعض الشيء .
السن الأمثل
وتفيد د. رغدة بوجود عدة دراسات تؤكد على أن السن المناسب للزواج بالنسبة للشباب والشابات هو سن 25 عامًا؛ لاكتمال الوعي الذاتي في هذه المرحلة العمرية.
دور الإعلام
وبحسب د. نواف الحارثي يلعب الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أحيانًا أدوارًا سلبية، من ناحية تقديم وإظهار العلاقة الزوجية بشكل سلبي، وهذه الصورة تؤثر على النشء والبنات وتقلل من الرغبة في الارتباط.
توصيات
تتمنى الداعية “ف.ح” من الشابات المقبلات على الزواج اغتنام الفرص الجيدة لأنها لا تتكرر كثيرًا, فعن الرسول صلى الله عليه وسلم “إذا أتاكم من ترضون دينه وخُلقه فزوجوه”. وتؤكد على أهمية الاستخارة وسؤال الله التوفيق لأنه أولًا وأخيرًا منه سبحانه وتعالى, وأن الصبر مهم خاصةً في بادئ الحياة الزوجية. وتوصي الطرفين بحضور الدورات المعدة للمقبلين على الحياة الزوجية.
“تمهل وتمعن”
وتختتم د. رغدة بو بأن التأخر في الزواج ليس دائمًا أمرًا سلبيًا, وتؤكد على ضرورة التمهل والتمعن في اختيار شريك الحياة, وتحذر من التسرع في مثل هذه القرارات لأنه قد يكون سببًا في الفشل. كما أن توقيت الزواج لا يعد معيارًا للحكم بنجاح أي علاقة أو فشلها.