يشارك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أعمال قمة مجموعة العشرين التي تستضيفها العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيرس، ويلتقي خلالها عددًا من الرؤساء والمسؤولين الدوليين.
وأعلن عدد من رؤساء الدول والمسؤولين الدوليين رغبتهم في لقاء ولي العهد لبحث الملفات المطروحة على القمة والتطورات في منطقة الشرق الأوسط والقضايا الثنائية ذات الاهتمام المشترك.
3 ملفات تقليدية
وستركز القمة على عدد من القضايا، أولها استعادة توازن التجارة البينية بين الدول، عبر معالجة الخلل في التجارة الدولية الذي نتج عن الاعتماد على اتفاقيات اقتصادية قديمة، وهو ما كانت تحاول الولايات المتحدة معالجته في السابق عن طريق فرض جمارك وعقوبات اقتصادية.
والملف الثاني؛ بحث كيف يمكن للمؤسسات الدولية توفير مناخ مناسب لجذب الاستثمارات للدول الناشئة بشكل مستدام، لتحفيز نمو الاقتصاد بها وتوفير فرص العمل، ورفع معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وثالث الملفات المطروحة على القمة هو المستقبل الغذائي المستدام، في ضوء السعي لتعزيز الأمن الغذائي العالمي، وفق الاشتراطات الصحية والبيئية.
وأخرى طارئة
وسيتيح تواجد قادة أقوى الدول اقتصاديًا وعسكريًا في العالم خلال قمة مشتركة، مناقشة قضايا أخرى ذات أهمية كبري، دفعتها إلى سطح الأحداث وبؤرة الاهتمام العالمي تطورات طارئة وعاصفة أحيانًا جرت خلال الفترة الماضية.
مجموعة العشرين تشكل 85% من إجمالي الناتج العالمي و 65.2% من سكان كوكب الأرض
وأغلب القضايا الراهنة المتوقع أن تبحثها القمة مدرجة في سياق المنافسة بين الولايات المتحدة وروسيا من جهة وبينها والصين من جهة أخرى؛ حيث سيدور الحوار بين واشنطن وموسكو حول التصعيد بين روسيا وأوكرانيا قرب مضيق كيرتش، ومصير معاهدة إزالة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى (DDSMD) في ضوء عزم واشنطن الانسحاب منها، ومستقبل مسألة الحد من انتشار الأسلحة ومراقبة التسلح و مدى التزام روسيا بالعقوبات على إيران وتداعيات قضية سكريبال، بينما تتناول المباحثات الأمريكية الصينية الصراع التجاري بين البلدين، وحلحلة المباحثات الثنائية المجمدة منذ مايو الماضي حول كيفية معالجة الخلل في الميزان التجاري بينهما، في ظل تهديد الإدارة الأمريكية بفرض رسوم جمركية إضافية على السلع الصينية بقيمة 267 مليار دولار؛ إذا فشل الطرفان في إبرام صفقة جديدة خلال القمة تراعي مطالب واشنطن بـ»النزاهة والتجارة العادلة».
وحال لم يتوصل أكبر اقتصادين في العالم إلى بوادر اتفاق على الأقل؛ ستدخل الحرب التجارية بين أمريكا والصين مرحلة تصعيد أخطر من سابقتها، ستؤثر بالضرورة على بقية دول العالم، التي ستواجه خطر تشتت التجارة الإقليمية والعالمية على حد سواء، وظهور «ستار حديدي عالمي» وركود اقتصادي طويل بدءًا من نهاية 2019 – وبداية 2020.
وبالإضافة إلى الموضوعات السالفة، ستتعاطى القمة مع عدد من القضايا الأخرى المهمة مثل مكافحة الإرهاب ومعالجة الهجرة غير الشرعية، والأزمات في عدد من الدول وعلى رأسها اليمن، في ضوء الرغبة الدولية والأمريكية تحديدًا في إسدال الستار على الصدام العسكري، والدخول في مسار المفاوضات السياسية تمهيدًا لإنهاء النزاع والتفرغ لإدارة الصراع مع إيران، وأيضًا ستناقش القمة التطورات في سوريا وليبيا وكوريا الشمالية والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي والأوضاع في ميانمار ومعاناة الروهينجا.
الحضور السعودي
ولا شك أن المملكة على تماس مختلف المستويات بجميع الملفات المطروحة على طاولة البحث العشريني، وتربطها علاقات مهمة بالدول الأعضاء في المجموعة وهم: (السعودية و18 دولة وهي؛ الأرجنتين، أستراليا، البرازيل، كندا، الصين، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا، اليابان، المكسيك، روسيا، جنوب إفريقيا، كوريا الجنوبية، تركيا، المملكة المتحـدة، الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي هو العضو العشرين المكمل للمجموعة، التي تشكل 85% من إجمالي الناتج العالمي و 65.2% من سكان كوكب الأرض)، لذلك الحضور السعودي بالغ الأهمية في قمة الكبار»اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا»، خاصة أن المملكة الدولة العربية الوحيدة العضو في المجموعة، ومن دونها ستتداول الدول الكبرى قضايا شديدة الخطورة على واقع ومستقبل الأمة العربية والعالم، دون صوت عربي يصوغ تحديات وآمال وتطلعات الدول العربية ويصون حقوقها وأمنها القومي.
ولا شك أيضًا أن قادة دول مجموعة العشرين في المقابل يتطلعون باهتمام كبير إلى الاستماع للرؤية السعودية، انطلاقًا من الدور المحوري للمملكة عربيًا وإسلاميًا ودوليًا، باعتبارها قوة اقتصادية كبرى ورائدة في محيطها العربي وصاحبة المكانة العظمى في قلوب مليار ونصف المليار مسلم حول العالم، ويكفي أن ترامب رئيس أقوى دولة في العالم شكرها على دورها في تحقيق الاستقرار والتوازن في أسواق النفط العالمية؛ إدراكًا منه لتحكم السعودية في عصب الحياة والاقتصاد العالمي» النفط»، وأنه لو كانت دولة غير مسؤولة «إيران مثلًا» قد حباها الله بمخزون نفطي مماثل للمملكة؛ لعمت الفوضى العالم وكسدت الأسواق وتحول كوكب الأرض إلى غابة كبيرة.
زيارة 4 دول عربية
قبل توجه ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى الأرجنتين لحضور قمة العشرين يومي الجمعة والسبت، قام سموه بجولة عربية شملت الإمارات والبحرين ومصر وتونس، كانت ضرورية لبحث أحدث التطورات على الساحة العربية، والوقوف على آراء قادة الدول الـ 4 ودراسة ملفات المنطقة، ومناقشة سبل تعزيز العلاقات الثنائية والجماعية، وبيان رؤى القادة في الملفات المتداولة في اجتماعات قادة قمة مجموعة العشرين،
وتنسيق المواقف بين المملكة والدول الـ 4 فيما يخص قضايا الأمة العربية والموضوعات الأخرى المطروحة على طاولة نقاشات العشرين، خاصة والإقليم يقف على أعتاب مرحلة فارقة، تسعى خلالها القوى الكبرى» وجميعها ضمن مجموعة العشرين» لغلق الملفات المفتوحة في المنطقة، سواء في اليمن أو سوريا أو فلسطين أو ليبيا،
كما تعمل الولايات المتحدة على تقليص التمدد الإيراني في الإقليم ولجم تدخلات طهران في الشؤون الداخلية للدول العربية وعديد من الدول الأخرى حول العالم؛ حيث فرضت واشنطن حزمة جديدة من العقوبات على نظام الملالي اعتبارًا من الـ 4 من نوفمبر الماضي، كل هذه الملفات الإقليمية بجانب تطورات دولية وتدشين المملكة عددًا من المشروعات الكبرى وفقًا لرؤية 2030؛ استلزمت التحاور وتبادل الآراء والأفكار مع الأشقاء في المنطقة، للوصول إلى تفاهمات بشأن الأحداث والملفات، قبل لقاء ولي العهد « صوت العرب في قمة الـ 20» مع باقي أعضاء المجموعة؛
لهذه الأسباب وغيرها كانت الجولة العربية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان شديدة الأهمية قبل زيارته للأرجنتين، خاصة و3 من الدول التي زارها سموه» الإمارات والبحرين ومصر» شركاء للمملكة في الرباعي العربي المكافح والمواجه للإرهاب وللعربدة الإيرانية في المنطقة، بينما كانت زيارة سموه إلى تونس للدلالة على رغبة المملكة في تعزيز التلاحم العربي داخل وخارج» الرباعي»، وأنها منفتحة على جميع الدول العربية.
الإمارات.. شركاء المصير
كان طبيعيًا أن تكون الإمارات الشقيقة أول دولة يزورها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ باعتبار قادة البلدين الأكثر توافقًا في الرؤى والأكثر تعاطيًا مع تحديات الإقليم، والأنشط في مواجهة المؤامرات، التي تُحاك من «القريب والبعيد»، لا سيما وأن تطابقًا في المواقف يجمع بين الزعيمين القويين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وأخيه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وجرى خلال الزيارة تنسيق المواقف والتحركات تجاه كل القضايا العربية والدولية، والتأكيد على الشراكة المصيرية بين البلدين في السراء والضراء.
وشهدت الزيارة العديد من مظاهر الاحتفال بوجود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الإمارات، حيث تزين برج خليفة بالأخضر لون علم المملكة، وفى منتصفه السيف وعبارة «لا إله إلا الله».
وعبر ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد عن سعادته بتلك الزيارة قائلًا: «ببالغ سعادتنا نرحب بضيف الإمارات العزيز أخي الأمير محمد بن سلمان .. نعتز بعلاقاتنا التاريخية المتجذرة ..آفاق واسعة من التعاون والشراكة الوثيقة والمثمرة تنتظر بلدينا .. ستظل الإمارات على الدوام وطنا محبًا وسندًا وعونًا لأشقائنا في المملكة العربية السعودية».
الإمارات ومصر ترفعان العلم السعودي.. والبحرين تمنح وسام»الشيخ عيسى».. وتونس تشيد بـ»الأب والأبناء».. هكذا استقبل ولي العهد في الدول الـ 4
وتعبيرًا عن التقدير الكبير، نشر الشيخ محمد بن زايد مقطع فيديو عبر حسابه على «انستجرام» تضمن أبرز لقطات من الزيارة بداية من وصول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى المطار، واستقبال عدد كبير من قيادات أبو ظبي له، ومراسم عزف السلام الوطنى، وغيرها من المظاهر المعبرة عن العلاقات الأخوية بين الجانبين.
البحرين.. علاقات متميزة
وكانت البحرين المحطة الثانية في جولة الأمير محمد بن سلمان، حيث شدد ولي العهد وجلالة الملك حمد بن عيسى ملك مملكة البحرين على مواجهة التدخلات الخارجية من القوى الإقليمية في الشؤون الداخلية للدول العربية، واستعراض الجانبان مجالات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات وسبل تطويرها، بالإضافة إلى بحث تطورات الأوضاع والمستجدات الراهنة على الساحتين الإقليمية والدولية، والجهود المبذولة تجاهها.
وقد دشن الجانبان ضمن فعاليات الزيارة خط أنابيب النفط الجديد بتعاون بين أرامكو السعودية وبابكو البحرينية بطول يبلغ 110 كم يربط بين معامل بقيق السعودية ومصفاة باكو البحرينية.
ومنح العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى وسام الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من الدرجة الممتازة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ تقديرًا لجهوده في دعم وتعزيز العلاقات المتميزة بين السعودية والبحرين.
السعودية و مصر.. «إيد واحدة»
ظي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بحفاوة بالغة وترحاب كبير خلال زيارته العاصمة المصرية القاهرة على المستويين الرسمي والشعبي، وتبادل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس عبد الفتاح السيسي الآراء بشأن قضايا المنطقة، وعكس الحوار الاتفاق الكبير بين القيادتين في مجمل الموضوعات، وأكدًا تواصل الجهود المبذولة للتوصل إلى حلول سياسية للأزمات الراهنة، سعيًا لتعزيز سيادة الدول العربية وصون حقوقها وسلامتها الإقليمية، بما يحقق طموحات شعوبها،
وجرى التأكيد على تكثيف التعاون والتنسيق المصري السعودي كدعامة حتمية لحماية الأمن القومي العربي، والتصدي بكل القوة والحسم للتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ومحاولات بث الفرقة بينها، والتي تسببت في إزكاء الفتن والصراعات والجرائم الإرهابية بها.
التقدير الشعبي المصري للعلاقات الأخوية بين القاهرة والرياض، والترحيب بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ظهر جليًا في التجمعات الشعبية التي اصطفت خلال مرور موكب الأمير محمد بن سلمان بمنطقة وسط البلد بالقاهرة؛ حيث هتف المواطنون «السعودية ومصر إيد واحدة» ورفعوا الإعلام السعودية والمصرية؛ تعبيرًا عن ترحيبهم بزيارة ولى العهد للقاهرة.
كما دشن مغردون مصريون هاشتاج «مصر والسعودية إيد واحدة»، لإعلان موقفهم الداعم للملكة، وصعد الهاشتاج إلى قائمة الأكثر استخدامًا على «تويتر»، وتوالت التعليقات مثل: «لن يخذلكم المصريون المتعلقون بهذا البلد وبالحرمين الشريفين، كل مصر فداك يا ملك سلمان، معكم فى السراء والضراء مهما تكالبت الأعداء».
المملكة على تماس بجميع الملفات المطروحة على طاولة البحث العشرينى
تونس.. انطلاقة متجددة
وكانت تونس المحطة الرابعة والأخيرة في جولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث أكد الرئيس التونسي باجي قائد السبسي، خلال لقاءه بولي العهد، على أن العلاقات بين السعودية وتونس متجددة وليست جديدة.
وقال السبسي: «كنا نتحدث مع سمو الأمير الذي شرفني بقوله أنا ابنك، وأنا اتشرف بذلك، وإن شاء الله الزيارة هذه فاصل خير وانطلاقة جديدة للعلاقات، بل بالعكس انطلاقة متجددة وليست جديدة، وأهلا وسهلا به (الأمير محمد بن سلمان) هو في بلده، ونحن في عاداتنا وتقاليدنا، لا يرحب بالمرء في عقر داره..»
وتابع قائلًا: «احنا مشهورين بتونس بسياسة المراحل، وسياسة المراحل من تخطيط الملك عبدالعزيز رحمه الله، وقت تقابله مع الحبيب بورقيبة.. ولهذا نحن إلى الآن علاقاتنا مع السعودية علاقات متميزة، والحمد لله الأبناء جاؤوا بمستوى تاريخ الأب».
بوينوس آيرس
وعقب زيارته إلى تونس، توجه ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيرس، التي تستضيف قمة مجموعة العشرين، حيث وصلها الأربعاء، ليبدأ نشاطات مكثفة ولقاءات عديدة مع قادة ومسؤولين دوليين، معبرًا عن مواقف ومصالح المملكة العربية السعودية والأمة العربية بأسرها، باعتبار المملكة الصوت العربي الوحيد المشارك في القمة،
ومن المتوقع أن يزور سموه عدة دول عربية بعد اختتام فعاليات القمة، لمزيد من تبادل الرؤى وتنسيق المواقف حول القضايا العربية والإقليمية والدولية، في إطار المساعي السعودية المتواصلة لتعزيز التضامن العربي، وللوصول لحلول مرضية للأزمات المستفحلة في المنطقة والإقليم، بما يصون الأمن القومي العربي ويحقق تطلعات العرب من المحيط للخليج.