خلوفه الأحمري: محرمة شرعًا حتى لو كانت في العالم الافتراضي
د. حسين الخزاعي: هذه التطبيقات «وهمية» وإدمانها يفسد الحياة
أحمد النجار: مخاطر تهدد العلاقات الاجتماعية حال تصديق هذه الخرافات
آمال رتيب – وليد الفهمي
لم يعد شرطًا أن تجلس أمامها لتتأمل فنجانك المقلوب٬ كما كان الأمر مع الشاعر نزار قباني في قصيدته الشهيرة “قارئة الفنجان”٬ فمع التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم أصبح “قراءة الطالع والفنجان” متاحًا بسهولة عبر التطبيقات الهاتفية والمواقع الإلكترونية، والتي تبين أن الكثيرين مازالوا مهووسين بها ويلجأون إليها بهدف كشف ستار “المجهول” ومعرفة ما يخبئه لهم مستقبلهم٬ تطبيق “قارئة الفنجان” متعدّد اللغات، منها التركية، والعربية، والإنجليزية، والإسبانية، وهو منتشر بشكل كبير في العالم، ويتداوله أكثر من 25 مليون مستخدم، ويتم خلاله أكثر من 750 مليون عملية قراءة فنجان.
المطلوب
برامج قراءة الفنجان بطرق إلكترونية تتطلب التقاط 3 صور للفنجان وتاريخ الميلاد والاسم وارسالها للتطبيق بأسعار مختلفة٬ تجد من يلهث ورائها دون إدراك صدقها أو كذبها٬ تلك البرامج التي يستخدمها غالبًا نساء يبحثن عن المجهول داخل قراءة كف أو فنجان، والتي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتهن، ووقعن فريسة لسيطرة الأوهام عليهن؛ خاصة أن النساء هن أغلب من يلجأن لمثل تلك الأمور؛ فهن أكثر انسياقًا وراء الوساوس والشكوك أكثر من الرجال؛ لتصبح من ضمن اهتماماتهن. «اقرأ» في هذا التحقيق تفتح ملف انتشار برامج قراءة الفنجان عبر الهواتف الذكية، وتستطلع آراء مهتمين بشؤون الأسرة والمجتمع والشرع .
50 تطبيقًا
قمنا بعمل بحث للاطلاع على تلك البرامج، حيث اكتشفنا انتشار ما يقارب 50 تطبيقًا يمكن تنزيلهم مباشرة دون قيود أو شروط مسبقة٬ والتي يسعى مثبتيها إلى استكشاف رموز تصنعها بطريقة عشوائية رشفات من فنجان القهوة٬ ومعرفة ما يخبئه لهم المستقبل، ومن خلال المشاركة في التطبيقات٬ ومنها على سبيل المثال: تعرف على ذكائك.. شخصيتك وأصدقائك الذين يحبونك، وغيرها الكثير من العبارات التي تجذب رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى هذه المنشورات الدعائية، والتي تحصل على أرباح مادية من زيادة أعداد الزائرين لها. الأمر الذي دعا الكثيرين إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه تلك التطبيقات بحجبها وعدم السماح بتحمليها كونها تنطوي على الدخول في السحر، والله هو وحده الذي يعلم الغيب ويقدر الأمور، ولا يستطيع أي انسان أن يتنبأ بالغيبيات.
شروط
وكشفت تفاصيل تلك التطبيقات عددًا من الشروط لقراءة الفنجان ومنها: أنّ يكون وقت التبصير صباحًا وحتّى بعد الظهر، وأن تكون القهوة سادة ودون سكر، والبعض الآخر يقول لا يوجد مشكله بوجود السكر، ولا يضاف إليها شيء من الروائح كماء الورد أو الزهر والعنبر ولا العطورات، وأن يكون تحميص البن وسطًا؛ أي لا فاتحًا ولا محروقًا غامقًا، ويشرب الفنجان على دفعات، ويحاول”الشارب” أن يجعل تنفسه في الفنجان بين فترات الدفعات شهيقًا وزفيرًا.
المجهول
يقول المستشار الأسري والتربوي أحمد سليمان النجار إن خوف الإنسان من المجهول شيء فطري وطبيعي٬ والحرص والحذر موجود طبيعيًا في الإنسان في حدود معقولة٬ ما لم يقوده إلى مراحل خطيرة٬ مثل اتباع تلك البرامج أو الدجالين ومن يدعى علم الغيب وهو محرم شرعًا ومنهي عنه، واجتماعيًا من يؤمن بها قد يقع مستقبلًا في مشاكل على مستوى الأهل والعمل بسبب حصوله على معطيات وقراءة خطأ من خلال تلك التطبيقات، الأمر الذي قد يبني عليها تصرفاته ونحوه؛ الذي قد ينتهي بتدمير حياته رأسًا على عقب، وقد يقع من يتبع ويهتم بتلك البرامج ضحية ابتزاز مالي.
المستقبل
ويرى الخبير الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي، أنّ اختراق التكنولوجيا للعديد من جوانب الحياة، ساهم في انتشار مثل هذه التطبيقات، ومنها تطبيق “قارئة الفنجان”، التي تلجأ له العديد من الفتيات، الباحثات عن “التنبؤ بالمستقبل”، أملًا في تلقّي أخبارًا سارّة.
ويضيف أنّ هذه الوسيلة الإلكترونية سهلة لمن تطلبها، لا تكبِّدها زيارة “الفتاحة أو العرافة”، كما أنّ حصولها على المعلومة، يتمّ بشكل سريّ، فما عليها سوى تحميل التطبيق، وإرسال “رسالة” للمفسرين.
ويؤكد الدكتور الخزاعي، بأنّ هناك فتيات “متشوِّقات” لسماع الأخبار السعيدة، التي تنبِئهم بمستقبلهم العاطفيّ أو العمليّ أو الدراسيّ، وعليه يتّخذونه ملاذًا للتفاؤل والأمل! وهذا غير صحيح، فهناك العديد من التفسيرات الخاطئة.
الوهم
ويحذِّر الدكتور الخزاعي متابعي هذه التطبيقات ومستخدميها، بأنّ أغلبها “وهمية”، خاصّة وأن 80% من مطالب ومشاكل الشباب والفتيات متشابهة، لذا تكون القراءة، أو التفسير قريبًا للواقع أحيانًا، وأغلبها تدور حول الحسد والغيرة.
ويَلفتُ، بأنّ هذه التسلية “لحظية”، وإذا تحوَّل الأمر لإدمان بشكل يوميّ، فهذا حتمًا سيؤثّر على الأفكار والسلوكيات والحالة النفسيّة فيما بعد.
تحريم
وأكد الشيخ والباحث في شؤون الأسرة خلوفه الأحمري أنه مع الأسف هناك فراغ كبير تعيشه كثير من النساء٬ فراغ معرفي وثقافي وديني٬ ومع تسارع وتيرة الثورة التكنولوجية وخصوصا أدوات التواصل الاجتماعي، شكل هذا ملجأ لكثير من النساء لإشغال أوقات الفراغ٬ ولان المرأة بطبيعتها تحمل هاجس الخوف من المستقبل وأحيانًا التطلع لمستقبل مشرق بدون عناء٬ وقد تغير مجرى حياتها بناء على هذه القراءة.
وقال: بهذه الدوافع تلجأ كثير من النساء إلى برامج منتشرة في الجوالات لقراءة الحظ أو الأبراج أو الكف والفنجان٬ وفي شريعة الإسلام كل هذا من الدجل والشعوذة المحرمة شرعًا، لذا يلزم المسلم أن يحذر منها، لا أن يتسلى بها ويدعو إليها. وإذا صح أن الشخص الذي يدعي معرفة الغيب عن طريق الدجل والشعوذة وقراءة الكف كافر -وهو صحيح- فإن فاعل ذلك للتسلية لا يقل عن أن يكون آثمًا إثمًا مبينًا، لكونه تشبه بمن أمر بالبعد منهم، ولأنه يلبس على المسلمين أمرهم، ولأنه قد يفضي فعله ذلك إلى استحسان بعض الحاضرين له فيسعون إلى تعلمه.
علم الغيب
وتابع الأحمري أن علم الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فهذا كله باطل وإن تكرر حدوث ما يخبر به هؤلاء مثل أن يخبروا عن إنسان فعل كذا أو فعل كذا وهم قد شاهدوه في مناطق أخرى، أو أشياء أخبر بها الجن أنها وقعت في بلاد كذا وكذا، أو حدث كذا، أو صار كذا، فهم ينقلون عن الجن أخبارًا أدركها الجن في بعض البلدان فأخبروا بها أولياءهم وهذا كله لا صحة له، ولا يحكم بأنهم يعلمون الغيب أبدًا، علم الغيب إلى الله سبحانه وتعالى، لكن هناك أمور تقع في بعض البلدان فينقلها الجن بعضهم إلى بعض، أو شيء يسمع من السماء؛ يسمعونه من الملائكة، إذا استرقوا السمع إلى السماء، فينقلونه إلى أوليائهم من الإنس، فقد تكون حقًا فيقع ويظن الناس أن كل ما فعلوا وقالوا صحيح، ويكذبون مع ذلك الكذب الكثير كما في الحديث: (إنهم يكذبون معها مائة كذبة)، والبعض منهم يكذب أكثر من مائة كذبة فلا يلتفت إليهم؛ لأن عمدتهم الكذب، وتعاطي الباطل والقول بغير علم، نسأل الله العافية.
ويوضح أن الجن كالإنس فيهم الكافر وفيهم المبتدع وفيهم الفاسق وفيهم الطيب، فالفساق للفساق، والكفار للكفار، والطيبون للطيبين، فالجن الذين يكذبون لبعض شياطين الإنس بإخبارهم ببعض المغيبات التي سمعوها من السماء، أو سمعوها من بعض البلدان، هؤلاء يفعلون ذلك؛ لأنهم خدموهم بعبادتهم من دون الله والذبح لهم ونحو ذلك؛ فالجن يخدمونهم بهذه الأخبار وهذه الآثار التي يكذبون فيها، وقد يصدقون في الشيء القليل، فيظنهم الناس صادقين في البقية٬ كما أوضح ذلك العلماء.
مسؤولية
واختتم الشيخ خلوفه الأحمري بأن على الجميع مسؤولية كبيرة للتحذير من هذه الخرافات والشعوذة والدجل٬ سواء جهات مسؤولة مثل وزارة الإعلام والشؤون الاسلامية٬ وكذلك الأسر داخل البيوت وعلى كل فرد مسؤولية أولًا بعدم اقحام نفسه في هذه المزالق، وثانيًا بالإبلاغ عنها للجهات المختصة٬ أو داخل هذه التطبيقات التي تتيح أحيانًا أيقونة البلاغ عن محتوى غير لائق.